يُعدّ الوقت الحالي موسم الانتخابات في الشرق الأوسط، وهي تبشّر باستعادة الاستبداد والنزاعات الطائفية بعد ثورات الربيع العربي وآمال شعوب المنطقة في ديمقراطية حتى ولو لمدة وجيزة؛ فمن المقرر إجراء انتخابات رئاسية في مصر هذا الشهر، بينما يختار لبنان برلمانًا جديدًا في مايو المقبل، وبعد أسبوع واحد سيتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى منذ صعود تنظيم الدولة وهزيمته.
لكنّ هذه الانتخابات لن تغيّر شيئًا في السياسات القائمة حاليًا؛ خاصة بعد تحوّلها إلى طقوس لا معنى لها، كما هو الحال في مصر، إضافة إلى أن الطبيعة المتكسرة للمجتمعات الشرق أوسطية، وقوة المليشيات وصعودها، تجعلان الانتخابات ونتائجها مجرد شيء ثانوي؛ كما في العراق ولبنان.
هذا ما يراه الباحث الأوكراني المختص في شؤون الشرق الأوسط «ياروسلاف تروفيموف»، في مقاله بصحيفة «وول ستريت جورنال» وترجمته «شبكة رصد»؛ ويضيف:
استطاع المصريون الإطاحة بالديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك في ثورة ألهمت موجات أخرى من الثورات في البلدان المجاورة ضد القادة الاستبداديين الآخرين، وكانت النتيجة تحوّل هذه البلدان إلى استبدادية أكثر مما سبق؛ فأطاح عبدالفتاح السيسي بأول رئيس مدني منتخب «محمد مرسي» في انقلاب عسكري في يوليو 2013.
وتعاني شعبية عبدالفتاح السيسي من انحدار رهيب حاليًا؛ في ظل البرامج التقشفية المؤلمة التي اتبعها، وتخفيض الدعم على الغذاء والوقود، ولم يترك مجالًا للمنافسة في الانتخابات المقبلة، بعدما أطاح بمنافسيه الأقوياء؛ مثل سامي عنان، رئيس هيئة الأركان السابق، وأحمد شفيق المنافس الوحيد لمرسي في انتخابات 2012، واحتجازه بعد عودته من الإمارات بعد إعلانه ترشحه للرئاسة.
كما أُجبر نجل شقيق الرئيس الراحل محمد أنور السادات على التراجع عن قرار ترشحه، ولم يبقَ سوى السيسي ومنافس وحيد غامض، مؤيد للسيسي نفسه، يدعى موسى مصطفى موسى.
وقال «مايكل وحيد حنا»، الباحث في مؤسسة «سينشري أورجنال فونداتيون» بنيويورك، إنّ الانتخابات المصرية المقبلة مجرد إجراء روتيني ووسيلة سيئة لتجديد شرعية السيسي، وهو «المستبد الذي لم يسمح حتى بالاقتراب من هذه المسابقة الشرعية».
«حزب الله» وفرض الذات
وعلى المستوى اللبناني، تفاقم الانقسام السياسي الرئيس بين التحالف الموالي للغرب «14 آذار» والتحالف الموالي لإيران «8 آذار» المدعوم من حزب الله؛ خاصة بعد انتصارات النظام في سوريا، الذي رجّح كفة التوازن لصالح طهران. ونتيجة لذلك؛ اتفق رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري على قبول حزب الله، بحكم الأمر الواقع، في اتفاق تقسيم السلطة الموقّع في أكتوبر 2016؛ وهو الاختيار المفضل للحزب.
ومنذ ذلك الحين، وباستثناء التصريحات القسرية أثناء إقامته القسرية في السعودية، استطاع الحريري أن يكون أكثر تصالحًا مع حزب الله. وفي سياقات انتخابات حالية، تعاونت مجموعات الحريري وعون بشكل أساسي. وبغض النظر عن المفاجآت المنتظرة، فالحكومة اللبنانية التي ستسفر عنها انتخابات مايو المقبل ستظل تحت رئاسة الحريري؛ لكنه سيضطر إلى إعطاء مناصب رئيسة لأعضاء حزب الله وحلفائه.
وقال «باسل سلوخ»، العالم السياسي في الجامعة اللبنانية الأميركية ببيروت، إنّ مواجهة حزب الله «لم تعد مطروحة؛ بسبب ما حدث جغرافيًا وسياسيًا، ولأنّ الجميع -سواء عون أو الحريري- قبلوه بطريقة أو بأخرى».
ثلاثة محددات في العراق
وفي العراق، هناك ديناميكية مماثلة تكشفت قبل الانتخابات المقبلة: المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران والمستوحاة من حزب الله، ولها أحزاب سياسية. وكما هو الحال في حزب الله، فشرعيتهم السياسية مستمدة من أسلحتهم.
كما إنّ تعدّد القوى السياسية، وتنامي تأثير إيران، وتفتيت البرلمان العراقي؛ كلها ستحدد مسار الدولة بعد الانتخابات المقبلة.
وقال «فنار حداد»، المتخصص في السياسة العراقية بجامعة سنغافورة الوطنية، إنّ الانتخابات المقبلة لن تغير شيئًا في شكل الحكم بالعراق؛ متوقعًا أن تسفر عن حكومة ائتلافية برئاسة العبادي، ولا توجد معارضة متماسكة حاليًا.