عبرت الكاتبة نانسي عقيل، المدير التنفيذي لمعهد التحرير في العاصمة الأميركية في مقال لها نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن حزنها الشديد بسبب تحول أميركا بالنسبة لها إلى منفى بعد أن خرجت من مصر لصدور حكم قضائي بحقها.
وقالت الكاتبة :”اليوم هو ذكرى إصدار محكمة مصرية عليّ حكماً بالسجن لخمس سنوات، وكانت جريمتي العمل لصالح منظمة دولية تدعم حقوق الإنسان والديمقراطية”.
وتابعت: “لقد مرت خمس سنوات منذ حزمي حقيبة صغيرة ومغادرة بلادي، واعتقادي بأنني سأعود في غضون بضعة أسابيع، قضيت كامل مدة عقوبتي في الخارج منذ أن قررت العيش في المنفى في الولايات المتحدة، حيث كنت أهدف إلى مواصلة عملي في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا أستطيع العودة إلى الوطن الذي أشتاق إليه – على الرغم مما يجب أن يقال أن مصر الآن لم تعد المكان نفسه الذي غادرته، واليوم، في ظل نظام عبد الفتاح السيسي القاسي، يواجه مواطنوها مستويات غير مسبوقة من القمع والتدهور الاقتصادي”.
وتضيف الكاتبة: “كنت أتمنى أن أكتب ذلك إحياءً لذكرى ولكن الأمر ليس من الماضي وبينما كنت محظوظة لأنني لم أمض السنوات الخمس الماضية في زنزانة السجن، إلا أنني اضطررت إلى قبول حياة في المنفى، وهو ما يمثل صراعا داخليا، فقد تركت عائلتي وعالمي بأسره عندما جئت إلى واشنطن، وأصيبت والدتي، بالسكتة الدماغية بعد فترة وجيزة من رحيلي، وتوفيت في الصيف الماضي، ولم أتمكن من رؤيتها أو حتى حضور الجنازة أو الوداع الأخير، وأنا الآن بعيدة تماماً عن أبنائي التوائم البالغان من العمر 7 سنوات، ولا أستطيع رؤيتهما يكبران ،لكن عزائي الوحيد أنهما في الوطن”.
واستطردت: “لكن حتى المنفى ليس دائما ملاذاً آمنا للمعارضين، فلا تزال السلطات المصرية تهددنا وتخوفنا نحن وأسرنا، وأعادت الحكومة المصرية فتح قضيتي، التي أسفرت أيضا عن الحكم على 42 من النشطاء في العام الماضي، ويركز النظام هذه المرة على المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان والمجموعات التي لا تستفيد من نوع الاهتمام الدولي الذي كنا محظوظين به بما فيه الكفاية”.
واستمرت الكاتبة تقول: “في الشهر الماضي كنت أحضر ورشة عمل حول حقوق الإنسان في روما عندما رأيت رجلاً يلتقط صورة لي أمام الفندق، وعندما واجهته، دفعني وسار بعيداً، وبعد ساعات، نشرت وسائل الإعلام المصرية التابعة للدولة منشورات بصور المشاركين الآخرين في ورشة العمل، مما أدى إلى التشهير بنا مع ادعاءات أننا كنا نتآمر ضد مصر في اجتماع سري”.
واستدعي خالد علي، المرشح الرئاسي السابق الذي شارك في ورشة العمل، للاستجواب عندما عاد إلى مصر، احتجز لمدة يوم بتهم ملفقة، وهو ينتظر الآن جلسة محكمة في 3 يوليو وفي برنامج تلفزيوني حديث، ذهب مصطفى بكري، وهو عضو في البرلمان، إلى حد أن يتساءل لماذا يسمح لنا بالعيش في الخارج، مضيفاً أننا يجب أن نعود إلى البلاد “في نعش”.
