أكد الكاتب الصحفي عبدالله السناوي أنّ القصة الحقيقية لم تكتب بعد لأزمة جزيرتي “تيران وصنافير” الاستراتيجيتين في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أنه قبل ثمانية أشهر تردد لأول مرة على شاشة الـ”CNN” تعبير: “توسيع كامب ديفيد” منسوبًا إلى عبدالفتاح السيسي.
وأشار السناوي إلى أن تصريح السيسي عن اتفاقية كامب ديفيد غامض لا يجد تفسيره في ظاهر الحوادث، وأوضح أن أول استنتاج مؤكد أن اللعبة أكبر من أن تكون مصرية سعودية، وتداعياتها أخطر من أن تتوقف عند سؤال: لمن تبعية الجزيرتين؟
وقال السناوي -في مقاله المنشور على أحد المواقع الإلكترونية تحت عنوان “توسيع كامب ديفيد”-: “في التوقيت نفسه أبدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضجره من فوق منصة الأمم المتحدة للمدى الذي وصلت إليه السياسات الإسرائيلية في التنكيل بالفلسطينيين، ولوَّح بتعليق أي التزام بـ”اتفاقية أوسلو”، مضيفًا: “كان التلويح متسقًا مع تفاعلات الحوادث، لكنه لم يذهب إلى نهايته، ولا حل السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب أوسلو”.
وأضاف: “ورغم أن الرئيسين التقيا في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنهما تجنبا التطرق إلى أي حديث عن أية خطوات تالية، ولا أخطر أحدهما الآخر بما ينتويه، وكالعادة في الأحداث المحورية الكبرى تأخذ قصص الظلال وقتًا طويلًا نسبيًا حتى تتكشف كل أسرارها وحساباتها وحقائقها”.
وعن نقل الجزيرتين من السيادة المصرية إلى السعودية، قال السناوي: “بحسب ما هو معروف فإن نقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى السعودية يستدعي موافقة إسرائيلية صريحة ومباشرة، نقل السيادة يتجاوز إنزال علم ورفع آخر وإحلال وحدة شرطة بدل أخرى إلى نقل الالتزامات الأمنية وفق الملاحق العسكرية للمعاهدة المصرية الإسرائيلية من مصر إلى السعودية، هذه مسألة استراتيجية وسياسية وأمنية وليست تطمينات مرسلة على ورق من بعيد”.
وتابع: “بحسب ما هو معلن أوصلت السلطات المصرية رسالة تطمينات للإسرائيليين موقعة من ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد توقيع مشروع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية”، مضيفًا: “هذا جانب في القصة لكنه ليس صلبها ولا حقيقتها، فالاتصالات بين الرياض وتل أبيب جارية دون إعلان وتفاهماتها لا تحتاج إلى قناة إضافية إلا بقدر ما تستكمل القواعد الدبلوماسية في الإبلاغ الرسمي”.
ووصف السناوي ما حدث بـ”الطبخة السياسية”، قائلًا: “كل شيء رُتب مسبقًا على مهل في انتظار طبخة سياسية ما بعد انتهاء الحرب السورية، بحسب ما هو متاح من معلومات تابعت الإدارة الأميركية اللعبة من أولها، وإسرائيل دخلت في تفاصيلها دون حاجة لوساطة مصرية تنقل الرسائل والتفاهمات، بصورة أو أخرى بدت مصر بأحوالها الاقتصادية الصعبة الحلقة الأضعف في قصص الظلال، لم يستمع أحد تقريبا إلى نداءاتها الخافتة بتأجيل البت في الملف الحساس”.
وأوضح السناوي إلى أنه عندما لم تطرح القضية بشفافية على شعبها تأكد خسارتها مسبقا، فكانت الخسارة مهينة في الشكل والمضمون للوطنية المصرية، في المسائل الاستراتيجية بالغة الحساسية لكل طرف أهدافه وحساباته.
وأكد السناوي أن “إسرائيل” هي الرابح الأكبر من هذا، قائلًا: “بالنسبة إلى إسرائيل فهي الرابح الأول من اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية والتنازل عن الجزيرتين الاستراتيجيتين، بتوسيع “كامب ديفيد” يمكنها طرح نفسها طرفا كامل الأهلية في أية ترتيبات إقليمية تالية، في موسم الجوائز والمغارم تتراجع مصر وتتقدم إسرائيل”، مضيفًا: “قد لا تمثل مصر في أحوالها الحالية أي تهديد جدى للدولة العبرية، فالبلد منهك وأزماته تحاصره، غير أن نزع الجزيرتين من السيادة المصرية يؤثر بعمق على أية استراتيجية عسكرية مستقبلية في البحر الأحمر”.
