لم يكن هتاف الشرطة “يسقط يسقط.. حكم العسكر”، في واقعة حصار الجيش لقسم مركز شبين الكوم بالمنوفية، لترد عليهم قوات الشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة بهتاف الثوار في ميادين الثورة: “الداخلية.. بلطجية”، وليد اللحظة، فقد شهدت مصر صراعا بين الجيش والشرطة، منذ أن أنشأ السادات جهاز “الأمن المركزي” ليكون ساعده لمواجهة تمرد قادة الجيش عليه أواخر سبعينيات القرن الماضي.
نرصد هنا عرضا تاريخيا لصراع الجيش والشرطة، منذ بداية عهد الرئيس المخلوع مبارك حتى الانقلاب على الدكتور محمد مرسي.
أحداث الأمن المركزي 1986
في بداية عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك قامت قوات الأمن المركزي بتمرد مسلح عام 1986، لأسباب غير معروفة بالضبط، ما بين إشاعة داخل معسكرات الأمن المركزي تقول إن مدة الخدمة ستزيد من ثلاث سنوات إلى خمس، وتدبير من كبار رجالات الشرطة للإيقاع بوزير الداخلية حينها، اللواء أحمد رشدي.
قامت معسكرات الأمن المركزي في الجيزة وأسيوط وعدة محافظات بتمرد اشتمل على تخريب ومهاجمة بعض مؤسسات الدولة، وانضم للجنود بعض من جماهير الشعب، لكن التواجد الأهم كان لجنود الأمن المركزي، مما اضطر النظام إلى أن يلجأ إلى الجيش من جديد، وقرر المشير عبد الحليم أبو غزالة، وزير الدفاع في ذلك التوقيت، التدخل ليحسم الأمر، ليسقط مئات القتلى من جنود الأمن المركزي في أثناء قمعهم على يد الجيش.
نفوذ أبو غزالة أقلق مبارك، فقام بإقالته نهاية الثمانينيات، ومع الإطاحة بأبو غزالة زاد نصيب الداخلية من الإنفاق العام في الموازنة، بينما انخفض نصيب الجيش.
قبل الثورة
وقبل ثورة 25 يناير حرص مبارك، ورغم أنه عسكري سابق، على إضعاف دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، كما أضعفها أيضا حينما أنعش الاقتصاد الحر ودور رجال الأعمال، فأصبحت شركاتهم تنافس شركات المؤسسة العسكرية التي ظلت منتعشة منذ عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر، وذلك رغبة منه في تصعيد نجله -المدني- جمال لوراثة الحكم بعده لأول مرة منذ 1952 على حساب العسكريين.
تراجع نفوذ الجيش في مصر بصورة كبيرة، وأصبح ضباط الجيش يعانون مثلهم مثل بقية الشعب من بطش أجهزة الشرطة القوية التي أعطاها مبارك مزايا على حساب الجيش، ونشرت الصحف وقائع عديدة لاعتداء ضباط شرطة على ضباط جيش واعتقالهم لأسباب تتعلق بخلافات ثنائية أو قضايا مرورية، أو غيرها.
الثورة وانكسار الشرطة ونفوذ الجيش
عندما تدخل الجيش لحماية ثوار 25 يناير2011، أو هكذا بدا في ذلك الوقت، كان الهتاف الشهير يتردد في جنبات ميدان التحرير “الجيش والشعب.. إيد واحدة”، أما العدو في ذلك الوقت فكان واضحا أنه الشرطة، خصوصا في الأيام الأولى للثورة قبل أن يتحول الأمر سريعا إلى مطالبة برحيل حسني مبارك ونظامه.
وانكسرت الشرطة أمام طوفان الشعب الهادر، لتلتقط المؤسسة العسكرية الفرصة لاستعادة نفوذها القديم، حتى إن الاعتداء على مقار جهاز أمن الدولة تم تحت إشراف مدرعات الجيش التي تركت المتظاهرين يدخلونها.
انقلاب يوليو.. وتحالف الجيش والشرطة
اختلفت المعادلة يوم 30 يونيو 2013، حيث هتف البعض “الجيش والشرطة.. إيد واحدة” وزاد عليه آخرون “الجيش والشرطة والشعب.. إيد واحدة”، في إشارة إلى تأييد المؤسستين العسكرية والأمنية للتظاهرات التي خرجت ضد الرئيس محمد مرسي.
وحمى الجيش الشرطة ولا يزال يساندها ويحمي مديريات الأمن والسجون حتى هذه اللحظة، وهو الذي أعاد لها الثقة، ولم يعرف ضباط الشرطة قدرهم في ما بعد أمام حجم ونفوذ الجيش، لتعود الصحف بنشر اشتباكات بين أفراد من الجيش والشرطة.
ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013، وقعت قرابة خمسة أحداث اشتباك ومصادمات بين أفراد من الشرطة والجيش، ولأول مرة تشهد مصر هتافات بين الطرفين مثل: “يسقط يسقط حكم العسكر” و”الداخلية بلطجية”.
وكان رد فعل الجيش عنيفا تجاه الشرطة في أكثر من مناسبة جاء في صورة هجمات بالمدرعات على مقار للشرطة وحصارها والقبض على ضباط شرطة وتكديرهم مثلما يجري مع الجنود الصغار.
شجار بالأسلحة النارية أمام قسم إمبابة
في مارس 2014 وقعت مشاجرة كبيرة بين قوات الشرطة في قسم إمبابة وقوات الجيش المتمركزة أمام القسم لحمايته، وتبادل الطرفان إطلاق الرصاص، وكان السبب اعتداء أمين شرطة على مجند بالجيش، واشتعلت الأحداث لتطلق قوات الجيش قنابل الغاز على قوات الشرطة التي تحصن أفرادها داخل القسم، ليهتف العشرات من رجال الشرطة حينها “يسقط يسقط حكم العسكر”.
حصار الجيش لقسم شرطة شبين الكوم
مساء الثلاثاء 14 إبريل الماضي وقعت مشادات بين ضابط طيار في الجيش وأفراد من قوات شرطة المرور بمحافظة المنوفية شمال مصر، على خلفية مطالبة شرطة المرور لضابط الجيش بإبراز رخصة سيارته، ورفضه بحجة أنه طيار بالجيش، تبادل على إثرها الطرفان الشتائم وتم القبض على ضابط الجيش ونقله لقسم الشرطة، وعلى الفور حضرت قوة من الشرطة العسكرية حاصرت قسمي شرطة بالمحافظة بالقوة، وأغلقت مبنى مجمع المحاكم في مدينة شبين الكوم واشتبكت مع قوات الشرطة ومنعتهم من الخروج لحين تسليم ضابط الشرطة الذي أهان ضابط الجيش، للتحقيق معه بمعرفة النيابة العسكرية بدعوى اعتدائه على ضابط جيش.
وعندما رفض وكيل النيابة التحقيق في الواقعة، وقال إنها تابعة للنيابة العسكرية وطلبت الشرطة العسكرية أخذ ضابط الشرطة معها للتحقيق معه، قام عدد كبير من الشرطة بالتصدي لهم ومنعهم وإغلاق المبنى والتجمهر أمامه.
هتف أفراد الشرطة في قسم ومركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بعد حصار الشرطة العسكرية لهم للقبض على ضابط الشرطة: “يسقط يسقط حكم العسكر”.. و”حسبنا الله ونعم الوكيل”، وردت عليهم قوات الشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة بهتاف “الداخلية بلطجية”.
أحداث قسم محرم بك
مساء الثلاثاء 11 نوفمبر الماضي وقعت اشتباكات في محيط قسم محرم بك بمحافظة الإسكندرية، بين قوات الجيش والشرطة، على خلفية معركة كلامية بين نائب مأمور قسم الشرطة وأحد ضابط البحرية، قام على إثرها نائب المأمور باحتجاز ضابط البحرية في القسم، ليفاجأ بعدها بدقائق بحضور مجموعة كبيرة من ضباط البحرية وأفراد من الشرطة العسكرية وحاصروا القسم من جميع الاتجاهات.
وقامت القوات البحرية بإغلاق الشارع أمام القسم، ووقعت اشتباكات بينهم وبين أفراد الشرطة أسفرت عن إصابة أمين شرطة، إلا أن عددا من المسؤولين تدخلوا على الفور وأنهوا الشجار الذي كاد أن يتطور، وتم إخلاء سبيل ضابط البحرية، وعاد جميع أفراد القسم مباشرة إلى عملهم.
تكدير ضابط شرطة داخل معسكر للجيش
في 13 أكتوبر الماضي وقعت مشاجرة في كمين أمام بوابة تحصيل الرسوم بالكيلو 40 طريق بورسعيد-الإسماعيلية، بين ضابط جيش وضابط الشرطة المسؤول عن الكمين، بعد تعدي ضابط الشرطة لفظيا على ضابط الجيش وزوجته، فأبلغ ضابط الجيش الشرطة العسكرية التي تحركت إلى الموقع واقتادت أفراد قوة الكمين من الشرطة إلى أحد معسكرات الجيش لتكديرهم.
وأظهرت الصور التي نشرتها مواقع التواصل ضابط مباحث و4 أفراد شرطة وهم يقفون في طابور تكدير، بعدما أهانتهم قوات الشرطة العسكرية، وأجبرتهم على الوقوف في طابور دون حراك لفترة طويلة داخل معسكر للقوات المسلحة.