في أقل من أسبوعين، استطاع شباب المقاومة المرابطين في فلسطين، أن يوقفوا بنجاح اقتحامات المسجد الأقصى، وأن يفشلوا مخططات تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، لصالح المستوطنين اليهود.
وصل الأمر بمائة عالم دين يهودي (حاخام) إلى إصدار فتوى بتحريم دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، لما يجره ذلك على اليهود من عمليات ثأر ومقاومة من قبل شباب المقاومة، وهو الأمر الذي أغضب المستوطنين بشدة.
الفتاوى الدينية واكبها تصريحات سياسية وإجراءات على الأرض؛ فقد رفض وزير الزراعة الصهيوني المتطرف تحميله وحده مسؤولية التصعيد الأخير الذي جرى، بتدنيسه للمسجد الأقصى قبل أسبوعين وسط جمع من المستوطنين، وقال إن الزيارة تمت بموافقة نتنياهو والأجهزة الأمنية!
من جهتها، فقد رفعت إسرائيل القيود المفروضة على المصلين يوم الجمعة للمرة الأولى، وأدى صلاة الجمعة في الحرم القدسي ما يقارب 17 ألفًا من جميع الأعمار، فيما اعتبر محاولة إسرائيلية لتهدئة الشباب الفلسطيني الثائر!
***
إسرائيل تراجعت بلا شك، وانهزمت في هذه الجولة، وأوقفت مخططاتها -مؤقتًا- لتقسيم المسجد الأقصى! لا شك في ذلك كله، لكن ما السبب يا ترى في هذا التراجع المخزي السريع، والتحول من حالة العنجهية والاستعلاء إلى استجداء التهدئة؟؟
قطعًا لم تتراجع إسرائيل على إثر تهديد مخيف من الجامعة العربية بتدخل الجيوش العربية نصرة للمسجد الأقصى! ولم تتراجع إسرائيل لتهديد الدول الخليجية النفطية الغنية بوقف إمداد الطاقة إلى الدول الغربية إذا لم تردع إسرائيل! ولم تتراجع قطعًا لإنذار شديد اللهجة من القاهرة بقطع العلاقات وطرد السفير الإسرائيلي، وحشد القوة الضاربة في سيناء إذا لم تتوقف إسرائيل عن طغيانها!
على العكس، ربما ما جرأ إسرائيل على زيادة وتيرة اقتحامات المسجد الأقصى هو وقوف هذه العناصر جميعًا معها! فالجامعة العربية التي أدانت الغارات التركية على حزب العمال الكردستاني في العراق لم نسمع لها صوت وقت اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى!
والدول الخليجية مشغولة تمامًا عن فلسطين، إما بالصراع مع إيران أو بالحرب في اليمن، ناهيك أن بعض الدول الخليجية لا تعتبر إسرائيل أصلًا عدوًا بل تقف معها في خندق واحد ضد المقاومة الفلسطينية (الإمارات).
وعلى كل حال، فإن الاقتصادات الخليجية المتأثرة سلبًا بتراجع سعر البترول تبحث أصلًا عن أسواق بديلة لزيادة التصدير وسد عجز الموازنة، وفكرة قطع النفط عن الغرب لم تعد واردة إطلاقًا!
أما مصر التي صارت العلاقة الأمنية بينها وبين تل أبيب في عهد السيسي يفوق العلاقة الممتازة التي كانت معها أيام مبارك، فإن ما يقوم النظام المصري هو إغراق حدود غزة بالمياه لمنع وصول السلاح إلى المقاومين في غزة، وهو السلاح الذي أكد مدير المخابرات الأميركية أنه ينقل من سيناء إلى غزة وليس العكس!
بينما يتفرغ إعلام السيسي إلى تحميل الفلسطينيين عامة -وحركة حماس خاصة- المسؤولية عن كل المشكلات التي تعانيها مصر، أو السخرية من محاولاتهم الصبيانية لمقاومة الاحتلال! وصدق من أسماهم “الصهاينة العرب”!
***
نعم؛ لا يملك الشباب الفلسطيني الكثير من السلاح، وربما لا يملكون سلاحًا من الأساس! من يصدق أن انتفاضة السكاكين يمكنها أن تردع إسرائيل النووية، بمفاعل ديمونة، ودبابتها الميركافا، وطائراتها الـF16، وجنود الكوماندوز، وجيوش النخبة (جولاني وجفعاتي)، وزوارقها البحرية التي تراقب السمك في الماء!
من يصدق أن شبابًا عزلًا من السلاح خذلهم وتآمر عليهم القريب والبعيد، يبحثون حولهم فلا يجدون إلا السلاح الأبيض، فيستخدمونه كما قرروا قبل ربع قرن استخدام الحجارة في الانتفاضة الأولى!
والغريب أن الوجوه نفسها التي استهزأت من الحجارة هي ذات الوجوه التي استهزأت بالسكاكين! وأن المقاومين أنفسهم الدين انتصروا في انتفاضة الحجارة هم المقاومون أنفسهم الذين انتصروا في انتفاضة السكاكين!
مشكلة إسرائيل دومًا كانت في الخوف من القتال وعدم الرغبة في الموت، لذلك فإنها تعتمد دومًا على تفوقها التكنولوجي للقتل عن بعد، وعلى أجهزة الأمن الفلسطينية التي تتعاون أمنيًا معها في إيقاف العناصر الفلسطينية المقاومة، وعلى الحكام العرب في منع وصول الإسلاميين للحكم، وإن حدث فالإطاحة بهم سريعا قبل أن يتمكنوا كما حدث في مصر!
ومشكلتنا كمقاومين لم تكن أبدًا في السلاح! مشكلتنا في طغاة عرب يمنعون الشعوب العربية الإسلامية من نصرة إخوانهم في الأقصى! ويمدون كيان الاحتلال بما يحتاجه من أوكسجين سياسي وامني واستخباري وعسكري للبقاء!
إن التخلص من طاغية كبشار أو سفاح كالسيسي هو أهم خطوة على طريق تحرير المسجد الأقصى، فحتى لو تسلحنا جميعًا بالسكاكين وقتئذ فستكون حربًا يصعب على اليهود الجبناء أن يخوضوها، ومن غير المحتمل يقينًا أن ينتصروا فيها!