توفي صباح اليوم الأحد السياسي اليساري خالد محيي الدين بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز 96 عامًا؛ مسطّرًا بذلك الكلمة الأخيرة في حياة آخر أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، التي تحوّلت معها مصر من الملكية إلى الجمهورية.
أسّس خالد حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» المعارض في أبريل عام 1976، وكان واحدا من أبرز أحزاب اليسار المصري قبل أن يأفل نجمه ويتحول إلى أداة بيد الدولة.
وقالت منى عبدالراضي، عضو اللجنة المركزية لحزب التجمع، إنّ محيي الدين فارق الحياة في مجمع المعادي الطبي للقوات المسلحة في القاهرة والذي نُقل إليه، السبت، متأثرًا بنزلة برد حادة.
وكان محيي الدين، الذي ولد في كفر شكر بمحافظة القليوبية، عام 1922، من أسرة ثرية بمحافظة القليوبية، وأحد الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك فاروق عام 1952 ثم أعلنوا قيام الجمهورية في العام التالي، وكان وقتها برتبة صاغ.
ظل محيي الدين، أو «الصاغ الأحمر» كما كان يحلو للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يلقّبه، طوال حياته متمسكا بالانتماء لأفكاره ومبادئه التي طالما عاش مدافعا عنها، وهو ما لم يمنعه من الدخول في صدام مع أقرب أصدقائه وهو جمال عبد الناصر في مارس 1954، حينما دعاه ورفاقه من مجلس قيادة الثورة إلى عودة الجيش لثكناته العسكرية، وإفساح المجال لإرساء الحكم الديمقراطي، وهو الرأي الذي كان يتبناه وقتها أيضا اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية للبلاد بعد انتهاء الحكم الملكي.
إقصاء واتهام بالعمالة
ونتيجة لتمسكه برأيه، نشب بينه وبين مجلس قيادة الثورة خلاف استقال على إثره، قبل أن يتجه إلى سويسرا في رحلة إجبارية للابتعاد عن المشهد، وعاد محيي الدين بعد ذلك إلى مصر عام 1957 ليترشح لعضوية مجلس الأمة عن دائرة كفر شكر، وفاز في الانتخابات ليشغل بعدها رئاسة اللجنة الخاصة التي شكلها المجلس النيابي في مطلع ستينيات القرن الماضي لحل مشكلة تهجير أهالي النوبة بسبب إقامة السد العالي جنوب مصر، ثم أسس أول جريدة مسائية في العصر الجمهوري وهي جريدة المساء.
وتعرض محيي الدين الذي تخرج في الكلية الحربية عام 1940، لانتقادات من جانب السلطة المصرية بسبب اشتراك بعض كوادر الحزب في «انتفاضة الخبز» عام 1977، ولطالما شدد على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الفقراء من العمال والفلاحين، ومحدوي الدخل التي حصلوا عليها بعد ثورة يوليو عام 1952.
وعارض خالد محيي الدين معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل عام 1979، وكان يرى أن إسرائيل مازالت تماطل في تحقيق السلام الحقيقي من خلال استمرارها في احتلال أراضٍ مصرية وعربية، وناهض من خلال حزب التجمع وجريدة الأهالي كل دعوات التطبيع مع إسرائيل واصفا إياها «بالكيان الصهيوني الغاصب»، ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات لاتهمه بالعمالة لموسكو.
الحياة الثقافية
كان لمحيي الدين دور في الحياة الثقافية حيث تولى رئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964 و1965، وأسس مع حزب التجمع جريدة الأهالي التي كانت منبرا للحزب ومنفذا لنشر الدراسات والتراجم التي تتحدث عن حركة اليسار العالمي والفكر الاشتراكي.
وكان أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي، ورئيس منطقة الشرق الأوسط، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح، وحصل على جائزة لينين للسلام عام 1970.
شغل خالد محيي الدين، عضوية مجلس الشعب المصري منذ عام 1990 حتى عام 2005، بعدما خسر الانتخابات على يد مرشح جماعة الإخوان المسلمين وقتها في دائرة كفر شكر تيمور عبد الغني.
وكتب خالد محيي الدين مذكراته تحت عنوان «والآن أتكلم»، وعلى الرغم من إصدارها بعد 40 عاما من ثورة يوليو إلا أنها تضمنت قدراً كبيراً من الأسرار التي نُشرت لأول مرة، والتي كان من بينها معارضة عبد الناصر التقيّد ببرنامج التنظيم، وحقيقة العلاقة مع أميركا، وعلاقة عبد الناصر وخالد محيي الدين بالإخوان والشيوعيين، وصلة السادات بالسفارة البريطانية، وتأثر عبد الناصر باستقالة أتاتورك ومظاهرات الأتراك، كما أصدر مؤلفه الثاني بعنوان «الدين والاشتراكية».
اعتزل خالد محيي الدين العمل السياسي وتنازل عن رئاسة حزب التجمع عام 2002، حيث كان يرى ضرورة إتاحة الفرصة للصف الثاني من قيادات الحزب، وكان قد بلغ حينها 80 عاما ورأى أنه من غير الجائز استمرار أي قيادة سياسية في مكانها بعد بلوغها هذا العمر، غير أن الحزب أعلنه زعيما شرفيا له مدى الحياة. وحصل على قلادة النيل، عقب الإطاحة الجيش بحكم الدكتور محمد مرسي في عام 2013.