شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المعارضة السياسية في دول الربيع العربي:الواقع والمأمول – خالد السيد

المعارضة السياسية في دول الربيع العربي:الواقع والمأمول – خالد السيد
  تُعد المعارضة أحد أهم المكونات الرئيسة في الأنظمة السياسية، وهي مكون أثبت وجوده منذ فترة مبكرة من التاريخ...

 

تُعد المعارضة أحد أهم المكونات الرئيسة في الأنظمة السياسية، وهي مكون أثبت وجوده منذ فترة مبكرة من التاريخ السياسي، والمعارضة وفق مفهومها السياسي الصحيح قاعدة من قواعد تقييم الحياة السياسية ومراقبة أدائها وانتقاد سياسات الحكومات وتقديم الحلول المناسبة لمشكلاتها، وهذه الوظيفة تحفظ التوازن في النظام السياسي، وتحفز الحكومات على تنفيذ برامجها بطريقة صحيحة، وتسهم بصورة أو بأخرى في تحسين مستوى الحريات وتطوير الأداء السياسي في المجتمع، وفي الوقت ذاته تسهم في زيادة وعي الناس بشؤونهم، وتسلط الأضواء على المسائل التي تهمهم.

وليست المعارضة أداءً سياسياً موحداً على طول الخط، بمعنى أن المعارضة ليست صفة يُصبغ بها اتجاه سياسي محدد وباستمرار؛ وإنما هي عملية تداولية بين القوى الحاكمة والقوى السياسية خارج إطار الحكم، فقد يتحول المعارض اليوم إلى حاكم؛ فيحكم حزبه ويتولى إدارة موارد الدولة، وبآلية سياسية تلقائية يتحول مَنْ كان يَحكم إلى معارض؛ فيحدث تبادل أدوار، وهذه عملية سياسية صحيحة وصحية، وتضمن الحفاظ على مستوى أداء سياسي مقبول للحكومات، وذلك على أساس أن وظيفة المعارضة هي دراسة الأوضاع واكتشاف الخلل وإبرازه ووضع الحلول المناسبة واقتراحها على الحكومات لتنفيذها، وهو ما يجعل دورها حيوياً وفاعلاً وضرورياً لضبط أداء الحكومة ومراقبته وتحسينه.

ويضعف دور المعارضة، ويقل تأثيرها في المجتمع والحياة السياسية عندما تنتقل من إثراء الحياة السياسية وتطوير وتنمية المجتمع ونشر الوعي، ودراسة قضايا المجتمع، وتقويم برامج الحكومة والعمل على تطويرها ..أقول، يضعف دور المعارضة في أداء هذه الوظائف، عندما تحاول صناعة أزمات مع الحكومات بغرض إحراجها أمام الرأي العام، أو تختلق مشكلات لا أساس لها، أو تتجاهل القضايا الكبرى في المجتمعات وتكتفي بالتعامل مع القضايا النخبوية التي لا تمس واقع الجماهير العريضة، فتفقد مصداقيتها عندهم، أو تسعى لأن تكون مجرد ناقد دون وجود رؤية أو برنامج أو فكر تقويمي حقيقي، فتفقد وجودها العملي عند الحكومات التي لا تجد لدى المعارضة ما يستحق الدراسة، فتتجاهلها، وهذا السبب الأخير يُعد نموذجاً مشهوراً لضعف المعارضة السياسية في كثير من الدول، وخاصة الدول العربية.

وفي الإطار ذاته، قد تسعى الحكومات إلى إضعاف دور المعارضة عمداً، فقد تستشعر الحكومات أن المعارضة تحمل فكراً وبرامج أقوى من برامجها، فتتجاهلها حتى لا تحرج نفسها أمام الرأي العام، أو قد ترى الحكومات في تهميش المعارضة ضرورة لتظهر قوتها وتضمن بقائها، وهذا يظهر جلياً في الأنظمة الاستبدادية، والتي غالباً ما تسعى كخطوة أولى لكسب المعارضة واحتوائها تحت عباءتها؛ لتظهر كمعارضة اسماً ولكنها مناهضة للشعب حقيقةً، وهذا ما يُطلق عليه المعارضة الكرتونية، أي معارضة هشة ظاهرية وليست حقيقية. كما أن الحكومات المستبدة قد تتجاهل مطالب المعارضة وأفكارها وبرامجها، فتصاب المعارضة بالإحباط وتختنق وتتلاشى، حتى تصبح معارضة واهية.

