قد يترك الحوار الوطني الخاضع للسيطرة الحكومية المصرية مجالًا لإصلاحات اقتصادية طفيفة، لكن من غير المرجح أن يولد التغييرات السياسية الجادة التي يطالب بها الناس بشكل متزايد، واستبعاد الفاعلين الحقيقيين بالشارع المصري منه يجعل منه “حوارا بالاسم فقط”.
نشر موقع “ستراتفور”، تقرير تعليقا على الحوار الوطني الذي أعلنت عنه الحكومة في 3 مايو الجاري، وأثار جدلا في البلاد، نظرا لاستمرار السلطات في تنفيذ اعتقالات وتوقيفات لمعارضين، خلال انعقاده.
ويقول التقرير، الذي ترجمه “الخليج الجديد“، إن لجان الحوار الوطني أوعز لها بمناقشة أكثر من 100 موضوع واسع النطاق، بما في ذلك الانتخابات والتعليم والهوية الوطنية والاقتصاد.
لكن في اليوم الأول من الحدث، أوضح المنظمون أن بعض الموضوعات ستكون محظورة تمامًا، بما في ذلك أي قضايا تتعلق على نطاق واسع بالسياسة الخارجية والأمن القومي والدستور لمصر.
كما تعهد مسؤولون حكوميون بأن عبدالفتاح السيسي سيأخذ أي توصيات تقدمها اللجان الفرعية قيد الدراسة الجادة، رغم أن قرار تنفيذ مثل هذه المقترحات يقع في يديه بحزم.
وأشار التقرير إلى أن مصر بها زيادة ملحوظة في القمع السياسي والإعلامي منذ تولى السيسي منصبه في 2014، حيث أبلغت منظمات المجتمع المدني، وكذلك المنظمات غير الحكومية الأجنبية، عن مستويات من القمع لم تشهدها البلاد منذ ما قبل الربيع العربي في 2010-2011. وفي هذا السياق أصبح النقاش السياسي نادرًا للغاية في مصر.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت مجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي لا تزال تعمل ضمن الهوامش المقبولة للحكومة (أي من خلال عدم توجيه انتقادات مباشرة للرئاسة أو الجيش و/أو من خلال عدم المطالبة بانتخابات جديدة أو إصلاحات جذرية) في الدعوة إلى الحوار بحذر.
لكن في حين أن الجلسة الحالية ستكون واحدة من أقرب الأشياء التي توصلت إليها الحكومة المصرية لحوار سياسي حقيقي منذ سنوات، فإن لوجستيات الحدث وشكله يسلطان الضوء على سيطرة السيسي القوية الآن على النظام السياسي في البلاد، بحسب “ستراتفور”.
ويشير التقرير إلى أن تلك السيطرة ترجمت في فحص أمني دقيق للحضور في تلك الجلسات، لضمان مشاركة المؤيدين الصريحين للحكومة وجماعات المعارضة السياسية غير المثيرة للجدل في القمة، وبالتزامن استبعاد كافة من ينتمون أو يتعاطفون مع الإسلاميين أو حركة الإخوان المسلمين.
ويرى التقرير أن استبعاد المجموعات الرئيسية في المجتمع المصري، جنبًا إلى جنب مع الضوابط الصارمة المذكورة أعلاه على ما يمكن مناقشته، تسببت في الحد من الطبيعة التمثيلية للاجتماع وتنوع الأفكار التي قد تولدها اللجان الفرعية، ما يجعله إلى حد كبير “حوارًا وطنيًا” بالاسم فقط.
وبحسب بعض الأحزاب العلمانية المشاركة في الحوار، فإن إطلاق سراح السجناء السياسيين سيكون من أهم نقاط النقاش.
لكن من غير المرجح أن تتم مناقشة هذه القضية بعمق في الحدث الخاضع للسيطرة المشددة، حيث أفادت وسائل الإعلام أن الحكومة المصرية احتجزت سجناء سياسيين جدد في اليوم الذي بدأ فيه الحوار.
وفي 3 مايو، قال متحدث باسم “الحركة المدنية الديمقراطية” – تحالف ليبرالي يضم 12 حزبا معارضا يشارك في الحوار بموافقة الحكومة – إن الاعتقالات خلقت “شكوكا جدية” بشأن التزام القاهرة بالإصلاح.
ويتوقع “ستراتفور”، بدلا من ذلك، أن تؤدي جلسات الحوار فقط إلى تحركات صغيرة لمحاولة إنعاش الاقتصاد المصري الراكد على أمل التخفيف من مخاطر المعارضة المناهضة للحكومة.
ويعتبر التقرير أن تحرك السيسي للإعلان عن الحوار الوطني كان مدفوعاً بالقلق المتزايد من أن الاقتصاد المتدهور في البلاد قد يؤجج رد فعل شعبيا نادرا على حكومته.
وللتخفيف من هذا التهديد، تأمل الحكومة، على الأرجح، أن تسفر القمة عن أفكار ملموسة يمكنها تنفيذها لتحسين حياة المصريين والمساعدة في تهدئة غضبهم.
وبالتالي، من المحتمل أن يكون المشاركون في الحوار قادرين على مناقشة الأفكار الصغيرة ولكن الملموسة حول كيفية دعم القطاع الخاص، وتعزيز ريادة الأعمال، وهيكلية ضرائب جديدة وتحويلات نقدية حكومية للمحتاجين.
لكن التأخيرات العديدة للقمة (التي كان من المفترض أن تعقد في الأصل العام الماضي)، إلى جانب القيود الحكومية المشددة على من يمكنه الحضور والموضوعات التي يمكنهم مناقشتها، تشير أيضًا إلى أن إدارة السيسي تريد منع الحدث من التحول إلى منتدى للغضب العام على الاقتصاد الذي يمكن أن يأتي بنتائج عكسية من خلال النمو إلى مظاهرات جسدية حقيقية والمزيد من المعارضة، بحسب التقرير.
ويرى التقرير أنه من دون وجود متنفس للناس للتعبير عن إحباطهم بشأن القضايا السياسية والاقتصادية الرئيسية، فإن قبضة السيسي القوية على السلطة قد تتعرض للتهديد في نهاية المطاف.
وفي حين أن نظام الحكم من أعلى إلى أسفل في مصر يمكن أن يوفر استمرارية السياسة والقدرة على التنبؤ، فإنه لا يترك مجالًا كبيرًا للمعارضة، وهو أمر ضروري لنظام مرن وقابل للتكيف، وهذا يعرّض نظام السيسي لمخاطر متأصلة في أوقات الشدة من خلال إنشاء قدر ضغط بشكل فعال حيث يمكن أن يتراكم الغضب العام وينفجر في نهاية المطاف، كما رأينا خلال الربيع العربي، يقول التقرير.
وتجادل منظمات المجتمع المدني المصرية وأحزاب المعارضة (مثل تلك الموجودة داخل الحركة الديمقراطية المدنية) بأن نظامًا أكثر ديمقراطية يمكن أن يمتص المشاعر المناهضة للحكومة من خلال وسائل مثل الانتخابات النزيهة والحوار الحقيقي الذي يؤدي، بمرور الوقت، إلى تعديلات في السياسات.