استنكر الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، الحفاوة الرسمية والإعلامية، التي رافقت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بريطانيا، لافتا إلى أن صفقات كبرى وراء هذا «التهليل» بوصول الأمير السعودي، واعتبر أن بريطانيا تؤسس صناعاتها الاستراتيجية وترسم استراتيجياتها الإقليمية على رمال العلاقات مع حكام مستبدين مثل هؤلاء.
وقال هيرست، في مقال له على موقع «ميديل إيست آي»، وترجمته «عربي21»: «وسائل الإعلام من صحيفة التايمز إلى صحيفة الديلي تليغراف إلى موقع وزارة الخارجية على الإنترنت كلها تعزف إيقاعا واحدا بهذه المناسبة، وتصدح أن هللوا وحيوا الملك، هذا الإصلاحي الشاب والشجاع، هذا الإنسان الدينامو».
صفقات وراء الحفاوة
وأوضح، أن «الأبهة التي نحن بصددها إلا للاحتفاء بوصول محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، التي تتوق شركة إيروسبيس البريطانية إلى بيعها جيلها القادم من طائرات تايفون المقاتلة، فلولا طلبات الاستيراد القادمة من سلاح الجو السعودي، لكانت أنوار مصانع الشركة في لانكشير قد أطفئت قبل وقت طويل».
وأضاف أن «محمد بن سلمان، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، هو من سيقرر في أي بورصة سيجري الطرح الأّولي للاكتتاب العام لأسهم أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم»، لافتا إلى أنه «إذا حققت أرامكو ما تصبو إليه من تقدير قيمتها بما يقرب من 2 تريليون دولار، فإن قيمة مبيعات 5 بالمائة من أسهمها ستكون في حدود 100 مليار دولار -وهي جائزة ثمينة لو حظيت بها بورصة لندن».
وأشار الكاتب البريطاني إلى أن «هذا السجود الجماعي الذي نشهده في لندن بالكاد هو الجنة المفقودة لبريطانيا الإدواردية، التي يحلم بها أنصار بريكسيت من أمثال بوريس جونسون ومايكل غوف، حينما يحققون هدفهم المتمثل ببتر البلاد عن أوروبا».
راتب الملك
وقال هيرست: «أخبرني مصدر مقرب من الديوان الملكي السعودي، أن مخصصات الملك تبلغ الآن ما يقرب من 3 مليارات ريال، أي ما يعادل 800 مليون دولار شهريا. لا يظنن أحد أن ثمة خطأ في الكتابة، هو بالفعل كذلك، ثمانمائة مليون دولار في الشهر الواحد».
ولفت إلى أنه «تتلقى رئيسة وزراء بريطانيا راتبا سنويا قدره 150402 جنيه، ولا يشمل ذلك قيمة الشقة التي تسكنها في مقر الرئاسة في داونينغ ستريت وغير ذلك من مقرات الإقامة الرسمية. أما في الولايات المتحدة الأميركية فيتقاضى رئيس الجمهورية راتبا قدره 400 ألف دولار إضافة إلى بعض البدلات الأخرى. أما الملك السعودي، فيدفع لنفسه راتبا شهريا يعادل ألفي ضعف ما يتقاضاه الرئيس الأميركي في سنة كاملة».
ما آلت إليه بريطانيا
واسترجع الكاتب ما كانت بريطانيا عليه في مطلع القرن الـ20، وقال إنها «أرسلت مستكشفيها من أمثال إنديانا جونس ومستكشفاتها من أمثال جيرتدرودبيلز، لتعيين وتحديد وتسلق واقتحام الأوصال المتهالكة للإمبراطورية العثمانية. اختارت المستكشفة بيلز الأمراء الذين ستتعامل معهم بريطانيا، وقامت هي ومن على شاكلتها مثل تي إي لورانس باصطناع بلدان مثل العراق، رغم أنها ما لبثت أن سئمت دورها.
وتابع: «حينها قالت بيلز: “بإمكانك أن تضمن شيئا واحدا. لن تراني أشارك بعد الآن في صناعة الملوك، إنه أمر مرهق للغاية” وكانت بيلز قد دعمت عبدالعزيز بن سعود، الأمير الذي استولى على منطقة نجد وأصبح أخيرا مؤسس المملكة السعودية».
واعتبر هيرست أنه «بات المرور بين المملكتين اليوم إلى حد بعيد في الاتجاه المعاكس. فعندما يأتي ولي الأمر، مالك البلاد والنفط والثروة والعباد في السعودية، إلى لندن، فإنما يأتي ليتفقد ثروته ويلوح بالعقود والصفقات أمام تجاره وباعته المتجولين -وهو ما آل إليه وضع البريطانيين».
مؤشرات الورطة البريطانية
واعتبر الكاتب، أن بريطانيا ورطت نفسها عندما وضعت تقييم سياستها وصناعة اسراتيجيتها الإقليمية على رمال العلاقات مع حكام مستبدين مثل هؤلاء.
وأضاف أن «ثمة مؤشرات أخرى تنذر بالخطر، فهذا الأمير الذي يشاد به على أنه “إصلاحي جريء في المجال الاقتصادي”، هو الذي زج في السجن باقتصاديين إصلاحيين مشهود لهم من أمثال عمر دباغ بسبب مزاعم تورطهم في الفساد، وهو الذي أخضعهم لألوان من التعذيب ليجبرهم على التخلي عن ثرواتهم الشخصية».
جدير بالذكر، أن عمر دباغ يشغل منصب رئيس سلطة الاستثمار العامة في المملكة العربية السعودية، وإليه يرجع الفضل في نقل المملكة من الموقع الـ64 إلى الموقع الـ11 في قائمة البنك الدولي للبلدان المنافسة تجاريا في عام 2010.
وأوضح، أن «هذا الأمير الذي يشاد به على أنه مصلح اجتماعي، هو الذي تجاوز عدد من أعدم في عهده من السجناء كل عدد سابق. فبحسب ما تقوله منظمة حقوق إنسان بريطانية اسمها “ريبريف”، نفذت في هذا العام 133 عملية إعدام مقارنة بـ67 عملية إعدام خلال الشهور الثمانية التي سبقت ذلك».
وقال هيرست: «كما رأينا المرة تلو الأخرى، لا تعبأ بريطانيا بحقوق الإنسان، وأما القضية التي يحتج بها أفراد النخبة في دوائر صناعة السياسة الخارجية فيها فهي الاستقرار» موضحا أن «هناك نجد هوة متسعة بين الصورة والواقع. ولن أكتب هنا عما يجري في اليمن وعما جرى لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري».
وتساءل الكاتب: «حينما تقف تيريزا ماي داخل قاعة البرلمان لتقول إن العلاقة مع السعودية تخدم المصلحة القومية البريطانية، فكيف ستعرف هذه المصلحة؟ وهل تعي حقا ما الذي يجري حول المملكة العربية السعودية؟ وهل تراها تعبأ بما يجري؟».
واختتم مقاله بأنه «لا ريب أن المملكة العربية السعودية في ظل قيادتها الحالية باتت مصدر انعدام للاستقرار في المنطقة، وما لم تتغير، فإن المملكة تحت حكم هذا الأمير الذي تحول إلى ملك ستصبح الدولة التالية في الشرق الأوسط التي تتفسخ»، مضيفا أن «هذه هي النار التي تلعب بها بريطانيا من خلال تبني هذا الرجل بشكل كامل وبشكل غاية في الجبن».