على عجل، خرجوا من كل الاتجاهات، في محاولة لملمة أجزاء الصنم الذي حطمته الجولة الأولى من انتخابات برلمان، أشرف على سيرها بنفسه، ووزّع حصصها على من أراد.
جاءوا جميعاً بصوت واحد ونص واحد، والهدف وضع الزعامة المزيّفة على جهاز التنفس الصناعي، في محاولة لإنعاش الوهم، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لا فرق بين “الحكيم هيكل” و”قطي أخبار اليوم”، هو المواء نفسه، والمفردات نفسها، في محاولة لضخ المزيد من الوهم في مجاري الوعي المتجلّط على أبواب لجان الاقتراع.
مرة أخرى، يلجأون إلى سلاح الأسطورة، والعزف على أوتار الخرافة.. هيكل شق قلب السيسي ورأى، كسيد العارفين، أن “انحيازاته الرئيسية وقلبه في طريق صحيح”، فيما رأى “مطرب الأخبار” وسلفه، أن الزعيم يملك قلب النبي محمد وصاحبه أبي بكر، وأن النظارة السوداء هي لكي لا يرى الفقراء دموعه، وهي تنساب ألماً لأحوالهم، فيما هتك أحد ضباع المعارضة النظامية المصنوعة في كواليس المؤسسة، سر نومه، وأعلن للأمة أن الزعيم لا ينام سوى أربع ساعات، إذ يقضي اليوم كلّه، والليل جلّه، ساهراً للتفكير في أحوال الرعيّة.
لوثة ما بعد صدمة إعلان الشعب قرفه من النظام جعلتهم يتخبّطون كمن أصابهم مس، فراحوا يتعثرون في أزقّة الوهم والخرافة، ظانين أن المخيلة الجماعية لا تزال قادرة على استيعاب مزيد من الهلاوس والضلالات، بينما الواقع ينطق بالفشل والسقوط.
لوثة الأقوال، في ساحات “التوك شوز”، لا تقل فداحة وكارثية عن لوثة الأفعال والمسالك، إذ ما الفرق بين قول هيكل للجماهير، بعد أن استدعته مذيعته المفضّلة “ليس لديك سوى الرئيس السيسي”، والهلوسة الأمنية عن تحميل رجل الأعمال الإخواني، حسن مالك، مسؤولية الخراب الاقتصادي، المتمثل في انسحاق الجنيه المصري تحت سنابك الدولار؟
وما الفرق بين “مواء القطين” عن نظارته السوداء، والإعلان عن العثور على نصف مليار دولار مرصوصة في منزل رجل الأعمال، مستخدمين صورة مزيّفة، تعود إلى العام 2008، ويمكنك أن تتأكد من زيفها بنفسك، لو وضعتها على محرك البحث “غوغل”، كما فعل المدوّن أحمد نبيل حسن؟
لوثة الأفعال دفعتهم أيضاً إلى إغلاق مسجد الحسين، رضي الله عنه، وافتعال بطولة دينية وهمية، ضد طقس شعبي يمارسه المصريون، عبر مئات السنين، بحجة التصدي للمد الشيعي ومنع الأباطيل والضلالات الخادشة لنقاء العقيدة، وما تلا ذلك من ردة فعل الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، من النجف، ثم وضع عمائم الانقلاب الملوثة في حالة استنفار وهجوم مضاد، ليبدو الأمر، في النهاية، وكأن الزعيم يقود معركة مقدسة دفاعاً عن صحيح الدين والعقيدة.
والسؤال هنا: أين كانت الغيرة على صحيح الدين والمعتقد والاحتفال بذكرى “سيدنا الحسين” و”السيدة زينب” يتحوّل إلى ساحة لتوزيع استمارات “تمرّد” تمهيداً للانقلاب، تحت عين الأمن وبمباركته وتشجيعه؟ لماذا لم يكن “المولد” خطراً على العقيدة في 2013 تحضيراً للانقلاب، وفي 2014 ترويجاً لترشيح السيسي للرئاسة، ثم أصبح خطراً في 2015؟
أنت أمام مرحلة سقوط الوهم، وما يحدث أمامك محاولات يائسة وبائسة، لاستعادة الهيمنة على الوعي الذي افترسوه بالأكاذيب الملوّنة، والحواديت المزركشة، غير أنهم لا يقدمون جديداً، حيث يُستعاد الكلام التافه عن رغبته في جعل “مصر قد الدنيا”، بينما الجميع يعلمون أنها تتضاءل وتنخفض وتتقزّم، بفعل إدارة سفيهة، يدرك النافخون فيها والمروّجون عبقريتها أنها فاقدة القدرة على التفكير والفهم والفعل، وأنها باتت عالة على الإنسانية، منذ ارتضت أن ترهن قرارها لرغبات المانحين، وتؤسس تحالفاتها على المبالغ، لا المبادئ.
يقول هيكل إن مصر تعيش حالة “صخب انتظار الصوت الموجّه حتى دخول أحدهم بهيبته”، وهذا “الأحد” بالطبع هو السيسي، ولا سواه، والذي يحتاج إلى حزب “لا بد أن يكون للرئيس أناس حوله شبه حزب من خلال جبهة وطنية أو تحالف يقوده”.هكذا يشرح، قبل أن يضيف “الرئيس يجب أن يضع شروط دعمه”.
الفكرة نفسها، يروجها آخرون، من أتباع هيكل، في تناغم لافت، وإن اختلفت المداخل، بدأها حمدين بقناع معارض، ثم أكدها هيكل، بوجه مؤيّد مكشوف، غير أن الغاية التي تجمعهم هي استعادة الأجزاء المبعثرة، خطوة أولى للحيلولة دون سقوط الصنم.