لا تبشّر نتائج اجتماع مجلس الأمن الدولي شعب فلسطين بالخير؛ بعدما ألقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كلمة مطولة أكّد فيها أنّ القليل تغيّر على أرض الواقع، و«إسرائيل» حوّلت الاحتلال من وضع مؤقت وفقًا للقانون الدولي إلى حالة استيطان دائمة؛ وأصبحت السلطة الفلسطينية بلا سلطة.
هذا ما تراه الكاتبة «رامونا وادي» كما نشرت بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمت «شبكة رصد»، مضيفة أنّ تصريحات «عباس» أكّدت وقائع مسألة واضحة جدًا منذ بداية الاحتلال، وهي أن الصهيونية أيديولوجية توسعية تسعى إلى «إسرائيل الكبرى»، وإنشاء السلطة الفلسطينية جاء لخدمة المصالح الإسرائيلية. وبجانب أنّها صوّرت التدهور في الوضع الراهن نتيجة الاستعمار والتعاون المتعمد، فتصريحاته رسّخت أيضًا موقف المفاوضة الضعيفة للفلسطينيين.
بعيدًا عن الواقع
وبدورها، اعترفت الولايات المتحدة بهذا النقص؛ إذ أكّدت نيكي هالي، مبعوثة أميركا في الأمم المتحدة، أنّ الاختيار الوحيد الذي تعتبره بلدها «حلًا توافقيًا» هو تنحية الغضب الفلسطيني جانبًا ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وما تقوله «نيكي» يوضّح بعبارة أخرى ضرورة نسيان قيام دولة فلسطينية والقبول بفتات على طاولة المفاوضات. كما لا يمكن قراءة ردها إلا في سياق خطاب ضد عباس؛ إذ يعدّ هجومًا مباشرًا على حق الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى التحرر من الاحتلال. أيضًا، الواقع أنّ هذا التبادل يصوّر العواقب التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة العزلة السياسية؛ إذ تحدث الخطابات داخل المؤسسات الدولية بطريقة منفصلة، وكل الخطابات المحدّدة في الأمم المتحدة بعيدة جدًا عن الواقع الفلسطيني.
تواطؤ مع الاستعمار
أيضًا، الرويات المتباينة هذه مشبّعة بالاعتراض والرفض؛ لكنها في النهاية تحتفظ بالفلسطينيين، بينما تشرع الولايات المتحدة عن طريق «نيكي» في استغلال هذا التناقض في الوقت الذي تعمل فيه «إسرائيل» وأميركا علنًا على تسريع الاستعمار من أجل مشروع «إسرائيل الكبرى» وأن تصبح دولة واقعية بالفعل.
كما إنّ الاعتراف بالسرد الاستعماري على المستوى الدولي يساعده أيضًا حقيقة أنّ عباس لا يتحدث عن جميع الفلسطينيين أو يمثلهم؛ فخطابه المحسوب، المفترض أن يعبّر عن الغضب تجاه الوضعين الحالي والسابق، جاء متاخرًا؛ خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وهذا مثال صارخ على التواطؤ مع الاستعمار.
درس التاريخ
ومن سوء الحظ أنّ تصريحات «نيكي» بشأن القيود المفروضة على الفلسطينيين صحيحة، سواء شاركت الولايات المتحدة في المفاوضات أم لا، وأيضًا الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين وقضيتهم بالغة؛ فاللجوء إلى المنظمات الدولية ذات القيادة الضعيفة للتوصل إلى حلول سيؤدي في نهاية المطاف إلى تضاؤل سلطة الشعب.
وحقيقة استمرار عباس في التواصل مع المجتمع الدولي دون الاعتراف بدوره في عزل الأصوات الفلسطينية يعني تمديد الوضع الحالي، مع فوائد طويلة الأجل لـ«إسرائيل». والتعامل مع الولايات المتحدة بعد التدابير التي اتخذتها لعرقلة المطالبات المشروعة للفلسطينيين على أراضيها إلى نقطة القضاء يجب ألا تكون اختيارًا.
وفي النهاية، مهما اختار عباس فالتاريخ الحديث أظهر أمثلة كثيرة على كيفية تقلب السلطة الفلسطينية من اختيار تنكّسي إلى آخر؛ ومن المهم تذكّر أنّ القرارات ليست اختيارات فلسطينية. أيضًا، الشعب الفلسطيني جربه جميع الأطراف، حتى العسكرية؛ ووجد أنّ الإمكانات الحقيقية للفلسطينيين لا يمكن أن تتولد إلا من الداخل، وعباس يدرك هذا جيدًا؛ وبالرغم من ذلك سمح للعالم بأسره بفرض أي شيء وكل شيء على الفلسطينيين بصرف النظر عن حقوقهم المشروعة.