على الرغم من الانتقادات الدولية المستمرة لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، بما يتعارض مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها مصر، رفضت المحكمة العسكرية العليا للطعون بتاريخ 24/3/2014 طلب النقض المقدم من دفاع المتهمين في القضية رقم 43 جنايات عسكرية لسنة 2014 وأيدت الحكم الصادر على سبعة متهمين بالإعدام شنقا والمؤبد لشخصين آخرين.
كانت محكمة الجنايات العسكرية بمنطقة "الهايكتسب" بطريق السويس الصحراوي قد قضت بتاريخ 21/10/2014 بإعدام سبعة من المتهمين في القضية المذكورة والمعروفة إعلامياً باسم "عرب شركس" والمؤبد لشخصين آخرين.
وكانت النيابة العسكرية قد وجهت للمتهمين تهمة تنفيذ هجوم مسلح استهدف حافلة تقل جنود الجيش في منطقة الأميرية بالقاهرة، وأسفر عن مصرع مساعد بالقوات المسلحة في 13 مارس 2014، وقتل 6 جنود في كمين للشرطة العسكرية في منطقة مسطرد في 15 مارس 2014، وقتل ضابطين أمن بمخزن عرب شركس بتاريخ 19 مارس 2014 حال ضبطهم وفق ما قررته النيابة العسكرية.
وعلى الرغم من أن إجراءات المحاكمة قد شابها أخطاء مهنية وإجرائية جسيمة كما تمت توجيه اتهامات جزافية لمتهمين ثبت بالدليل القطعي قيام قوات الأمن باعتقالهم قبل ارتكاب الجرائم المشار إليها بفترة طويلة مما يطعن في مصداقية كل التهم الموجهة للمعتقلين على ذمة القضية، فإن صدقي صبحي وزير الدفاع قام بالتصديق على الحكم رغم أن هذا الحكم قد تم إصداره في ظل خروقات جسيمة وانتهاك لحقوق المتهمين الأساسية.
في السياق ذاته، تمكنت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا من الالتقاء بجميع المعتقلين المحبوسين على ذمة القضية من خلال محامين المنظمة والذين أكدوا أنهم قد تعرضوا للتعذيب بشكل بالغ القسوة لإجبارهم على الاعتراف بتهم لم يرتكبوها كما تعرض بعضهم للاختفاء القسري على يد قوات الأمن قبل وقوع الجرائم محل الدعوى الجنائية بأشهر.
وأكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أنها سبق وتلقت شكاوى من قبل أسر بعض المتهمين في الدعوى الجنائية قبل وقوع الجرائم محل الدعوى، تفيد تعرض ذووهم لعمليات إخفاء قسري من قبل أجهزة الأمن وتقدمت الأسر في هذه الأوقات لكافة الأجهزة المعنية في الدولة بتلغرافات ومناشدات رسمية لإجلاء مصير ذووهم دون جدوى، دون أن يتلقوا من ردا، كما قامت بعض الأسر بتحرير محاضر رسمية في النيابة العامة بعمليات القبض غير القانونية على المتهمين دون أن يتم عرضهم على النيابة أو توجيه اتهام لهم، وتم تقديم كافة هذه المستندات الرسمية في المحكمة ضمن أوراق القضية إلا أن المحكمة مضت غير عابئة بكل تلك الدلائل والخروقات القانونية الجسيمة لتخط حكما بدا واضحا أنه تم اعداده سلفا.
وتوضح أدلة قطعية قيام أجهزة الأمن بإعتقال المتهم الثاني محمد بكري هارون بتاريخ 28/11/2013 أي قبل ارتكاب أي من الوقائع التي نظرتها المحكمة بأشهر، حيث اعتُقل في مدينة الزقازيق بالشرقية مع وزوجته وأبنائه واحتجزت زوجته 10 أيام في الأمن الوطني بالزقازيق ثم أطلق سراحها واستمر اخفاؤه قسريا حتى تاريخ الإعلان عن ضبطه في مؤتمر وزير الداخلية 30 مارس 2014، وتقدمت الأسرة ومحامو الدفاع بما يفيد ذلك صراحة أمام المحكمة وأمام الجهات المعنية دون جدوى.
