لا يكف نظام السيسي الانقلابي عن توجيه سهامه المسمومة إلى قطر واتهامها بـ”دعم الإرهاب”، ومواصلة عمليات التحريض بطريقة معيبة موتورة تنم عن قصر النظر والفشل، فهذا النظام الانقلابي الاستبدادي يسعى لفرض وجهة نظره على الأمة العربية كلها، وتعميم نموذجه الانقلابي الديكتاتوري على الدول العربية، مما يعني مصادرة الحريات وقلب الاستراتيجيات والسياسات وتحويل الإعلام إلى أداة وبوق لصالح السلطة ضد الشعب ومطالبه، وهو بذلك يريد أن يدخل المنطقة كلها في “بيت الطاعة الاستبدادي”.
لا شك أن هذا نظام السيسي الانقلابي يشعر بالقلق بسبب التغيرات الإقليمية، التي بدأت تبتعد عن التبني الكامل للانقلاب، ومحاولة البحث عن مخرج ولو أدى ذلك إلى إزاحة السيسي من المشهد السياسي، وكذلك فشل النظام الانقلابي بتقديم أي حل لمشاكل مصر المزمنة، وإغراق البلاد في المزيد من الفساد والفقر والبطالة والخراب، ووصول المديوينة إلى مستويات غير مسبوقة وانهيار قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات الانتحار بشكل مذهل وصل إلى 36 ألف محاولة نجح 4200 منهم بقتل أنفسهم هربًا من جحيم السيسي ونظامه، مما يفقد هذا النظام أية شرعية مهما كانت، وهو فاقد للشرعية أصلا.
هذان العاملان يرعبان السيسي وشركاءه، ولذلك يحاول البحث عن مخرج لتصدير أزماته عبر تسويق نفسه “محاربًا ضد الإرهاب” والتدخل في ليبيا، واختراع حرب في ليبيا من أجل التحشيد الداخلي لرفع شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وبذلك يجد مبررًا لكبت الحرية ومواصلة القمع وسفك الدماء وانتهاك الحريات.
هذا النموذج الذي يطبقه السيسي مستورد من “كاتالوج قديم” ومستهلك انتهت مدته الافتراضية، لأنه يعتقد أنه إذا طبق سياسة “خذوهم بالصوت لا يغلبوكم” ستقيه السقوط والانهيار، وهذا ليس أكثر من وهم وخيال، وهو ما دفع الدوحة إلى وصف الاتهام المصري بأنه “تصريح موتور يخلط بين ضرورة مكافحة الإرهاب وبين قتل وحرق المدنيين بطريقة همجية.. وأنه يجب عدم الزج باسم قطر في أي فشل تقوم به الحكومة المصرية، لأن قطر داعمة وسوف تظل دائمًا داعمة لإرادة الشعب المصري واستقراره”. وهو الموقف الذي أيده مجلس التعاون الخليجي الذي وصف اتهامات نظام السيسي بأنها باطلة وتجافي الحقيقة.
لكن الحقيقة هي أن نظام السيسي يمارس الإرهاب عمليًا ضد الشعب المصري والشعب الليبي، وأنه قتل ما يزيد على 6000 مصريًا بريئًا واعتقل أكثر من 42 ألف شخص وجرح آلاف غيرهم، وحرق الجثث في ميدان رابعة وجرف جثثهم بالجرافات وألقى جثثهم في أماكن مجهولة، وخنق المعتقلين بالغاز في سيارة الترحيلات، وهي جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
في نهاية شهر ديسمبر الماضي كتبت مقالا – لم ينشر للأسف – عن “المصالحة المعقدة بين قطر ومصر” قلت فيه إن ملف المصالحة بين قطر ومصر معقد وشائك ومتشابك، وإن التصريحات الرسمية “المتفائلة دائما” لا تعكس الحقيقة في الغالب، كما أن التناول “الاحتفالي” يدخلنا في إنشائيات عديمة القيمة من الناحية العملية، فالصحافة المصرية حددت 6 شروط للمصالحة بين البلدين وهي: “توقف الدعم القطري للجماعات المسلحة في ليبيا، والعلاقات الاستراتيجية بين الدوحة وأنقرة التي تعادي مصر، والخلاف حول الأزمة السورية، وتوقف قطر عن تقديم الدعم للمعارضة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين وتسليم المطلوبين، وأن تكون من الدول الداعمة لمصر اقتصاديًا، ولجم قناة الجزيرة”.
هذه الشروط تجعل من المصالحة صعبة بل مستحيلة، فهي تعني مطالبة قطر بالاستسلام ورفع الراية البيضاء “سياسيًا” والاستدارة 180 درجة على سياستها وثوابتها، وهذا مستحيل عمليًا ونظريًا.
حبل المشنقة يضيق على عنق النظام الانقلابي الجاثم على صدور المصريين، وافتعال حرب في ليبيا وأزمة مع قطر لن يمنعا سقوطه الحتمي القريب.