جاء حادث تصادم مركب الوراق بصندل نهري مخصص لنقل البضائع، في أول أيام عيد الفطر السعيد -الذي لم يكن سعيدًا أبدًا على جموع المصريين- فتسبب ذلك الحادث في مقتل وغرق ما يقارب 39 مصريًا.
والمثير للسخرية، تلك التصريحات التي خرج بها مسؤولو الجهات الأمنية في عدد من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة عن اتخاذ كل التدابير (الأمنية) اللازمة لتأمين سلامة احتفال المصريين بعيد الفطر.
وحقيقة مثل تلك التصريحات ووقعها على المصريين، أنها تصريحات روتينية اعتاد المصريون على سماعها في مثل تلك المناسبات، ومن مثل هؤلاء المسؤولين، ولكن وقعها كطعمها الروتيني لا يغني ولا يشبع من جوع.
وحينما يقرر المصري الخروج للشارع، فهو يخرج ورزقه وحمايته على الله كما يقولون، فبداية من التحرش بالفتيات أو التعرض لحوادث سير، إلى الموت بتفجير في مكان لا يعلمه أو في مركب أو في مظاهرة، أو حتى بتسمم دوائي كحالات تسمم أطفال بني سويف..
كتالوج الموت لا ينتهي وربما ستتسع دائرته، ولكن فئويته ستظل تستهدف غالبية المصريين من الفئات الأكثر فقرًا وضعفًا.
هؤلاء الفقراء ممن يدفعون ليل نهار فاتورة الفساد وعدم المحاسبة بل منهجية الآلات من العقاب التي تنتهجها الحكومة وتكرسها بممارسات فجه تترجم القصور الشديد، بل المتعمد، من أجهزة الدولة المعنية بالأساس بحماية أمن المواطن وحياته، ليتحول مفهوم الأمن الوطني وثوابته من أمن المواطنين إلي أمن أشخاص بعينهم على رأس هذا النظام الجديد القديم (هم الوطن والوطن هم)، وما دونهم ليذهب للجحيم وليختر طريقة الموت المناسبة من كتالوج الموت اليومي لمشهد درامي حزين في مسلسل الاستهانة بحياة المصريين.
ومثل تلك الحوادث المؤلمة، هي كاشفة وخاصة مع تراجع الدور الإعلامي المجتمعي المسؤول، والذي كان يمثل رئة للشعب المصري في فضح تلك الحوادث والوصول لتحديد المسؤولية عن تلك الجرائم، وخاصة مع منهج الأجهزة الرسمية في الإنكار وإلقاء المسؤولية على الغير من أشخاص أو أجهزة.. فمثلًا في حادثة الوراق هذه يتبادل مسؤولو الداخلية ووزارة الموارد المائية والهيئات الإدارية التابعة من هيئة نقل نهري وغيرها، الاتهامات.. كل هؤلاء يوجهون الكاميرا بعيدًا للهروب إلى الأمام، إلى الأهداف الأكبر في الترقي الوظيفي الذي يعتمد في المقام الأول على عامل الثقة ما بين المسؤول والنظام.. وبالتالي يدافع كل عن الآخر باستماتة ويحمي كلاهما الآخر ويحصنه من المسؤولية والمسألة. ويدرك هؤلاء أنه لا محاسبة وأن كل تلك الجرائم وبعد أيام الحديث الأربعيني والذي يمكن أن يكون أقل من الأربعين يوما المعتاده للحزن علي الموتى، بل ستمضي وتدفن تلك الجرائم وتمر بدون محاسبة قبل الأربعين.
معظم جرائم القتل هذه، وفي القريب وقبل أن تتساقط من الذاكرة، نذكر منها وقائع قتل عدد من المتظاهرين في أول أيام العيد، وأيضًا تصفية عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في شقة في مدينة 6 أكتوبر في لحظة تصفية وحكم بالإعدام الفوري والنهائي بدون محاكمة، وقتل المصريين في مركب الوراق وتسمم الأطفال في بني سويف.. ناهيك عن حوادث موت من الإهمال الطبي لسجناء وحوادث الموت الدورية في أقسام الشرطة، ومنها واقعة موت رجل مسن في قسم المطرية الشهير.
عدد لا يحصى من مشاهد القتل التي تدمي قلوب المصريين وتفسد عليهم الأيام اليتيمة لعيد أو مناسبة، ينتظرها المواطن البسيط من العام للعام ليخطف من الحياة لحظة سعادة ولا يدرك أنه في المقابل قد يدفع كل عمره وحياته؛ حيث الحق الأساسي في الحياة لا وجود له ولا معنى، في منظومة وبيئة حاضنة للإفلات من العقاب، وحال مسؤوليها يترجم ثقافة ونمط حياة عنوانها (من أمن العقوبة أساء الأدب).