شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الذين في السلوم … و الذين في القاهرة – محمد منتصر

الذين في السلوم … و الذين في القاهرة – محمد منتصر
  لم أسمع صوته منذ فترة طويلة .. نتيجة لطبيعة عمله في القوات المسلحة - من صغار الضباط هو - لا ينزل أجازة إلا على فترات...
 
لم أسمع صوته منذ فترة طويلة .. نتيجة لطبيعة عمله في القوات المسلحة – من صغار الضباط هو – لا ينزل أجازة إلا على فترات متباعدة و تكفي الأجازة بالكاد لأسرته الصغيرة و إرتباطاته العائلية . كنت حاولت الإتصال به عدة مرات و لكن لم .أستطع الوصول إليه و لكن هذه المرة سمعت الرنين . …
-كيف حالك يا رجل , أوحشتني كثيرا .. أين أنت الآن ؟ هكذا بادرته فهو صديق عمري
. أجاب .. بخير و الحمد لله أنا في السلوم و أنت كيف حالك ؟-
بخير و الحمد لله .. متى أراك ؟-
.. أجاب برنة إحباط مغضبة .. و الله لا أدري- .
قلت .. لا تدري !! لقد قابلت أخاك منذ ثلاثة أسابيع قدرا في الشارع و سألته عنك فقال أنك مازلت " في الشغل- "
..منذ متى و أنت هناك –
قال يكفي أن تعلم أنه منذ قبل رمضان بفترة لم آخذ أجازة سوى ثلاث أيام و لولا ان زوجتي وضعت- مولودا حينها ما أخذتها!!! هنأته .. ثم واسيته .. و قلت لقد كنت أظن أن أطول فترة دون أجازة في الجيش و خصوصا للضباط هي شهر .
قال ساخرا دعك مما تظن يا رجل ! . مازحته قائلا يبدو أنك من المغضوب عليهم في الجيش ؟ قال جادا و إن كان .. المهم ألا نغضب الله عز و جل .
مازحته بأخرى .. ربما لو كنت تعلم هذا المصير ما فكرت بالإلتحاق بالحربية ..
قال لا و الله حتى فترة قصيرة كنت فخورا و سعيدا بما أفعل أما الآن … الله المستعان . لا تنس أن تتصل بي عندما تنزل القاهرة .. السلام عليكم .. هكذا أنهيت الحديث .
 
أعرفه جيدا .. هو بالتأكيد معارض للإنقلاب رغم أني لم أتحدث معه منذ حدث و لكني أشعر بمعاناته لأنه صار جزءا من لعبة الجيش القذرة رغما عنه . لا أدري لماذا تحركت نظرية المؤامرة داخلي و فكرت أنه ربما يكون إبعاده الطويل هذا هو بسبب موقفه من الإنقلاب الذي لم يصمت عنه و أنه ربما كل من هم في ظروفه لهم نفس موقفه . بينما من هم في القاهرة الذين يواجهون الناس يجب ان يكونوا مؤيدين للسيسي و إنقلابه .
 
صديقي و أمثاله هم سبب الإشكالية التي تمثلها القوات المسلحة حاليا في المصر . فعبيد البيادة الذين يبالغون في سب كل من ينتقد الجيش و تدخله في الحياة السياسية الذي إتخذ أكثر الصور وقاحة بالإنقلاب على الرئيس المنتخب و إراقة كل هذه الدماء , لا يستوعبون أن ينتقد من يقدم كل التضحيات التي يقدمها أمثال من هم في السلوم . تراهم يصرخون في وجهك لم لا تذهب أنت لحراسة الحدود إذا لم يكن يعجبك جيش " بلادي " ؟!! لكن السؤال هل مشكلتنا الآن مع الذين في السلوم .. ؟
 
لا بل هي مع آخرين .. يسكنون القاهرة و يعملون في القاهرة .. لا يعرفون التضحيات و إنما ينعمون بالإمتيازات , و هم يوظفون الذين في السلوم للحفاظ على هذه الإمتيازات . الذين في القاهرة كان يجب أن يزيحوا السلطة المدنية التي أرادت مراقبة أمورهم المالية , و إقتصادهم الخاص . كم يأخذ اللواء الفلاني من دخل مزرعة الدواجن تلك ؟ و ما نصيب اللواء الآخر من دخل محطة الوقود التابعة للقوات المسلحة ؟ أسئلة كثيرة كانت قد بدأت تثور بين الناس ولم يعرف أحد إجابتها .. حتى الذين في السلوم .. و لكنهم كانوا جزءا مهما رغما عنهم من عملية الحفاظ على هذه الأسئلة بلا إجابة . لا يسأل أحد لماذا في الجيش .. الكل ينفذ الأوامر و يضحي لتنفيذها … بينما تظل جدوى التعليمات حبيسة الدائرة التي أعطتها من سكان القاهرة . و في حالتنا لم تكن هذه الأوامر للحفاظ على المصالح الشخصية لهذه الدائرة و حسب و إنما أظهرت الأحداث الأخيرة في سيناء أنها للحفاظ على امن إسرائيل كذلك من أي تهديد حاضر أو محتمل .
 
نحن لا نحمل على جيش الذين في السلوم .. لا نكره صديقي و أمثاله الذين يضحون بالفعل بمعظم أعمارهم للحفاظ على أمننا القومي .. إن معركتنا و معركتهم هي ضد قيادات فاسدة لم تخض حربا وطنية في تاريخها و لم تعرف إلا كامب ديفيد . قيادات أهم مؤهلاتها التي أوصلتها لمواقعها هي رضى مبارك و نظامه عنهم , قيادات تريد الحفاظ على فسادها حتى الرمق الأخير من آخر جندي مصري . إنها معركة الشرفاء داخل الجيش و خارجه مع الفاسدين العملاء داخل الجيش و خارجه . إن تضحيات كل شريف داخل القوات المسلحة فوق رؤوسنا و الله عز و جل يجزيهم عن مصر خيرا . و لكن يجب على المصريين التفريق بين تقدير العسكريين باعتبارهم أصحاب مهنة تتطلب قدر عالي من التضحية و بين أن تكون مؤهلات من يحكمنا هي الزي العسكري و حمل السلاح . فهذا الأمر يحول التقدير إلى ذل و عبودية و هو ما لا يقبله مصري حر . إننا ننتظر اليوم الذي يطيح فيه الذين في السلوم بالفاسدين من الذين في القاهرة حتى تعود المؤسسة العسكرية إلى مكانتها الطبيعية عندنا


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023