شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحقيقة … بين هلمند و نورماندي – هيثم صلاح

الحقيقة … بين هلمند و نورماندي – هيثم صلاح
  السادس من يونيو  1944 ... نورماندي , فرنسا يحمل  روبرت سلاحه متحفزا داخل ناقلة الجند...

 

السادس من يونيو  1944 … نورماندي , فرنسا

يحمل  روبرت سلاحه متحفزا داخل ناقلة الجند البحرية المتجهة إلى شاطيء نورماندي المكلفين بتطهيره من أجل إستقبال إنزال بحري أوسع نطاقا . مرت صور أبنائه و زوجته أمام عينيه و هو يستعد لإستقبال رصاص الدفاعات الألمانية و تساءل إن كان سيراهم مرة أخرى . التوتر الناتج عن جهله بما قد يواجهه حقيقة عند وصوله للشاطيء جعله يفكر فيما نقله إلى فرنسا مقاتلا لتحريرها من قبضة الألمان , فليأكل الأوروبيون بعضهم ما الذي يجعله يعبر الأطلنطي و يقحم نفسه في هذه الحرب , شعوره بقرب النهاية جعله يفكر – ربما – لأول مرة في إجابة هذا السؤال الأساسي . لعن الحكومة الأرميكية التي إستجابت في النهاية لضغط البريطانيين و تدخلت لإنقاذها و بقية أوروبا من الوحش الألماني بعد أن كانت سياسة العزلة مريحة  و آمنة . إقترب الشاطيء و بدأ قائد المجموعة يلقي التعليمات النهائية التي لم يلفت نظره منها سوى وجوب السير في مجموعات حتى تكون فرصة النجاة أكبر فقد ذكره هذا أن هناك الموت هو الأصل و النجاة فرصة قد لا تأتي . تلاحقت أنفاسه مع إرتفاع حدة توتره … تذكر زوجته و أبنائه مرة أرعبته فكرة أنه قد لا يراهم مرة اخرى بالفعل و قرر أن يحاول النجاة بأي ثمن حتى يعود إليهم . وصلوا إلى الشاطيء … فتح باب الناقلة و فتح باب الجحيم المقابل مباشرة … إنهمر الرصاص عليهم بصورة أول مرة يشعر بفظاعتها رغم كل ما خاضه من أهوال الحرب .. سقط ثلاثة من زملائه أمامه في ثوان بينما قفز هو إلى خارجها و ركض بكل رعبه محاولا الوصول إلى الشاطيء ليحتمي بأحد العوائق الحديدية التي نشرها الألمان هناك . تناثر الرصاص حوله صرخ رعبا و بكى كالأطفال ..ركض كما لم يركض من قبل في حياته … تجاهل زميله الذي سقط مصابا و صرخ مستغيثا به و لكن جاءت اللحظة التي يتمنى ألا تأتي . إخترقت رصاصة كبده و أخرى معدته و بدأ ينزف سقط على الأرض من الإعياء , أدرك أنها النهاية و أنه سينزف حتى الموت , ماذا سيعني موته  الآن ؟ لن يأكل مرة أخرى و لن يحتسي الخمر .. لن يقبل زوجته و لن يداعب أطفاله صباحا قبل أن يذهبوا إلى المدرسة لن يرى شروق الشمس من نافذته و لن يتأمل غروبها أثناء رحلات نهاية الأسبوع مرة أخرى أبدا , و بما أنه قد مات في هذه الحرب فهذا يعني أن بضعة مليارات قد ضخت في عروق المجمع الصناعي العسكري الأمريكي , أما المرحلة القادمة فهو لا يدري عنها شيئا !!

