لقد طُرحت في الفترة الأخيرة ما سمّاه البعض بالمصالحة، وجرت حوارات هنا وهناك، واعتراضات وملاحظات، وكل ذلك في إطار حلحلة الوضع المتجمِّد، الذي أوصلنا له النظام الحاكم بالحديد والنار، في ظل حالة التدهور الحادث في المنطقة برمّتها، والمتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي.
أقول بادئ ذي بدء أن كلمة أو لفظ مصالحة ليس لها محل من الإعراب، لأن لها شروطًا كثيرة غير متوفرة في الوقت الراهن، وأركان المعادلة ليس بينهم ثمّت توازن أو تقارب، ولذلك علينا أن نفكر في إطار تسوية سياسية، إذا كنا حريصون على إنقاذ مصر من التدمير الشامل الذي يُراد لها. هذه التسوية تقوم على التالي:
أولًا: لابد من إزاحة السيسي من المشهد برُمّته، لأنه هو السبب الرئيس في كل ما يحدث، وإيجاد بديل عنه، يتم التوافق عليه، لفترة انتقالية محدودة، وذلك لأن الوضع الراهن لا يتحمل أكثر من ذلك، وخصوصًا مع حالة التشرذم التي تشهدها الأطياف المعارضة للنظام الحالي، فقد تغيرت أحوال وتبدّلت مواقف حتى من الشعب نفسه.
ثانيًا: إعادة الاعتبار للدكتور مرسي، لأنه جاء باختيار نصف المنتخِبين تقريبًا من أبناء الشعب المصري، وهذا لا يعني نسف المسار الذي اتخذه الشعب فيما سبق، بل يعني احترام الاختيار الشعبي، والمسار الديمقراطي، وتكليف شخصية أو مجموعة، يتم التوافق عليها لإدارة المرحلة الانتقالية، وهذا يدفعنا إلى التفكير خارج الصندوق، ووضع بدائل مناسبة.
ثالثًا: ألا تتعدى الفترة الانتقالية مدة ثلاثة أعوام على الأكثر، ويتم فيها وضع رؤية شاملة للمستقبل، تضمن حقوق كل الذين أُضيروا من الانقلاب العسكري، بمفهوم العدالة الانتقالية، الذي يحاسب كل من أجرم في حق مصر وشعبها، ووضع آلية محددة لتحقيق ذلك.
رابعًا: تسوية ملف الشهداء الذين قُتلوا من بداية الانقلاب العسكري إلى وقتنا الحاضر، سواء بالديّة أو الاحتكام لهيئة علماء مُختارة، وموثوق فيها، بعد الرجوع إلى أهل الدم، وتعويض المصابين، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، الذين لُفِّقت لهم أحكام جائرة، وتعويضهم بشكل مناسب عمّا أصابهم من أضرار.
خامسًا: لابد من وضع ضمانات يتّفق عليها الجميع للمرحلة الانتقالية – دون إزاحة أي طرف – التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ووضع دستور يليق بمكانة مصر. وأقترح أن تقوم بعض الدول الإقليمية، بتهيئة الأجواء، وخصوصًا أن بعضها كان مشاركًا بشكل مباشر في إحداث الانقلاب.
هذه الأفكار والنقاط المُقترحة أردت من خلالها تهيئة الأجواء، لعملٍ يردُّ الحقوق إلى أهلها، وينزع فتيل الحرب الأهلية التي يُريدها البعض للقضاء على ما تبقّى من مصر، وأعلم أن هذه الأفكار ربما تصدم البعض، وتجعل البعض الآخر يتشكك في كاتب هذه السطور، فما أطرحه لوجه الله، ثم لانقاذ مصر، وكل يؤخذ من كلامه ويُردّ.
فهل لدينا الشجاعة أن نناقش ونتقدّم للأمام دون الدخول في سفسطة غير مفيدة، وجدل لا طائل منه، ومزايدات رخيصة؟