قالت دراسة حديثة، إن جميع البدائل أمام الحكومة المصرية لسد الفجوة الدولارية الضخمة المطلوبة تلاشت، بعد تضاؤل القدرة على الاقتراض أو إصدار سندات دولية، واتساع العجز في الميزان التجاري، وانكماش احتياطي العملة الأجنبية، وتحول الأصول الدولارية للبنوك إلى السالب.
وأكدت الدراسة التي أعدها الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، ونشرها المعهد المصري للدراسات، أن استمرار تعويم الاقتصاد المصري (مع نقل كل الضغوط الاقتصادية على الشعب) أصبح مرهونا، أولا بإقبال المشتري الخليجي، وربما الصيني، للأصول المصرية ذات الطبيعة الرابحة أو الاستراتيجية، وبالحجم المالي المناسب لمواجهة الالتزامات العاجلة، كما أنه رهينة للاتفاق مع صندوق النقد.
وأضافت: «مجموع المبالغ المحصلة من بيع الأصول والاقتراض من الصندوق إذا تم بقيمة كبيرة قد يعني تأجيل إعلان الإفلاس، على الرغم من أن إعلان الإفلاس يعد من وجهة نظر الباحث المسار الأقل كلفة على الشعب المصري في هذه الظروف، لا سيما أنه أمر أضحى مرجحا إذا لم يكن العام الحالي فسيكون القادم».
وأوضحت الدراسة أن تأخر أو إلغاء أي من هذه المبالغ، أو نسبة كبيرة منها، خاصة قرض الصندوق، سيعني عجزا عن الوفاء بمتطلبات النقد الأجنبي.
وأكدت الدراسة أنه إذا لم يتم توقيع الاتفاق مع الصندوق خلال شهرين على الأكثر، وبقيمة قرض فوري لا تقل عن 15 مليار دولار، مع جدولة ديون الصندوق القديمة، ستتوقف مصر عن سداد ديونها وتدخل حالة الإفلاس خلال أشهر قليلة.
وفي ما يلي أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة:
– استمرار العجز المزمن في ميزان المدفوعات الإجمالي مدفوعا بالعجز الحاد في الميزان التجاري، وعجز ميزان صافي الاستثمار، وعدم قدرة قطاعي الخدمات، خاصة متحصلات قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، على تغطية ذلك العجز.
– أظهرت الدراسة أن المشاكل المستمرة والتي أدت إلى تنامي العجز في ميزان المدفوعات بشكل كبير كانت متفاقمة بالفعل قبل رفع الاحتياطي الأمريكي لسعر الفائدة، وقبل اندلاع أزمة أوكرانيا، مما ينفي الإدعاءات بأن هذه العوامل هي سبب الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر.
– لم تستطع الإدارة الاقتصادية التعامل مع العجز الهيكلي المزمن للموازين المختلفة، ولا تزال موارد النقد الأجنبي لمصر تعتمد بصورة رئيسية على السياحة وتحويلات العاملين في الخارج وإيرادات قناة السويس، الهيكل التقليدي للاقتصاد الريعي في مصر، مما يعكس التخلف الإنتاجي على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية وهو الأمر الذي يفسر الفشل في تنمية القدرات التصديرية للدولة.
– استمر الدين الخارجي المصري في التصاعد، مع إصرار حكومي، عليه الكثير من علامات الاستفهام على الإنفاق الخدمي مما خلق مشكلة كبرى مع حلول آجال الاستحقاق، فلجأت الحكومة إلى الضغط على البنوك التجارية لاستخدام أرصدتها من النقد الأجنبي لسداد مستحقات مستثمري الأموال الساخنة وتلبية احتياجات المستوردين من الدولار، حتى تحولت أصولها النقدية بالدولار إلى قيم سالبة كبيرة، تزامن ذلك مع السحب من احتياطيات النقد الأجنبي التي تآكل ما يقارب ثلثها في أشهر معدودات.
– كان الجنيه المصري ضحية السياسات غير الرشيدة، فتثبيته إداريا رغم شح موارد الدولار عقد الأزمة، وأفاد مستثمري الأموال الساخنة الذين خرجوا بأموالهم بسعر صرف منخفض، ومع تعقد الأزمة بدأ الانخفاض التدريجي للجنيه، ولكن التدرج أضحى متسارعا بصورة كبيرة، مما أفقد عملية التدرج فائدتها من حيث تدرج الآثار السلبية لارتفاع معدلات التضخم.
– كنتيجة لعدم قدرة الموارد الدولارية على تلبية الالتزامات واجبة السداد اعتمدت الدولة منهج إعادة تدوير القروض (اقتراض جديد لسداد القديم)، وبمجرد الانسداد الجزئي لمصادر القروض الجديدة أصبح الاقتراض من صندوق النقد الدولي والقبول بشروطه القاسية أمرا لا مفر منه.
– نهم الرغبة في الاقتراض، وعدم اليقظة في حساب تقاطع وتلاقي تواريخ الأقساط والفوائد هوى بالدولة في هوة التزامات ساحقة خلال ما يقارب العام، ومع إغلاق أبواب القروض أصبح بيع أصول الدولة الملاذ الأخير للإفلات من إعلان الإفلاس، ورغم ذلك فإذا لم تنجح الدولة في توفير أثمان بيع بقيم معينة، يضاف إليها قيم قرض الصندوق وتأجيل وجدولة بعض مستحقاته، ومجموعهما إذا لم يبلغ حدودا معينة، فستضطر الدولة لإعلان الإفلاس.
– لا يعني قدرة الدولة على الخروج من مأزق العام الحالي عبر توفير الالتزامات الواجب سدادها انتهاء الأزمة، فالاقتصاد المصري دخل في دائرة مفرغة من الاقتراض والسداد، ومع ارتفاع سعر الفائدة في العالم، وعدم القدرة على الاقتراض بسندات دولية حاليا، فإنه من المرجح بعد نفاد الأصول –على الأقل الأكثر ربحية منها- وتشدد المؤسسات الدولية في الإقراض، أن يصبح إعلان الإفلاس وشيكا.