أحد أيام 2012 .. هلمند , أفغانستان

وقف  أسد الله صامتا كعادته صارما كما عرفوه متهجما كما صار منذ رأى الامريكيين يسقطون حكم طالبان و يحتلون أفغانستان فربما لم يبتسم من حينها أبدا . إستمع منتبها إلى قائد مجموعتهم المجاهدة يشرح خطة الهجوم على إحدى القواعد الأمريكية القليلة الباقية في هذه المنطقة من هلمند , كان هذا هو النشاط الأساسي في حياته و يحرص على تأديته بكل إتقان منتظرا اللحظة التي يلقى الله عز وجل فيها شهيدا كما يتمنى دائما . سيقتحم جلال الدين بوابة القعدة بالشاحنة المحملة بنصف طن من المتفجرات و يفجرها داخل القاعدة ثم تهاجم بقية المجموعة القاعدة من ثلاث محاور . تأكدوا من جاهزية الأسلحة و دقة توزيع المهام … قاموا بتوديع جلال الدين الذي كان متهلل الوجه يضحك ضحكات متقطعة من فرط إنفعاله كأنما سيزف إلى حبيبته التي عشقها طول عمره . لن يتخيل بالتأكيد أي من رجال المخابرات الأمريكية إذا رأى هذا المشهد ان هذا الرجل سيتحول إلى أشلاء في غضون دقائق ! . قاد الشاحنة مبتعدا … إنتشروا في مواقعهم و إنتظروا … دقائق و سمعوا الإنفجار الكبير فكانت إشارة البدأ . إتجهوا نحو القاعدة … واجهوا إطلاق النار من قبل من نجا من جنود القاعدة .. تبادل أسد الله إطلاق النار مع أحدهم … كان منبطحا خلف رشاش ثقيل و يطلق النار نحوهم بكثافة شديدة . ضبط أعصابه كعادته و تحرك متخذا ساترا و بدأ في التسديد نحوه لإجابة النار بالنار أطلق عدة رشقات قتلت الأمريكي في نهاية الأمر .. ركض نحو جزءا محطما من سور القاعدة ليقتحمها و يشارك في الإجهاز على من تبقى من الجنود الأمريكيين .. رأى في طريقه أحد رفاقه مستلقيا على الأرض و على وجهه الإبتسامة التي طالما إشتاق إليها كلما شيع أحد إخوانه . صوت طلق ناري و ألم شديد في الرقبة … لقد جاءت اللحظة المنتظرة  كما يبدو .  صارخا الله اكبر سقط على الأرض  من الصدمة و قد عانت رقبته من تمزق عنيف نتيجة لطلقة قناص على أحد المرتفعات القريبة ربما إعتبره الأمريكيون نقطة حراسة لمواجهة حالات كهذه  ,بإصابته هذه بالتأكيد لن يجد أحد الوقت الكافي لإسعافه و هو على طريق المغادرة  و سيكون موته بإذن ربه ملهما لإخوانه و مثبتا لهم على طريق الجهاد في سبيل نصرة الإسلام و تحرير وطنه , لطالما إعتبر هذا مهمته الأساسية في الحياة و هو راض بالتأكيد لأنه مات و هو يقوم بها . شعر بدوار  … ولكن الإبتسامة التي طالما تمناها طفت على فمه عندما رأى ما أعد الله عز و جل له … نطق الشهادتين في هدوء ثم ذهب .

هم مختلفون بالتأكيد فعبادة الخالق عز و جل ليست كعبادة المخلوقات .. و ليست كعبادة الذات .. و العقل .. و الملذات . و إعتبار الدنيا معمل لنيل الغاية الكبرى ليست كاعتبار الدنيا هي الهدف الأساسي فالأول يجعل مواجهة النهاية عيد و الثاني يجعلها فزع رهيب , الأول يجعل نهاية الدنيا بداية الحياة و الثاني لا يعرف البدايات فهي نهاية واحدة ماحقة . هذا الفرق هو ما جعل المسلمين الاوائل ينطلقون من قلب الصحراء ليسيطروا على حضارتي عصرهم في وقت قصير … كانوا يفتحون الدنيا لنيل الآخرة فأصبح الأمر سهل بشكل أذهل معاصريهم . و نفس الفرق هو ما جعل المسلمين الأواخر يخضعون بشكل واسع لذل الإستعمار و الإستبداد . و هو ما جعل الثلة التي تتبع آثار أجدادهم الأوائل تجبر الإتحاد السوفيتي على الإنسحاب من أفغانستان بعد عشر سنين رغم قلة العتاد , و تصمد في وجه رابع قوة عسكرية في العالم بمقاييس العصر حين حاولت غزو شريط ضيق مثل غزة عام 2009 , و تذهل العالم الان بما تحققه في وجه أعتى نظام دكتاتوري في الشرق الاوسط تدعمه دولة كبيرة و دولتين متقدمتين .. في سوريا , و تمنع أقوى حلف عسكري في تاريخ البشرية من القضاء عليها في أفغانستان . هذا الفرق هو نقطة تفوق المسلمين في عصر الفقر المادي و العسكري و الغرب يدرك ذلك جيدا و لذا يحاول منع إستعادة المسلمين لهذه النقطة بأي ثمن . إذا عاد الحق الأول نموذجا حاكما عادت الإنجازات المذهلة مرة أخرى و خرج العملاق عن السيطرة مجددا . و مشكلة غير المسلمين الكبرى أن إنعكاس هذا الفرق على سياسة المسلمين يجعلهم غير قابلين للتبعية , ربما يتعاملون مع واقع ضعفهم المؤقت بمرونة ما و لكنهم لن يحققوا سوى مصالحهم فقط و لن يصبحوا وكلاء لمصالحنا مرة  لمصالح أحد مهما كانت قوته . إدراك هذه الحقيقة يوضح لماذا يحارب الإسلاميين وحدهم رغم وجود تيارات وطنية غير إسلامية قد تسعى لتحقيق مصالح دولهم أيضا و يتمتعوا بالإستقلالية و النزاهة …؟ الإجابة ببساطة أن الإسلاميين – بحق – مختلفون !!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023