بعد عامين على الانقلاب في مصر، دب الضعف والإحباط في حركات المعارضة، حيث أصبحت المظاهرات غير ذات جدوى، بعد أن كانت هي تقريبا التكتيك الوحيد المتبع من التحالف الرئيس لأحزاب المعارضة. وقد تسبب هذا الإحباط في تحول البعض، وربما الكثيرين من القوى المعارضة لتأييد الدولة الإسلامية في العراق والشام ووكيلهم في سيناء، حتى بدا أن خطاب بعض الأحزاب الإسلامية ينطوي على تحول محتمل تجاه المعارضة المسلحة.
هناك مسلمة بديهية شائعة تشير إلى أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وإذا كانت هذه المسلمة صحيحة، فعندها ستفرض علينا البيانات الإحصائية بشأن الحركات الثورية خلال الـ 100 عام الماضية إعادة تعريف ما نعنيه “بالقوة”.
تم نشر كتاب هام بشأن فعالية اللاعنف الاستراتيجي في عام 2011، وهو كتاب يستحق القراءة من قبل كل قادة الثورة الذين يسعون لوضع استراتيجية ناجحة ضد الأنظمة القمعية.
ويمثل الكتاب المعنون بـ”لماذا تنجح المقاومة المدنية؟: المنطق الاستراتيجي لنزاع اللاعنف”، من تأليف إريكا شينويث، وماريا ج. ستيفان، التقييم الأكثر شمولية وعلمية حتى تاريخه في تحليل النجاح الشامل للاعنف مقابل حركات المقاومة المسلحة حول العالم.
بعد تقييم ما يزيد على 300 حملة مقاومة، يجادل المؤلفان بقناعة تامة بأن حملات المقاومة الرئيسة التي انتهجت “الثورة السلمية غير العنفية” منذ عام 1900 وحتى 2006، والتي سعت إلى إسقاط الديكتاتورية، وإخراج الاحتلال الأجنبي، أو تحقيق تقرير المصير؛ كانت أكثر نجاحا بمقدار الضعف من الحملات التي تبنت الاضطرابات المسلحة لتحقيق ذات الأهداف.
لقد تمتعت حركات اللاعنف دائما بتنوع أكبر، مع مشاركة شعبية أكبر من النضال العنيف؛ ويمثل ذلك عنصرا ضروريا لنجاح الإطاحة بنظام الحكم. حتى الثورة الإيرانية، التي يعتبرها الكثيرون اليوم نموذجا مفيدا للحركات الثورية المصرية، اتسمت بكاملها تقريبا باللاعنف، واعتمدت على اشتراك عريض للفصائل السياسية، بما يشمل المحافظين المتدينين، والماركسيين، والليبراليين الدستوريين، كما سعت القيادة الثورية الإيرانية في ذلك الوقت إلى الانشقاق عن قوات الأمن وليس اغتيال هذه القوات.
وبمجرد تحول الحركات الثورية الشعبية إلى الاضطراب المسلح، انهارت احتمالية النجاح على الفور. هذا ليس رأيا، إنه حقيقة تاريخية مجربة.
ومع ذلك، وبالطبع تشمل مقاومة اللاعنف العشرات إن لم يكن مئات الخيارات التكتيكية، وهي تتطلب درجة عالية من الإبداع والتفكير الاستراتيجي من جانب القيادة الثورية.
وفي هذا السياق، فقد أثبتت التجربة العملية فشل الاعتماد فقط على المظاهرات الحاشدة في الميادين العامة، ولكن هذا يمثل فشلا في تخطيط القيادة، وليس فشل استراتيجية اللاعنف نفسها!
وتشمل مقاومة اللاعنف المُظاهرات، والإضرابات العمالية، وإبطاء العمل، والمقاطعة، وقطع الطرق وتعطيل المنشآت، ..إلخ، إلخ، وفي حالة مثل مصر، حيث يدعم المستثمرون الأجانب والشركات متعددة الجنسيات النظام بوضوح، وهم في الواقع من يحكمون الدولة، فإن توجيه تكتيكات اللاعنف (نعني الاضطراب بدون إراقة الدماء) إلى أهداف خاصة بهذه الشركات، بما يؤدي إلى خسارة في مقدار أرباحها وخفض الكفاءة التشغيلية لها؛ فإن من المتوقع أن تحقق هذه الحملات النجاح.
وبالعودة إلى مثال الثورة الإيرانية، فقد كانت الإضرابات العمالية وإبطاء العمل في مواقع النفط من بين التكتيكات الأكثر فعالية، والأمر نفسه سيحدث في مصر، إذ إن القدرة على إحداث اضطراب في هذا القطاع الحيوي سيكون له تأثير هائل.
وعلاوة على ذلك، فإن تعطيل الموانئ والنقل التجاري، والتشويش على عمليات التزويد للشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم مصر كمركز لوجستي لنقل بضائعها إلى شمال أفريقيا، قد يكون كافيا للتسبب في خسارة النظام للدعم الدولي.
باختصار: لا تعني استراتيجية اللاعنف إرسال الشباب الثوري ليتم سجنه أو ذبحه؛ بل إن هناك العديد من الخيارات المتاحة والتي يمكن من خلالها توجيه ضربة ضد النظام، أو زيادة الدعم الشعبي لنضال المقاومة، مع حماية أرواح النشطاء.