والحقيقة أن المعارضة السياسية في الدول العربية، قد تأثرت منذ فترة مبكرة بقهر الحكومات واستبدادها وتهميشها، الأمر الذي أثّر على أدائها وأضعفها، وأضعف قدرتها على الإبداع والابتكار والمساهمة في تنمية الوعي وتطوير المجتمع، لذلك نرى المعارضة اليوم قاصرة عن صناعة توجه قوي وفعال وتنظيم ذاتها ووضع خطط وبرامج والبدء بها من قاعدة شعبية قوية تساندها.

المعارضة العربية اليوم – من وجهة نظري- نخبوية وفئوية وغير واضحة الرؤية والمعالم إلى حد كبير للغاية، وهو ما يُضعف أداءها السياسي ويُنذر بفراغ كبير، ويعطي فرصة للحكومات للعمل بعيداً عن التقييم الحقيقي والفعال.

والحقيقة التي لابد من التأكيد عليها، هي أن أي تهميش قد يحصل للمعارضة في دول الربيع العربي، لن يكون للحكومات فيه تأثير قوي بقدر ما سيكون التأثير ناتج عن المعارضة ذاتها؛ فهي التي صنعت هذا التهميش بضعف أدائها وعدم قدرتها على صناعة قيادات واعية بمشكلات المجتمعات وقضاياها الحيوية، وعزلتها عن الشعوب، وعملها في أبراج النخب بعيداً عن الجماهير والاحتكاك بهم، وحينها سينظر الناس للمعارضة على أنها تريد التأثير على مكاسبهم مع الحكومات التي بدأت تتغير فعلياً من خلال حرص الحكومات وسعيها إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة ولو بدرجات أقل من المتوسطة في الوقت الحالي، ولكن ما تحقق يفتح باب الأمل بأن هناك تطورات لصالح المجتمعات في طريقها للتحقق، وخاصة بعد التخلص من الأنظمة المستبدة التي تجاهلت شعوبها وحياتها ومطالبها الإنسانية على مدار العقود الماضية، ومحاولات حصر الفساد والتخلص من القوانين والأنظمة التي أضعفت فرص الحياة الكريمة للناس خير دليل على أن هناك تغير حيوي في الطريق لحياة الشعوب.

إن مشكلة المعارضة اليوم أنها تريد تحقيق مكاسب سريعة للغاية لتعوض الضعف والتحجيم الذي عايشته خلال الفترة الماضية، ولتعوض حجم تمثيلها الخافت بعد ثورات الربيع العربي، ومع هذا تظل غائبة عن المشهد الاجتماعي، وعن دائرة اهتمام الجماهير الحقيقية، إلى جانب سعيها للنيل من أصول الشعوب وفكرها ومحاولة فرض أفكار ومبادئ لا تتناسب مع هذه الشعوب وواقعها الاجتماعي وطبيعتها المحافظة، وعقائدها، وهو ما يزيد من حجم الفجوة بين المعارضة والجماهير التي أصبحت تحدد من سيحكمها ويمثلها، وأصبح لصوتها تأثير في النظام السياسي.

ضعف المعارضة ليس ميزة على الإطلاق، وإنما هو عيب خطير في النظام السياسي، لذا نحن بحاجة إلى معارضة حقيقية، تعي دور المعارض، وتحمل فكراً وبرامج وخطط، وتنظم ذاتها في قوى وتحالفات، وتنشئ مراكز أبحاث ودراسات، وتستفد من المفكرين والاقتصاديين والعلماء في تقييم الواقع واستشراف المستقبل، وتعمل في تنظيمات جماهيرية، وتعيش قضايا المجتمعات ومشكلاتها وتتلمس واقعها وتسعى لعلاجها، وتحترم قيم ومعتقدات الناس وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية واهتماماتهم وتوجهاتهم.   

إذا وصلنا إلى هذا النوع من المعارضة فإن هذا سيُعد مؤشراً على نمو مجتمعاتنا العربية ونهضتها، وسيكون ذلك دافعاً لتطوير الأحزاب لبرامجها السياسية، ولزيادة التنافس، ونشر الوعي في المجتمع، والنهوض به وتطويره. 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023