وتضيف الكاتبة أن الصحفيين والناشطين والباحثين حرموا جميعاً من المحاكمات العادلة فإما سجنوا ظلماً أو ملاحقين قضائيا، وفي الآونة الأخيرة، أغلقت السلطات المصرية أكثر من 21 منفذاً إعلاميا في مصر، بما في ذلك مدى مصر، وهو أكبر موقع إخباري مستقل في البلاد، وأصدرت السلطات قانوناً شديد القسوة ضد المنظمات غير الحكومية يجرم مجموعة واسعة من أعمال المجتمع المدني، وستؤدي هذه الإجراءات حتماً إلى السيناريو الذي نحاول تجنبه جميعاً وهو: خنق جميع المنافذ السلمية للتعبير عن المظالم والتعامل مع الحكومة”.
وتلفت الكاتبة إلى ادعاء الحكومة بأنها تقوم بهذه الحملة كجزء من الحرب على الإرهاب وفي إطار جهودها لاستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي، والواقع أن هذه محاولة يائسة لإخفاء التراجع الاقتصادي السريع والحكم الكئيب وتدهور الأمن، ووفقا لتقرير صدر مؤخرا، فإنه تم الإبلاغ عن 795 حادثاً إرهابياً في مصر في عام 2016، وظهرت ثلاث مجموعات إرهابية جديدة في العام الماضي، في الوقت الذي يستمر فيه تنظيم الدولة في ممارسة نشاطاته، وأدى الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم الدولة على المسيحيين الأقباط في الشهر الماضي إلى وصول العدد الإجمالي لضحايا العنف الطائفي في عام 2017 وحده إلى 90 شخصا”.
وفي الوقت نفسه، يستمر الاقتصاد المصري في التدهور، فقد وارتفعت الأسعار خلال عام 2016، حيث وصل معدل التضخم إلى 24% بحلول نهاية العام، ويكافح العديد من المصريين من الطبقة المتوسطة للحفاظ على مستوى معيشتهم. أما الذين لديهم دخل أقل، فإنهم بالكاد يستطيعون تغطية نفقاتهم.
واستدركت الكاتبة: “لا أحد منا يريد أن يرى مصر في حالة من الفوضى، ولكننا نرفض أيضا رؤيتها وهي مستمرة في التدهور في ظل النظام الحالي، ولا ينبغي للمصريين ولا للمجتمع الدولي أن يشتركا في الحكمة التقليدية التي تبرر جميع أشكال القمع والفشل باسم مكافحة الإرهاب، ويتبين من التحليل الجاد أن هذه السياسة الفاشلة هي لنظام ليس له ما يقدمه ،ويجب علينا أن نواصل توثيق الانتهاكات، والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها، والأهم من ذلك، أن نثقف أنفسنا بشأن السياسات البديلة والحكم الأفضل؛ فالمعارضة ليست غاية في حد ذاتها ،لذا يجب أن نسعى جاهدين لإيجاد حلول للمشاكل القائمة”.
وتضيف: “قبل خمس سنوات، شعرت بالوحدة عند تركي للبلاد، لكن عندما رأيت المزيد والمزيد من الأصدقاء والزملاء ينضمون إليّ في المنفى، بسبب الاستبداد المتزايد في بلدنا، شعرت بمتعة مشوبة بألم؛ فأنا أشعر بالفرح بسبب لم الشمل مع وجوه مألوفة غابت عني من بينهم نشطاء وعلماء وفنانين يشتركون في نفس الأهداف والأحلام أن تكون مصرأفضل، وشعرت بالارتياح لرؤيتهم في أمان، ولكن في نفس الوقت أشعر بالخوف تجاه أولئك المحاصرين في الداخل ،وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، بدأت أشعر أن المنفى هو الوجهة النهائية بدلا من أن يكون توقفا مؤقتا في طريق العودة إلى الوطن”.
وتختم الكاتبة بالقول: “ليس لدينا خيار سوى العمل من أجل مصر أفضل، لم نمل من المطالبة برحيل مبارك عندما كان العالم بأسره يدعم نظامه القمعي، ولن نتوقف عن المطالبة برحيل النظام الحالي ،ونأمل ألا يتخلى العالم عنا أيضا”.