وقال: “وفق هذا التنازل تصبح السعودية لأول مرة منذ تأسيسها مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي “دولة جوار” لإسرائيل، وفى سنوات المواجهة العسكرية وصفت مصر وسوريا ولبنان والأردن بـ”دول الطوق”، كأنها تحيط بالمعصم الإسرائيلي وتضغط عليه، وأقصى ما كان مطلوبا من السعودية توفير الدعم المالي للذين يقاتلون”، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إنكار دورها في المساندة المالية غير أنه لم يتجاوز تلك الحدود.
وتابع: “طوال سنوات المواجهة العسكرية لم تتحرك السعودية على أي نحو ولا بأية طريقة لتؤكد أن الجزيرتين المحتلتين بعد هزيمة ١٩٦٧م سعوديتان، ولا حاولت أن تكون طرفا من قريب أو بعيد من مرمى النيران، بأية معايير سياسية وأخلاقية فإن الأرض لمن يدافع عنها والسيادة لمن يتقبل راضيًا التضحية بالدم، السيادة بالدم والتضحية لا تقل أهمية عن أحاديث الخرائط والوثائق”، مضيفًا: “أمور السيادة لا تؤخذ بخفة ولا تحسم بصفقات في الظلال”.
الكاتب الصحفي أكد أنه وفق التصريحات السعودية فإنها لن تدخل في اتصالات مباشرة مع إسرائيل، غير أن الحقائق أقوى من الدعايات، مشيرًا إلى أن توسيع “كامب ديفيد” يقوض أي طموح سعودي لاكتساب قيادة العالم العربي، فلأدوار القيادة تكاليف وأعباء وإلهام، ورغم التراجع الفادح في القضية الفلسطينية فإنها تظل حتى الآن رمانة الميزان في حساب ثقل الأدوار، وبنفس النظرة فالخسارة المصرية يصعب ترميمها في أي مدى منظور.
انتقل السناوي إلى الحديث عن الدور التركي، قائلًا: “في نفس المشهد الإقليمي تبدو تركيا على وشك فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إسرائيل تتجاوز الأزمات السابقة وتتخلى بمقتضاها أنقرة عن أية التزامات جدية تجاه القضية الفلسطينية التي سوغت صعود ظاهرة “أردوغان” في العالم العربي، في لعبة الصعود والتراجع تجد إيران نفسها أمام فرصة لا تعوض لاكتساب المزيد من النفوذ الإقليمي باعتبارها الطرف الأكثر ائتمانا على القضية الفلسطينية”.
وقال: “فى عام ١٩٧٩ دخلت إيران بثورتها الإسلامية معادلات الإقليم بخطاب جديد في اللحظة التي خرجت فيها مصر بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، الأمر نفسه يتكرر الآن، حيث تتراجع مصر تتقدم إيران، في المرة الأولى، استعادت سيناء منقوصة السيادة، وفى المرة الثانية، تكاد تضيع الجزيرتين الاستراتيجيتين بلا أدنى محاولة لإثبات الأحقية فيهما أو السعي لطلب التحكيم الدولي حتى تقر الحقوق على نحو صحيح ومقنع، فضلا عن الرفض المسبق للاستفتاء وفق ما يحتم الدستور على حقوق السيادة عليهما، فالنتائج معروفة سلفا بقدر شعور المصريين العاديين بالمهانة”.
ثم تحدث عن مظاهرات “يوم الأرض والعرض”، قائلًا: “المصريون لن يتقبلوا بسهولة مشاعر المهانة والدونية، وقد كانت “مظاهرات جمعة الأرض” إشارة رمزية أولى على مخزون الغضب المكبوت، إذا لم يستمع لصوت المصري العادي فإن كل المعادلات سوف تتغير بأسرع من أي توقع، يصعب أن يمر مشروع الاتفاقية بلا أثمان مروعة، ككرة الثلج سوف تكبر يوما بعد يوم”.
وأضاف: “قد تعود بعض الأسباب السعودية في ممارسة الحد الأقصى من الضغوط إلى ترتيبات ما بعد “الملك سلمان” واحتمالات نقل السلطة إلى نجله الأصغر مباشرة باعتباره مهندس استعادة الجزيرتين، أسوأ السيناريوهات تقويض أية نتائج سياسية ممكنة لزيارة العاهل السعودي إلى العاصمة المصرية وإفساد العلاقات بين الشعبين؛ حيث كان الرهان على فتح صفحة جديدة تؤسس لعلاقات استراتيجية”.
وأنهى مقاله قائلًا: “لا يشك عاقل واحد في أهمية بناء علاقات صلبة وصحية بين البلدين الشقيقين، بسوء في الحسابات وتقدير العواقب لم يعد ممكنا بناء أي تحالف عسكري أو قوة مشتركة، السؤال التقليدي سوف يعيد طرح نفسه: من العدو؟.. وأين الجبهة؟ الإجابة لن تكون في صالح السعودية ولا نظام الحكم الحالي في مصر”.