Better late than never مثل إنجليزي شهير يعني أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا، وينطبق ذلك على مجموعة من الشخصيات التي دافعت باستماتة في البداية عما اعتبروه "ثورة شعبية" للإطاحة بأول رئيس مصري منتخب، ثم سرعان ما اكتشفوا رويدا رويدا وحش الانقلاب الذي تستر خلف تلك الحشود الصورية، لينقض بكل شراسة، ليعيد نظام الدولة البوليسية، ويعود معها زوار الفجر الذين ينتهكون الحرمات، ويضربون بأبسط الحقوق الإنسانية عرض الحائط، لتكميم أفواه كل من يقول "لا".
إنها صحوة الضمير الإنساني، التي جعلت البعض يعلن اعتراضه على إقامة نظام جديد على أشلاء آلاف الجثث البشرية، والذين رفضوا أن يدخلوا في زمرة المرددين لعبارة "تسلم الأيادي".
إنه الخوف من ملاقاة الله بيد ملطخة بدماء الشهداء، ورفض الترديد الببغائي لفرمانات وأوامر يصدرها الانقلابيون.
كان انشقاق البرادعي عن الانقلاب مفاجئا للكثيرين، الذين كانوا يظنون المدير العام السابق للوكالة الذرية، أحد الركائز الأساسية لمخطط عزل مرسي قبل أن تتضح الصورة الكاملة، فالبرادعي لم يكن في نظر الانقلابيين إلا سلما يصعدون به درجات أفكاره الليبرالية، لتتوارى خلفها الرغبة في إعادة الدولة العسكرية الأمنية بكامل عنفوانها، لكنه اكتشف الحقيقة المرة، حينما حاولوا إرغامه على الاشتراك معهم في مخطط إبادة جماعية، لأنصار الإخوان، مانحين إياه منصب نائب الرئيس للشؤون الخارجية، آملين أن يستغل علاقاته الدولية المتشعبة في وضع تبريرات للمجزرة.
والمتأمل لتغريدة كتبها البرادعي في السادس من أغسطس أي قبل حوالي أسبوع من مذبحة فض الاعتصام، والتي قال خلالها: "يبدو أن عملي لتجنيب الوطن الانزلاق في دائرة عنف لا تصل إلى الجرائد الحكومية عدا مقالات عن "خطورتي على الشعب والدولة".الطريق أمامنا طويل ووعر"، يستنتج أن رفض البرادعي التعاون مع الانقلابيين في تلك الصفقة الدموية، جعلهم ينقلبون عليه، وتسليط أبواق الصحف الحكومية ووسائل الإعلام، للنيل من الرجل، وإسباغ اتهامات العمالة عليه.
وتبلور موقف البرادعي تماما في نص استقالته عقب الفض الدموي للاعتصام التي جاء فيها: "وكما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعى وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى. ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتى فى النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن- فى رأيى- تجنبه. لقد أصبح من الصعب على أن أستمر فى حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميرى ومواطنى خاصة مع إيمانى بأنه كان يمكن تجنب إراقتها".
وسافر البرادعي إلى النمسا بعدها، وانهالت عليه الاتهامات من كل حدب وصوب، وتم تحريك ضده دعوى تحت مسمى "خيانة الأمانة"، وكأن الأمانة تستوجب التسليم بمذبحة 14 أغسطس، التي وصفتها "هيومان رايتس ووتش" بأنها "أسوأ حادث قتل جماعي غير مشروع في تاريخ مصر المعاصر".
خالد داوود مثال آخر لشخص لا ينتمي البتة للإخوان المسلمين، لكنه رفض التوقيع على صك الدموية والعنف، ورفض لعودة نظام المخلوع، ومحاولات محو مكتسبات ثورة 25 يناير.
ونقلت وكالة أنباء رويترز في تقرير لها بتاريخ 21 أغسطس عن خالد داوود المتحدث السابق باسم جبهة الإنقاذ، والذي استقال اعتراضا على العنف السائد قوله: " أشعر أن الأشخاص التابعين لنظام مبارك عادوا للانتقام من الإخوان المسلمين".
وتابع داوود:"يتضح ذلك من وجود هذا الكم من أنصار مبارك على شاشات التلفاز، إنهم حتى لا يريدون اعتبار 25 يناير ثورة، ويقولون إن 30 يونيو هي الثورة الوحيدة".