كما تم توثيق اعتقال المتهم الثالث هاني مصطفى أمين عامر بتاريخ 16/12/2013 حيث تم إلقاء القبض عليه مع صهره أحمد سليمان من مكتب رئيس حي ثالث بالإسماعيلية وتم اقتيادهم إلى سجن معسكر الجلاء بالجيش الثاني الميداني والشهير بالعزولي ليواجه كل منهما تهما مختلفة لوقائع حدثت بعد اعتقالهما وأجبرا على التوقيع على تلك التهم تحت وطأة التعذيب وتم تقديم أوراق رسمية تثبت ذلك ومحاضر تحقيقات النيابة العامة التي تفيد اعتقاله قبل تلك الوقائع إلا أن المحكمة لم تنظر إليها أو تعرها اهتماما.
كما اعتقل محمد علي عفيفي بتاريخ 19/11/2013 في ظروف مشابهة، وتعرض كل من عبد الرحمن سيد رزق، خالد فرج محمد محمد علي، إسلام سيد احمد، أحمد أبو سريع محمد، حسام حسني عبد اللطيف سعد للاعتقال بتاريخ 16/3/2014 وتعرض جميعهم للتعذيب للاعتراف بتهم لم يرتكبوها دون أن تحقق أي جهة في وقائع تعذيبهم وتعريضهم للاختفاء القسري، وتوجيه اتهامات لم يشاركا فيها حيث تمت أثناء اعتقالها في سجن العازولي وفق ما ثبت أمام المحكمة بالدليل القطعي.
وبحسب ما وثقته عدد من المنظمات الحقوقية تبين أن متهمي القضية تعرضوا أثناء المحاكمة لإهدار كامل لحقوقهم الأساسية فيما يتعلق بالمحاكمة العادلة فتمت محاكمتهم أمام محكمة استثنائية (القضاء العسكري) لم يتمكنوا خلالها من التمتع بحقهم في الدفاع عن أنفسهم أو أن توضع الأدلة الجوهرية التي تقدموا بها محل نظر واعتبار.
ويشار إلى أن المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن ( لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضية محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفا وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه).
كما أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب -ومصر دولة طرف فيه وملزمة بأحكامه وفقا للدستور المصري- اعتبر أن إجراءات المحاكمات العسكرية تخرق ضمانات إجراءات التقاضي الصحيحة المكفولة وجاء في نصه في المادة 26 أنه " يتعين على الدول الأطراف في هذا الميثاق ضمان استقلال المحاكم" وفي تفسير اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لهذه المادة قالت: "يجب أن يقتصر الغرض الوحيد من المحاكم العسكرية على المخالفات عسكرية الطابع تماماً والتي يرتكبها عسكريون، ويجب ألا يكون للمحاكم العسكرية في أي ظرف من الظروف أي اختصاص على المدنيين".
ووفق ما سبق، يتضح من دلائل تلك القضية وتوجيه هذه الاتهامات إلى المعتقلين في أحداث تلت احتجازهم بالسجون السرية، أن السلطات المصرية لا تحرص على مواجهة الإرهاب بقدر حرصها على استخدامه كذريعة ومبرر لانتهاك حقوق الإنسان وتغييب منظومة العدالة، فتتجاهل البحث عن مرتكبي هذه الجرائم الأصليين لتلفق التهم تباعا لمختطفين قسريا في سجونها السرية.
ومع هذه الدلائل القوية والتي هي مثبته بأدلة ومستندات مرفقة داخل أوراق القضية يعد تنفيذ حكم الإعدام بمثابة الاشتراك في جريمة القتل العمد، لانتهاكها لمعايير الدنيا للمحاكمات العادلة.
مرفقات:
أدلة رسمية تفيد اعتقال المتهم هاني مصطفى أمين عامر -بتاريخ 16/12/2013 أي قبل وقوع أحداث المحاكمة بأشهر.
شكوى مقدمة إلى النائب العام حول تعرضه للاختفاء القسري بسجن العزولي المصري:
2- تلغرافات مقدمة من أسرة المتهم تفيد تعرضه للاختفاء القسري بشهر ديسمبر 2013:
3- محضر رسمي بالنيابة العامة كنتيجة للإبلاغ عبر التلغراف تم فتحه قبل وقوع الجرائم محل المحاكمة وقبل معرفة مصير المتهم هاني مصطفى
4- شكوى مقدمة إلى النائب العام حول اختفاء المتهم الثاني في القضية قبل وقوع الجرائم محل المحاكمة:
5-
تلغراف إلى النيابة العامة حول اختطاف المتهم محمد بكري هارون في نوفمبر 2013:
أمر الإحالة: