كشف مركز “كارنيجي للشرق الأوسط”، عن توسع السلطات المصرية في الإعدام خارج نطاق القانون، بعد الانتقادات الدولية، والاستياء الذي صاحب تنفيذ أحكام الإعدام، والتي اعتبرت كوسيلة لقمع المعارضين.
وقال تقرير المركز، إن الحكومة المصرية، باتت تعتمد بصورة متزايدة على التصفيات المنهجية والإهمال الطبي في مراكز الاحتجاز خلال فترات الحجز المطوّلة من دون محاكمة، بالإضافة لاعتماده على سياسة الإخفاء القسري، حيث يتم اختطاف المئات سنويا، وعدد قليل منهم فقط من يظهر من جديد.
وأكد التقرير، أن سياسة الإخفاء القسري، تستخدم على وجه الخصوص ضد النشطاء السياسيين، وفق ما أورد الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة. وأن هذه السياسات ترجع إلى عام 2013، لكنها اكتسبت زخماً مع نمو سلطة المؤسسة الأمنية التي تعزّزت بصورة إضافية من خلال الاستفتاء الدستوري الذي تم في 20-22 أبريل وأسفر عن سيطرة أكبر لعبدالفتاح السيسي على السلطة.
وقارن التقرير، بين تناقص أعداد أحكام الإعدام التي يتم تنفيذها، مع تزايد أعداد الإعدامات خارج نطاق القانون، فمن أصل نحو 600 حكم بالإعدام صدر في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2018، لم يُنفَّذ سوى 32 حكماً. ومع تراجع عدد الإعدامات الرسمية، من 44 في العام 2016 إلى 32 في العام 2018، سجّل عدد الإعدامات خارج نطاق القضاء زيادة دراماتيكية. فقد زعمت وزارة الداخلية المصرية أن قوى الأمن أقدمت، بين الأول من يوليو 2015 و31 ديسمبر 2018، على قتل 465 “متشدداً” مشتبهاً بهم خلال ما ادُّعيَ أنها عمليات تبادل لإطلاق النيران.
وقد أشارت الوزارة إلى أن 117 شخصاً من هؤلاء القتلى هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وصنّفت 320 منهم بـ”الإرهابيين” و28 بـ”المجرمين”. ولقي 104 أشخاص فقط من مجموع القتلى مصرعهم في شمال سيناء حيث تواجه القوى الأمنية المصرية صعوبة في احتواء تمردٍ عنيف. إذاً لم تسقط غالبية القتلى في سيناء حيث يستطيع النظام أن يدّعي بطريقة قابلة للتصديق أن الضحايا هم جميعهم أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية. يبدو أن عدداً كبيراً من ضحايا التصفيات هم من أنصار الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم الذين يُصوَّرون لاحقاً بأنهم متشدّدون.
وغالباً ما تلجأ القوى الأمنية إلى التفسيرات نفسها بعد عمليات تبادل إطلاق النيران. فهي تدّعي عموماً أن عناصر الأمن اقتربوا من مخبأ المتشددين المشبوهين أو أعضاء الإخوان المسلمين، وأن هؤلاء تبادلوا إطلاق النار مع عناصر الشرطة – ما أسفر عن مقتل “المتشددين” المشبوهين، في حين أن القوى الأمنية تتكبّد إصابات محدودة أو لا تتكبد أي إصابات على الإطلاق.
يقول بعض الشهود العيان إن هذه الروايات عن تبادل إطلاق النيران ملفّقة، كما أن الصور الفوتوغرافية التي تنشرها وزارة الداخلية لا تتطابق مع روايات الأجهزة الأمنية. فهذه الصور، وبدلاً من أن تُقدّم البرهان على عمليات تبادل إطلاق النيران التي تدّعي القوى الأمنية حدوثها، تُشير إلى أن الضحايا توفّوا جراء إعدامهم عن مسافة قريبة ونُقِلوا بعد وفاتهم. وفي مقطع فيديو مسرَّب في أبريل 2017، يَظهر رجلٌ يرتدي لباس جهاز الاستخبارات العسكرية، وهو يقوم باستجواب رجلَين ثم يطلق النار عليهما من مسافة قريبة جداً، وكان هذان الرجلان قد اختفيا قسراً في العام السابق وفق ما تقول عائلتاهما.
وفي حادثة أخرى، وبعد مقتل خمسة رجال في ما زُعِم أنه تبادل لإطلاق النار مع عناصر الأمن على مقربة من مدينة العريش شمال سيناء في فبراير 2017، هدّدت القبائل المحلية بالعصيان المدني الجزئي، بما في ذلك الامتناع عن تسديد فواتير الكهرباء والمياه. غير أن عائلات الضحايا قالت إن الرجال الخمسة كانوا محتجزين لدى الشرطة عند مقتلهم. وبعد يومٍ واحد على شنّ هجومٍ بسيارة مفخخة على حافلة سياحية في الجيزة، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في 28 ديسمبر 2018، أعلنت القوى الأمنية المصرية أنها قتلت المتشددين الأربعين المسؤولين عن الهجوم خلال تبادل لإطلاق النيران معهم. لكن بعد الحادثة، ظهرت صورٌ للضحايا تُشير إلى أنه جرى إعدامهم.
كما أن سقوط عدد قليل من الضحايا في صفوف العناصر الأمنيين يُقوّض الروايات عن تبادل إطلاق النيران – فوفقاً للتقارير، لقي خمسة عناصر أمنيين فقط مصرعهم وأصيب سبعة وثلاثون بجروح بين الأول من يوليو 2015 وأواخر العام 2018. صحيح أن القوى الأمنية سوف تَظهر على الأرجح أفضل تسليحاً وتدريباً من المتشددين في تبادلٍ لإطلاق النيران، إنما تبقى نسبة القتلى واحداً مقابل 93 لصالح القوى الأمنية.
بالإضافة لما سبق، تسبّب الإهمال الطبي المتعمد في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية بوفاة المئات في الاحتجاز. ففي العام 2015 مثلاً، وثّق مركز النديم 81 حالة وفاة في مراكز الاحتجاز بسبب الإهمال الطبي وقد بقي هذا العدد على ما هو عليه في العام 2016، مع 80 حالة. وقبل ذلك، وُثِّقت 170 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي اعتباراً من يوليو 2013 حتى مايو 2015. واستمرت هذه النزعة، فقد لقي سبعة محتجزين مصرعهم بسبب الإهمال الطبي خلال شهر يناير 2019. ومن الأشخاص الذين توفوا جراء الإهمال الطبي شخصيات مرموقة مثل جمال سرور، المدافع البارز عن حقوق الإنسان الذي توفّي في 5 نوفمبر 2017 بسبب نقص الوصول إلى الأدوية. كذلك، توفّي النائب السابق محمد الفلاحجي، وفريد اسماعيل، وكلاهما عضوان في جماعة الإخوان المسلمين، في 25 مايو و13 مايو 2015 على التوالي، بسبب الإهمال الطبي. وتُضاف إلى ذلك سياسة عامة قائمة على سوء المعاملة والتعذيب والاكتظاظ في السجون، ما يتسبب أيضاً بوفاة السجناء. فعلى سبيل المثال، يُقال إن سجن العقرب السيئ السمعة “صُمِّم بحيث إن من يدخله لا يخرج منه حياً”.
وبعدما أسفر الاستفتاء الدستوري الذي أجري في 20-22 أبريل عن إقرار التعديلات التي تساهم في تثبيت السلطة في أيدي المؤسسة الأمنية، يُتوقَّع أن تتسارع وتيرة التصفيات، ما سيؤدّي بصورة شبه مؤكّدة إلى مزيد من التشدد وزعزعة الاستقرار.