من الأسئلة المهمة التي يجب على العاملين في مجال مقاومة الأنظمة المستبدة والانقلابات العسكرية أن يسألوها لأنفسهم ويشرحوها لأنصارهم: هل نحن نعمل على تغيير النظام من الداخل، أم نرفض هذا النظام بالكُليّة ونرى أنه لا مناص من تغييره من الخارج؟
التغيير من الداخل كان خيارًا متاحًا في مرحلة ما قبل الثورة؛ حيث كان السخط الشعبي ينصب على أداء النظام، بينما شرعيته لم تكن مطروحة للنقاش! كنا ندخل الانتخابات البرلمانية والنقابات، ونسعى لإنشاء أحزاب وجمعيات، ونخرج في مظاهرات لاستقلال القضاء، بل أزيد على هذا وأقول إننا أضعنا وقتًا بعد الثورة في محاولة هزيمة الثورة المضادة بالأدوات التي تملكها هي، ونجحنا -جزئيًا- بانتخاب رئيس وبرلمان ودستور، حتى أيقنوا أن المواجهة الناعمة لا تجدي، وانتهى الأمر بانقلاب عسكري صريح!
إذا كان جوابك أنك ترفض النظام بالكامل، فهذا يعني أنك ترفض من الأصل أن تكون عبدًا، وأنك لا تسعى فقط لتحسين شروط العبودية! أنك لست من المعترضين -فقط- على قانون التظاهر أو قانون الخدمة المدنية أو قانون الانتخابات أو تقسيم الدوائر البرلمانية… إلخ! بل ترفض كل هذا!
فهؤلاء لا يطعنون في شرعية النظام، بل يتحدثون في جزئيات تفصيلية، كجزء من الديكور الديمقراطي أو المعارضة المستأنسة Tamed Opposition التي روضها النظام واستأنسها أفضل مما فعل شكسبير مع بطلة مسرحيته في رائعته الشهيرة ترويض النمرة Taming of the shrew!
هؤلاء يطمعون في كرم الرئيس وعطفه، بل يصل الأمر بهؤلاء “المستأنسين” في بعض الأحيان إلى “مناشدة” الرئيس كي يتدخل! حتى وإن عارضوا الرئيس واختلفوا معه، فإنهم يعترضون عليه كشخص، دون طرح القضية أبدًَا على أنه انقلاب عسكري قام به وزير دفاع خائن، على رئيس مدني منتخب من الشعب، فاعترض عليه ملايين المصريين، فقام بقتلهم وحرقهم واعتقالهم وحكمهم غصبًا بالحديد والنار!
حتى حينما يتعرض هؤلاء لمذبحة “رابعة” يتحدثون عنها “كمأساة إنسانية”!! وكأن من قتلوا في رابعة ماتوا في حادث تصادم، أو في هزة زلزال، أو نتيجة ثورة بركان! وليس كأنهم قتلوا في أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر، قام بها الجيش الذي وصفه السيسي يومًا أنه آلة قتل، من الخطأ أن ينزل إلى الشوارع؛ لأن هذا برأيه يعيد مصر 40 عامًا إلى الوراء!
***
أي ثائر لا بد وأنه يرفض من الأصل المشاركة في مسرحيات هزلية، كمسرحية الانتخابات البرلمانية التي تجري فصولها الآن، والتي يبدو أنها لن تستمر طويلًا! وواجب كل ثائر أن يقاطع وأن ينشر هذا الفكر بين جميع الثائرين الرافضين للانقلاب العسكري.
فنحن نرفض كل ما يجري؛ لأن الثورة هي رفض لكل ما يجري! ومحاولات بعض شركاء الانقلاب من العلمانيين، مثل صباحي والبرادعي وأبو الفتوح (أحدهم خلفية يسارية والثاني ليبرالية والثالث إسلامية) تشكيل جبهة معارضة، هو محاولة خفية لتغيير إستراتيجية الثوار من رفض النظام بالكامل إلى محاولة تغييره من الداخل! حتى لو رفعوا شعار معارضة السيسي، لأنهم ببساطة لم يرفعوا شعار رفض الانقلاب، والأهم لأنهم لم يرفعوا شعار عودة الشرعية، كوسيلة وحيدة وعلامة أكيدة على كسر الانقلاب!
ومن يدعون إلى التحالف مع هؤلاء من باب توحيد الصف والاصطفاف ورص الصفوف…إلخ إنما يحاولون أن يسلبونا نقطة تفوقنا الرئيسية؛ وهي شرعيتنا ومصداقيتنا! لست ضد توحيد الصف لكن يجب أولا قبل هذا توحيد المنهج! على هؤلاء أن يعترفوا أولا أن ما جرى كان انقلابا، ويعتذرون عن مشاركتهم فيه، ويُقرّون أننا كنا على صواب عندما أعلنا منذ اللحظة الأولى أنه انقلاب عسكري يقضي على ثورة يناير، بينما هم أعطوه غطاء سياسيا، ووعدوا المصريين بالديمقراطية على فوهات الدبابات!
***
صوتي كان في 2012، حين كانت هناك انتخابات بجد، وحين كانت الطوابير تمتد لكيلومترات أمام اللجان، حتى جاء العسكر بالتعاون مع القضاء وشطبوا هذا البرلمان بأستيكة، وداسوا على أصواتنا بدبابة، وأغلقوا الميادين وقتلوا المعارضين والمخالفين في الرأي!
يوجد في مصر الآن ما يزيد على 50 ألف معتقل، وعشرات المختفين قسريا، ومئات ممن قضوا نحبهم في السجون والمعتقلات، جراء التعذيب الوحشي والإهمال الطبي! فهل يضفي دخول حزب النور بلحيته الطويلة أي شرعية على انتخابات تجري في هذه الأجواء؟؟ وهو الحزب الذي تأسس بعد ثورة كان يعتبرها حراما، ليشارك في ديمقراطية كان يعتبرها كفرا! ويضع على قوائمه متبرجات ونصارى؟؟
وماذا تنتظرون من برلمان يتم تحت حكم طاغية رفض في تسريب شهير مجرد فكرة أن يستجوبه البرلمان؟؟ وليس أن يراقبه أو يحاسبه أو يعزله!
لقد تم حل البرلمان الشرعي لأن كل الفاسدين في مصر أرادوا أن يمنعوا البرلمان من مراقبة ميزانياتهم، وأن تبقى كبرى مؤسسات الدولة العميقة ذات ميزانية مستقلة لا تخضع لحسيب أو رقيب! ويجب أن نعي أيضا أنه تم الانقلاب على الرئيس المنتخب لأنه ببساطة أراد أن يكون القرار المصري حرا مستقلا، وأن يُصنّع الشعب غذاءه ودواءه وسلاحه، وأميركا بالطبع ترفض ذلك، ويُراد لنا أن نستمر عبيدا للاقتصاد العالمي، نخرج من أزمة لندخل في أخرى!
بينما ترحب أميركا بأي رئيس، حتى وإن زور الانتخابات بنتيجة 96 % ، وبأي حكومة حتى لو كان رئيسها صايع ضايع، وبأي برلمان حتى لو عاد بحرس مبارك القديم كما قالت صحيفة فايننشال تايمز، طالما تحافظ على أمن إسرائيل، وتهجر أهالي سيناء، وتحاصر المقاومة، وتبقي على مصر مزرعة أميركية، أو قل الولاية الأميركية رقم 52، بعد 50 ولاية في أميركا، وبعد إسرائيل!!