واستدلت رويترز على الأجواء الجديدة للحالة السياسية في مصر بالاتهام الموجه إلى الدكتور محمد البرادعي بخيانة الأمانة بعد استقالته من منصبه كنائب الرئيس المكلف للشؤون القانونية احتجاجا على المذابح التي ارتكبت ضد أنصار مرسي.
وأضاف داوود: "لم أذهب بعد إلى المحاكمة، ولكن قد يوجه إلى اتهامات بالخيانة والانشقاق والققز من السفينة، وهو أمر مربك تماما"، رغم أنه استقال احتجاجا على تصاعد حالات الوفيات جراء العنف.
وتابع داوود: "تمرد" انتهت..إنهم يصدرون بيانات تدعو الجيش لفعل المزيد، إنه لأمر محبط لي أن تقوم بعض الأحزاب الليبرالية والقومية، دافعت من قبل عن أهداف حقوق الإنسان والديمقراطية، بابتلاع ذلك فجأة".
رغم أن المحامي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي من أشد منتقدي الإخوان المسلمين، وكان من أكثر المناوئين لحكم الرئيس مرسي، وشارك في تظاهرات 30 يونيو، لكن هاله وصدمه مشهد فض الاعتصام، ففي إحدى جلسات ترافعه فى قضية مقتل جابر صلاح "جيكا" عضو حركة شباب 6 أبريل، الذى قتل فى أحداث محمد محمود خلال شهر نوفمبر من عام 2012 قال المحامي خالد علي إن مذبحة بشعة وقعت في رابعة، متعهدا أن يدافع عن حقوق شهداء الثورة وشهداء الإخوان وأنه لن يفرق بين الدماء، ولاقت مرافعة خالد على ترحيب الحضور، واشتعلت القاعة بالتصفيق الحار لعلى.
رابط الفيديو http://www.youtube.com/watch?v=-DTiQe89xWE
رغم مجاهرة عمرو حمزاوي بمعارضته الكاملة للإخوان المسلمين، ومناهضته الواضحة للرئيس مرسي، ومهاجمته الدائمة له على فضائية "سي بي سي" في الفترات التي سبقت الانقلاب، إلا أن رئيس حزب مصر الحرية أعلن رفضه للفض الدموي لاعتصام مؤيدي الرئيس، وطالب في حوار مع فضائية النهار، بإجراء تحقيق حول المخالفات التي حدثت في فض اعتصامي رابعة العدوية، والنهضة، لسقوط عدد كبير من القتلى.
وتسبب شجبه للدماء في فتح أبواب جهنم عليه، واتهامات بالعمالة، والعمل كطابور خامس.
على الرغم من الخلافات الشديدة بين الرئيس مرسي ومستشاره السابق خالد علم الدين،ورغم انتمائه لحزب النور السلفي المشارك في انقلاب 3 يوليو، لكن ذلك لم يثنه عن وصف ما حدث في رابعة بالعمل الإجرامي الذي لم يراع الإنسانية.
ونقلت صحيفة الشروق عن علم الدين قوله ، إن تعامل قوات المسلحة وقوات الأمن مع فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة كان إجراميا، ولم يراعِ إنسانية المعتصمين.
كان الشاعر عبد الرحمن يوسف مساندا لتظاهرات 30 يونيو، ويرى عيوبا كثيرة في مؤسسة الإخوان، لكنه انقلب على دموية الانقلاب، وكتب في مقال له بصحيفة اليوم السابع تحت عنوان "أوهام اللحظة الحلوة": "العنف لن يحل أي مشكلة سياسية، وأن إطلاق النار على المتظاهرين لم يكن عملا حكيما، بل كان جريمة متكاملة الأركان، وهى جريمة لا داعي لها، ولا دافع لها سوى شهوة الدم والانتقام، فقد كان بالإمكان فض هذا الاعتصام بمسار سلمى آخر، ودون أن تراق قطرة دم واحدة، ولهذا استقال الدكتور محمد البرادعي. البعض يحاول التشكيك في هذا الأمر، وأنا أؤكد وأكرر أن فض الميدانين كان على وشك أن يتم بدون قطرة دم واحدة، وبدون توريط لوزارة الداخلية، ولجيشنا العظيم في هذا العمل المشين، هذا العمل الذى لا يمكن وصفه بالبطولة، إذا لا بطولة في أن يقتل أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض، ولا بطولة في حل مشكلة سياسية بالبنادق والمدرعات.