رغم كل شيء، نجح الثوار في سوريا في تحرير حلب، محافظين على خط إمدادهم الرئيس من تركيا، وصار النظام بين عشية وضحاها من الهجوم، مستغلا الدعم الروسي والإيراني، إلى الدفاع والتقهقر!
هنا سؤال يطرح نفسه: لماذا يتقدم الثوار في سوريا رغم أنهم يواجهون تحالفا دوليا، ويقصفهم طيران النظام والطيران الروسي، ويقاتلهم على الأرض الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله وآخرين، بينما تتقهقر المقاومة اليمنية رغم أنهم لا يواجهون إلا ميليشيا الحوثي وصالح؟
كلمة السر تكمن في أن من يدعم ثوار سوريا هي تركيا، الواثقة الثابتة، بينما من يدعم المقاومة اليمنية هي السعودية، المرتبكة المتذبذبة، والفارق كبير!
فنوايا السعودية ببساطة غير صادقة في اليمن، وتتحرج من دعم المقاومة في أوقات كثيرة، لأن المقاومين أغلبهم من الإخوان. بينما تركيا تدعم جيش الفتح – رغم وجود جبهة النصرة فيه – دون التفات لقلق بان كي مون أو رضوخ للإملاءات الأمريكية!
السعودية غير راغبة وغير قادرة على أن تغضب أمريكا قيد أنملة، ونتيجة لذلك؛ انتقلت الحرب من صنعاء وعدن، إلى جازان ونجران، ويموت كل يوم ضباط وجنود سعوديون. بينما تركيا دافعت عن أمنها القومي في داخل العمق السوري، قبل أن تجد أكرادها يطالبون بالالتحاق بالدولة الكردية المزمع إنشاؤها شمال سوريا!
أخطأت السعودية في حق نفسها حين غضت الطرف وسمحت للحوثيين – المتحالفين مع إيران – باجتياح العاصمة اليمنية صنعاء سبتمبر 2014.
كان الخليج بأكمله والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي – رجل السعودية في اليمن – والغرب قد سمحوا للحوثيين بدخول العاصمة اليمنية، وعدد من المحافظات بهدف تطويق قبائل «حاشد» المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وذراعهم في الجيش، المتمثل في القوات الموالية للواء علي محسن الأحمر، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن كذلك.
كانت هذه الخطوة تعني أن الرياض – واللوبي الإماراتي المتحكم في قرارها بقيادة أمين الديوان خالد التويجري وقتها – باتت ترى أن الإخوان المسلمين أكثر خطرا من الحوثيين الشيعة! وهو ما تسبب في منع تسليح المقاومة في محافظة الجوف اليمنية على الحدود مع السعودية، لأن زعيم المقاومة من الإخوان المسلمين، وقاموا بتسليح زعيم خائن، سلم المحافظة للحوثيين الذين نقلوا المعركة إلى الحدود السعودية!
لاحقا تبين أن الإمارات أيضا غير صادقة تماما، في دعم السعودية في اليمن وأعلنت توقف عملياتها هناك من جانب واحد!
ولم تتغير السياسة السعودية حين أتى سلمان، بل تراجع الدور السعودي مؤخرا في دعم المقاومة السورية لصالح الدور التركي، الذي أدخل بلا تردد سلاحا نوعيا للثوار، متجاوزا بذلك الخط الأحمر الأمريكي الرافض بوصول سلاح نوعي للثوار في سوريا، ردا على خرق أمريكا الخط الأحمر التركي بعبور الأكراد إلى غرب نهر الفرات!
ومنذ أيام؛ وصفت صحيفة الرياض السعودية الثوار السوريين الذين حرروا حلب بالمتمردين، مما مثل صدمة لبعض الذين لا يزالون يعولون على الدور السعودي في المنطقة!
مشكلة السعودية أنها تنتمي إلى الماضي! نظامها مستبد، وهذه حقيقة، وتريد إبقاء الدول الحليفة معها على استبدادها رغم أن ذلك يضعفها، لأن تداول السلطة في هذه الدول ونجاح الثورات فيها فيه خطر على النظام السعودي وأنظمة الخليج، حتى لو كان تحرر هذه الدول في مصلحة العالم السني ضد المشروع الصفوي الإيراني!
وأعتقد أن أولى أولويات السعودية الآن توريث الحكم للأمير الشاب محمد بن سلمان الراغب في خلافة والده – متخطيا ولي العهد الرجل الأقوى محمد بن نايف – وخاصة بعد أن ذهب إلى أمريكا ليسوق نفسه هناك، مستنسخا تجربة جمال مبارك!
وعلى الفور ظهرت آثار هذه السياسة الجديدة للأمير الشاب، بزيارة ضابط المخابرات السعودي السابق أنور عشقي، بصحبة أكاديميين ورجال أعمال سعوديين، إلى الكنيست الصهيوني الشهر الماضي، بعدما فطنوا على ما يبدو، أن مفتاح السلطة في الدول العربية يمر من تل أبيب!
لقد صارت السعودية عضوا في كامب ديفيد بعد «احتلال» تيران وصنافير، وتطبيعها مع كيان الاحتلال صار أكثر جلاء ووضوحا، مما يعني أن السعودية لا تطرح نفسها كزعيمة للعالم السني كما تدعي، وإنما تستغل الموقع والجغرافيا والتاريخ والمشاعر الدينية في صراع طائفي مذهبي مع المشروع الصفوي الفارسي في إيران، وعلى حساب شعوب هذه المنطقة، وثورات هذه الشعوب!