يوضح هذا المقال، المنشور باللغة الروسية على موقع اليسار المنفتح، والذي تُرجم إلى الإنجليزية على موقع الاشتراكية الثورية في القرن الحادي والعشرين، أن دعم فلاديمير بوتين للديكتاتور السوري بشار الأسد ليس مجرد مساندةً لحليف روسيا الوحيد في الشرق الأوسط، فهناك الكثير من الدلائل التي تثبت الدعم العسكري الروسي للنظام السوري تحت قيادة بشار الأسد، حتى وصل الأمر إلى التدخل المباشر للقوات الروسية في الصراع السوري. والسؤال لماذا الآن بالتحديد؟ وماذا يكمن وراء ذلك؟
إذا تناولنا كل جانب على حدة، فلن تكفي الصلات السياسية والعسكرية، ولا الروابط الاقتصادية، بين روسيا والنظام السوري، لتفسير هذا الدعم العنيد المُقدَّم من روسيا للأسد، حيث فتح هذا الدعم الصراع مع الغرب حتى قبل اندلاع الأحداث في أوكرانيا، وبالطبع يُعد نظام الأسد هو الوحيد الذي يمكن أن تستند إليه روسيا في المنطقة، وفقدانه سيجعل روسيا عاجزة عن الاضطلاع بدورٍ ذي أهمية في الشرق الأوسط.
عاملٌ آخر في هذا الأمر هو السيطرة السورية سابقاً على محطات مرور النفط العراقي والسعودي، إذ إن روسيا تُعتبر واحدة من أكثر بلدان العالم تصديراً للنفط، وفي المقابل، فإن السعي لحوز هذه السيطرة كان له دورٌ مركزيٌ في وقوف تركيا وإسرائيل وممالك الخليج موقفاً معادياً للأسد، ولعل الدلالة واضحة على ذلك في الرفض الحاسم الذي تلقته المملكة السعودية حين طرحت على روسيا صراحةً، في وقت سابق من العام الجاري، أن توقف دعمها للأسد مقابل تخفيض معدل إنتاجها للنفط، مما كان سيكبح الانخفاض المستمر في أسعار النفط العالمية.
أما القلق بشأن صعود الحركة الإسلامية الأصولية في المنطقة، وما بعدها إلى شمالي القوقاز، فلا يقدم هو الآخر تفسيراً كافياً، فإن العديد من المحللين يرون أن للدعم الروسي لنظام الأسد أهمية كبيرة تتجاوز الصراع السوري الجاري نفسه، حيث يعارض الكرملين كل محاولات خلع الأسد، بل وحتى “تغيير النظام” الذي تتفق عليه المؤسسات الدولية.
إن موقف الحكومة الروسية من سوريا، المختلف جذرياً عن الحكومات الغربية، زاد من سمعتها بالخارج، ودلالة ذلك مثلاً حين نُشر مقال بوتين في صحيفة “نيويورك تايمز” لمعارضة التدخل العسكري في سوريا ونقد التفرُّد الأمريكي بالأمر. لكن برغم ذلك، تبقى روسيا عموماً بشكل أكبر في موقع الدفاع.
كل هذا يحدث بينما تتغير الأوضاع في الشرق الأوسط، فصعود الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قد جعل أموراً ممكنة الحدوث بعد أن بدت مستحيلة، مثل التطبيع الجزئي للعلاقات الأمريكية مع إيران، وفي هذا السياق، يبدو أن بوتين قد قرر التوجه إلى الهجوم، ربما ليس بالمعنى الحرفي لإرسال قوات عسكرية إلى سوريا، لكن على الأقل بمحادثات خلفية مع واشنطن، متخذاً من القاعدة الجوية الروسية الجديدة في اللاذقية مبرراً لذلك.
وبحسب وكالة أنباء بلومبرج، فإن هذا التكتيك الجديد قد يجدي نفعاً، فعلى الأقل هناك بعض المسؤولين في البيت الأبيض يعتقدون أنه ينبغي إعطاء الأولوية لتوسيع التحالف ضد داعش، ويقبلون دعم روسيا للأسد كحقيقة واقعة بالفعل، حتى إنهم مستعدون للعمل مع روسيا في حملة جوية ضد داعش، وهذا بالضبط ما يأمله بوتين ووزير خارجية روسيا سيرجي لافروف.
بشكل عام، فإن المسار التكتيكي الذي تتبعه روسيا يمكن اعتباره استمراراً في السعي نحو “عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلاً”، لا تنتظم فيه العلاقات الدولية وفق المفاهيم المتعارف عليها، بل من خلال المصالح المشتركة والتعاون في قضايا محددة وملموسة، وهذا بالتحديد ما يدفع روسيا، في ظل هذه الظروف، ومن خلال تحالف براجماتي في سوريا، لمحاولة إعادة إدماج نفسها في النظام العالمي، لتغيير قواعد اللعبة.
وهكذا فإن تبعات السياسة الخارجية الروسية، برغم انتقادات روسيا لـ”نفاق التدخل الإنساني”، ليست أقل ضرراً من هذا “التدخل الإنساني” نفسه، حيث إن ضحايا النظام السوري لهم أكثر كثيراً من ضحايا داعش، أما دعم الأسد فليس إلا دعم ديكتاتور وجّه آلته العسكرية لإفناء مواطنيه وإبادتهم. وبرغم الانتقادات السلبية والعنيفة التي يوجهها لافروف ومتحدث بوتين الرسمي ديمتري بيسكوف “للنفاق الغربي”، لا تقل روسيا مسئوليةً عما يحدث في سوريا عن الدول الغربية.
أما رفض الكرملين المشاركة في حل أزمة اللاجئين، فهو النفاق بعينه، ومن خلال طرح أن على دول الاتحاد الأوروبي أن تتعامل مع تبعات أزمة شاركت روسيا بشكل كبير في خلقها، تشعر روسيا بذلك أنها انتزعت “الضحكة الأخيرة”، حيث إن مآسي مئات الآلاف ممن تشردوا بعد فقد منازلهم، والتي يكررها بيسكوف في تصريحاته، تُعد أمراً ثانوياً بالنسبة لسياسات الكرملين الخارجية تجاه “الشركاء الغربيين”.