يبدو أن الصراعات السياسية خطفت اهتمام الجميع وكونت تربة خصبة، ترعرع فيها أرباب الفساد والإهمال ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لاستعادة هيبتها وكيانها كدولة محترمة تنضم إلى صفوف الدول المتقدمة بنظام ديمقراطي حديث تحت قيادة رئيسها المنتخب من الشعب في أول انتخابات حقيقية تشهدها مصر منذ عصر الفراعنة وحتى الآن، إلا أننا رصدنا مهازل الإهمال والسرقات التي تحدث للآثار في ربوع مصر ومن بينها آثار بورسعيد لتشويه الوجه الحضاري لمصر في مأساة حقيقية بكل المقاييس، ففي أسوأ منظر على شاطئ البحر المتوسط وقناة السويس، تحول المتحف القومي للآثار ببورسعيد إلى "خرابة مكسوة بالحشائش وترعرعت بها الحشرات والفئران, وترددت شائعات حول بيع أرضه, وذلك بعد ما فشلت كل محاولات إعادة بناؤه حتى الآن, وسط وعود براقة بدراسة تكلفة إعادة الإنشاء والبدء فورا في البناء المزعوم، إلا إنه حتى هذه اللحظة كلها وعود جوفاء".
شلل تام للسياحة بالمحافظة
ذهبت لمعرفة من وراء الكارثة المشئومة التي أصابت السياحة أيضا بالشلل التام وطرقت أبواب مسئولي الآثار بالمحافظة وبحثت عن الحقيقة، فذهبت إلى المتحف الذي يقع عند نقطة التقاء مياه قناة السويس بالبحر الأبيض المتوسط، إلا أنها لم تجد من المتحف الذي كان حديث الأجانب والمواطنين سوى أطلال وبقايا حطام الجدران المهدمة ملقاة على الأرض في شكل تلال من الردش والحوائط وسط الحشائش التي نبتت بالمكان الخالي من مظاهر العمران, وذلك لأن مسئولي المتحف رحلوا عنه وتركوه بهذه الهيئة بعدما تم تشوين آثاره حبيسة بالمخازن، ويقيمون في حجرة ضيقة بالمبنى القديم لديوان عام المحافظة لمزاولة نشاطهم اليومي بالتوقيع بدفتر الحضور والانصراف.
مأساة حقيقية
في البداية كشفت سوزان الشربيني مدير المتحف القومي ببورسعيد- في تصريح خاص- أنها تتمنى العودة بسرعة لمزاولة عملها بالمتحف لأن العمل عل أرض الواقع له شأن آخر، مشيرة إلى أن مشكلة المتحف في طريقها للحل بعدما وعد د. مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار- على هامش زيارته لبورسعيد مؤخرا- بأنه سيتم البدء فورا في وضع أثات لإنشائه.
وأكدت أن هذا المتحف المتميز بموقعه الفريد في شارع 23 يوليو وشارع فلسطين أمام ممشى ديليسبس السياحي الشهير ببورسعيد الذي أقيم على مساحة 13000متر مربع، كان قد تم البدء في إنشائه عام 1963 ثم أوقف العمل به من عام 1967 حتى عام 1980 بسبب ظروف الحرب؛ حيث كان قد أصيب بصاروخين في يوليو 1967 وتم بناؤه لتتم التشطيبات النهائية للافتتاح في 23121986 ليمارس عمله بحديقة متحفية كبيرة طابقين بهما 7 قاعات لعرض الآثار التي تنتمي إلى العصور المختلفة (فرعوني- يوناني- روماني- قبطي- إسلامي- العصر الحديث (محمد علي بيك وأسرته- مخطوطات)) ومنذ عام 1986 وحتى مايو 2001 والمتحف يعمل على قدم وساق والزيارات تتهافت عليه صيفا من التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء وشتاء من التاسعة صباحا حتى العاشرة مساء, لما يمثله من قيمة أثرية عظيمة فهو أول متحف من نوعه في تاريخ مصر يحتوي على أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية "تحفة" تنتمي إلى عدة عصور زمنية مختلفة
أزمة المتحف
أضافت سوزان الشربيني أن أزمة المتحف بدأت بظهور شروخ وتصدعات بجدرانه وحوائطه..الخ رغم ترميمه 3 مرات, وبالرغم من تخصيص 75 مليون جنيه لترميمه، إلا أن الجميع رأوا أن إعادة بنائه أفضل من ترميمه ليتم هدمه تماما في عام 2009 ونقل آثاره للمخازن المخصصة لذلك ومنذ ذلك التاريخ لم يتم البناء.
شائعة بيع أرض المتحف
ونفت مديرة المتحف الشائعات التي ترددت عن بيع أرض المتحف, وإنما أرض المتحف تمتلكاها 3 جهات, حيث تمتلك هيئة قناة السويس 6767 مترا مربعا منها وقد أرسلت عدة إنذارات لنا لسداد أقساط وتم حل المشكلة, أما باقي المساحة فهي ملك للمحافظة ووزارة الآثار.
سرقة ختم المتحف
كما فجرت سوزان الشربيني مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلنت أنه قد تم سرقة ختم شعار الجمهورية الخاص بالمتحف من حقيبتها الشخصية أثناء سيرها بالشارع في عز الظهر من قبل لصوص حقائب السيدات وأنها اتخذت كافة الإجراءات القانونية وتم تحرير محضر بالواقعة وحتى الآن لم يحرك ساكنا.
مطالب بسرعة إقامة المتحف
ومن جانبهم طالب عدد من المسئولين بالمحافظة بسرعة إقامة المتحف مرة ثانية لدعم المنظومة السياحية بالمحافظة التي لا يوجد بها سوى المزارات السياحية القليلة مثل المتحف الحربي والمتحف الحديث, ومطار بورسعيد؛ حيث إن إغلاق المتحف القومي منذ سنوات عديدة رغم موقعه الحيوي أمام مدخل قناة السويس والمنطقة السياحية بميناء بورسعيد التي تستقبل آلاف السائحين بصورة شبه يومية, يعد مأساة بكل المقاييس .