لن تنتظر طويلاً، حتى يخرج عليك ساسة الكيان الصهيوني بما يروي ظمأك لمعرفة العواصم العربية الأربع التي تسللت في جوف الليل، ووضعت أصواتها لصالح مرشح الاحتلال الإسرائيلي، ليفوز برئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، المعنية بمكافحة الإرهاب.
يعشق الصهاينة هذه اللعبة ويجيدونها: لعبة فضح المنحرفين العرب، بعد أن يقضوا حاجتهم منهم، فيبادرون بنشر التفاصيل الدقيقة للعلاقة الحرام، فلا تبتئس، لن يمر وقت طويل حتى تعرف أسماء الأنظمة العربية التي باتت في فراش التطبيع، والتي أظن أنك تحفظ اسمين منها على الأقل، لا يجدان غضاضةً، أو عاراً، في الذهاب إلى مخادع الصهاينة.
لقد صوّت أربعة من العرب لصالح داني دانون، نائب وزير الحرب الإسرائيلي سابقاً، والذي يعتبر من أبرز الشخصيات الاسرائيلية العنصرية، وطالب حكومة نتنياهو في أثناء العدوان على قطاع غزة في العام 2014 بالهجوم البري وإعادة احتلاله.
صوّتوا له، لكي يكون رئيساً للجنة التي تُعنى، حسب بيان مركز الإنسان الفلسطيني، بأهم الملفات الدولية في الجانب القانوني، حيث تتناول النظر في أهم المسائل الدولية، وتتمثل في “مسائل الإرهاب العالمي” “وانتهاكات بروتوكولات اتفاقية جنيف”، ويتأسس عليه أن تصبح “إسرائيل” هي المجرم والقاضي، فيما يتعلق بملف الانتهاكات الواقعة على الفلسطينيين تحت الاحتلال.
في آخر حادثة، مشينة، من هذا النوع لا تزال الذاكرة تحتفظ بتصويت كل من مصر والإمارات وعُمان، لمنح إسرائيل العضوية الكاملة في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي في الأمم المتحدة، والآن تضاف دولة رابعة، إلى قائمة العار التي أجرت عمليات استئصال لكل الغدد التي يمكن أن تسبب وخزاً للضمير، أو تثير إحساساً بالخجل.
الكارثي، هنا، ليس هذا النمط من السلوك الانحرافي لعواصم عربية أربع، بل تظل الفاجعة الأكبر في أن أياً من العواصم العربية لا تريد، أو لا ترغب، أو قل لا تستطيع، أن تجاهر بأنها رفضت أو امتنعت عن التصويت لصالح العدو الصهيوني، الأمر الذي يكرّس لمرحلةٍ شديدة الانحطاط في العمل العربي المشترك، لتنقلب الآية، ويصبح “عرب التطبيع” هم الأعلى صوتاً، فيما يتوارى من سواهم عن الأنظار خجلاً، أو خوفاً، وربما يأساً من إمكانية الصمود والمواجهة.
قبل التصويت، كان نبيل العربي الذي يستعد لوداع منصبه أميناً عاماً لذلك المبنى الذي يطلقون عليه “جامعة الدول العربية” يتقمص شخصية الممانع، ويبلغ الدول الأوروبية التي طرحت اسم الصهيوني مرشحاً، رفض الدول العربية هذا الترشيح، ومعنى ذلك أنه كانت لدى الأمين العام قائمة بأسماء هذه الدول العربية الرافضة، وبالتالي، لابد أنه يعلم أسماء الدول التي خرقت هذا الموقف الرافض، فهل يجرؤ على الإعلان عنها؟
ما الذي يمنع كل عاصمة عربية صوتت ضد المرشح الصهيوني، أو بالحد الأدنى للاحترام امتنعت عن التصويت له، أن تعلن موقفها، وتقول إنها رفضت أن يتولى مرشح دولة الإرهاب رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب؟
ما هذا الصمت المريب العاجز الذي يخيم على الموقف، حتى يصبح جرس الانحياز للعدو الصهيوني معلقاً برقبة كل الدول العربية، ليبقى الناس يضربون أخماساً في أسداس، بشأن هوية رباعي التصويت للصهيوني؟.
لا أريد أن أتخيل أن نموذج “الحالة السيسية”، بما تتمتّع به من رعايةٍ صهيونيةٍ شاملة، يشكل إغراءً لأي طرفٍ عربيٍّ آخر، غير محور “العرب السيسيين”، كي يتمثله، ويحاكيه، واضعاً نفسه في فوهة بركانٍ من الغضب الشعبي المكتوم.
وأكرّر أننا أمام منعطفٍ تاريخي هو الأخطر، إذ أن أحداً لم يعد يمتلك القدرة على أن يفاخر بمواقفه المقاومة للانسحاق، تحت مجنزرات قافلة المشروع الصهيوني، لابتلاع المنطقة، كما كان يحدث أيام أنور السادات، ثم حسني مبارك، حين كنا نتندّر على أهل التطبيع بالمقولة المشهورة “عندما تصبح الخيانة وجهة نظر”، لندخل زمناً جديداً تصبح فيه الخيانة هي القاعدة، والتمسك بالثوابت القومية والوطنية والإنسانية هو الاستثناء الذي يخشى من الإفصاح عن نفسه، وكأنه يقرّ بالهزيمة أمام “مشروع الخيانة”، أو أنه يشارك فيه بالسكوت المتواطئ، أو أننا نعيش مرحلة “صهينة جماعية”.
ملحوظة: إذا كان لدى أحدكم تعريف آخر للخيانة، غير التفريط في الأرض والثوابت والمقدسات فليخبرنا به.