شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المستقبل الآن ـ أيمن الصياد

المستقبل الآن  ـ أيمن الصياد
لست من الذين يحبون تلك المناسبات، أو يجيدون الاحتفاء بها. إذ أُدركُ أن الأيام تمر والسنون، وكلنا فى النهاية ذاهبون، ولا يبقى من...
لست من الذين يحبون تلك المناسبات، أو يجيدون الاحتفاء بها. إذ أُدركُ أن الأيام تمر والسنون، وكلنا فى النهاية ذاهبون، ولا يبقى من كل منا من أثرٍ غير ما عمل أو قال أو ــ بحكم المهنة ــ «ما كتب»… . محمد حسنين هيكل فى التسعين. بقدر ما أحدث أثرا، بقدر ما اختلف حوله الناس، فتلك سنة الحياة وقانون الطبيعة. وذلك قَدَر الرجل، أو بالأحرى «قَدْر الكلمة». 
وسواء اتفقت معه أو اختلفت، فللرجل مع الكلمة باعًا، وتاريخًا .. «وأثرًا»، ستون كتابا (أو هذا ما أمكننى حصره)، ومقالات لا حصر لها، وحوارات ولقاءات ووقائع «تحقيق أمام المدعى الاشتراكى».
فى المناسبة، وإذ نتعثر على أبواب مستقبل كان قد بدا أننا فتحناها فى يناير ٢٠١١، قبل أن تغيم الرؤى ويضيق الأفق، فضلت أن أزور «ما كتب»، فتذكرت مقالا له، أو بالأحرى «محاضرة» مبكرة (الجامعة الأمريكية بالقاهرة ــ أكتوبر ٢٠٠٢) كان عنوانها «المستقبل الآن»، وتذكرت أنها ربما لم تكن فقط «الكلمة» الأولى التى تُنَبه مبكرا الى خطورة مشروع التوريث الذى كان، بل لعلها قدمت، ومبكرًا أيضًا إطارا «فكريًا» وضروريًا لفهم حركة التاريخ «والشرعية» فى بلادنا. وكيف أن قصورا فى فهم، أو بالأحرى مواكبة هذا التطور الذى حكى عنه عالم الاجتماع الأشهر ماكس فيبر، أو «الاكتفاء بمظهره دون جوهره» كان سببا مباشرا فى انهيار نظام مبارك وحزبه، ومن بعده مرسى وجماعته، رغم اختلاف الألوان والمشاهد والظلال؛ حنكة وحمقًا، غرورا ومراوغة. بل لعلى لا أبالغ إن قلت أن قصورًا «نخشاه» فى فهم حتمية التطور تلك ربما يحكم أيضا نهاية نظام يتشكل الآن، إن لم يع الدرس ويستلهم العبر.
•••
أدرك أن من الاجتراء الإقدام على محاولة تلخيص محاضرة طالت لساعتين فى هذه المساحة المحدودة، ولكنى أحسب أن «الأستاذ» سيأذن لى فى أن أستدعى هنا بعضًا مما انتهى اليه فى «محاضرته»، مدركًا ومعى القارئ الكريم أن هذا كان قبل أحد عشر عاما كاملة: 
فى الغد أحدُ احتمالين: إما صورة تتكرر بها الصور على نحو ما، أو انه، إذا صدق الوعد والعهد، باب مفتوح لتطور صحى تستقيم به الأمور وتستقر الحقوق …  وفى محصلة ذلك ومغزاه ان مصر الآن ــ وليس غدا، فى حاجة الى رؤية للهوية أمينة، والى سند فى المرجعية أصيل، والى شرعية تؤسس لزمن، يستحيل قبوله امتدادا متكررا لشرعية الرجل الواحد، أو لدعاوى حزب مهما اعتبر نفسه ديمقراطيا.
ومن المحقق ان الوقت حان وزيادة، للانتقال الى الدرجة الأعلى فى مراحل الشرعية «الحقيقية». لأن مصر بكل ما حققت، تجاوزت، وينبغى لها أن تتجاوز، مرحلة الشرعية الأبوية التقليدية (وفق مقولة فيبر). ثم انها اجتازت كذلك شرعية مرحلة الانتقال وفيها دور الرجل الواحد.
محاضرة هيكل تلك (أكتوبر ٢٠٠٢)، والتى أحسب أن فى العودة اليها الآن تحديدًا ما يفيد. تستعرض ما كان من تاريخ هذا الوطن، وتخلص الى نتيجة مؤداها أن الخمسين سنة (١٩٥٢ــ٢٠٠٢) لم تكن هوية واحدة أو مرجعية واحدة، أو شرعية واحدة، وانما كانت عددا من التجارب أعطت كلا منها ما عندها بقدر ما استطاعت فى حدود تفسيرها للتاريخ وللعصر. وبقدر ما تستدعيه «مطالب ثورة، أو حتمية حرب، أو مفاجأة اغتيال».
ثم منبها يومها الى «تحديات زمان جديد لا تحتمل إستراتيجية الانتظار وسياسة التأجيل»، يأخذنا هيكل عبر محاضرته الى عدد من الملحوظات:
    • ‫أن مجرد التواجد فى الحكم ليس كافيا فى حد ذاته لاضفاء الشرعية على أى تنظيم أو نظام.
    • ‫أن مصر بلد يختلف عن غيره من البلدان، فلا هو وطن طائفة أو قبيلة أو عشيرة أو عائلة مهما ألحت عليها فكرة توريث السلطة لسبب أو لآخر. 
    • ‫أن المطلوب ليس نقلة من رجل إلى رجل وإنما من عصر إلى عصر ــ أى من شرعية تستوجبها الظروف إلى شرعية يتطلبها المستقبل. وبالتالى: من الفرد الى المجموع، ومن الحاكم إلى الدستور ومن الصورة إلى القانون.
    • ‫أنه لا مكان للارتجال. فالارتجال ثغرة ينفذ منها المجهول فى زمن لا يتحمل الثغرات، ولا ينتظر المصادفات ولا يقبل مناورة تؤخر جواب كل سؤال إلى الدقيقة الأخيرة من الساعة الأخيرة، ثم تضيع الفرص ومعها حق الاختيار. 
    • ‫أن المشاركة فى حوار، والتوصل «جماعة» الى قرار، هو القضية الأعظم التى تستحق أن نقصد إليها ونلتقى حولها ..  مسَلمين انها قضية لا يحق لأحد، حكما أو حزبا، أن يدعى فيها بوصاية أو باحتكار. خاصة أن أوضاع الاقليم وأوضاع العالم تواجه مصر بما لم يعد فى مقدورها تأجيله أو تحويل النظر عنه أو الادعاء فى شأنه سواء أمام النفس أو الناس. 
•••
هذه سطور من محاضرة يعود تاريخها الى أحد عشر عاما مضت. وإن كان علينا طبعا، للأمانة التاريخية أن نقرأها فى سياقها، إلا أن «من الكلام ما يبقى»، رغم حرق الكتب «والمكتبة» وثقافة التحريض على كراهية كل «رأى» آخر.
ولعل فيما ختم به «الأستاذ» يومها محاضرته بعضًا من هذا الكلام:
   • ‫من فضلكم لا تبخلوا على القلوب والعقول بفرصة يتفتح فيها الأمل يجدد عزما ويولد طاقة فعل.
   • ‫من فضلكم لا يعرقل أحدٌ أو يعطل بما يكلف غاليا وعزيزا.
   • من فضلكم دعوا المستقبل يتحرك بحرية، ودعوا المستقبل يمر بأمان،
   • ‫ودعوا المستقبل يبدأ الآن قبل أن يفوت الأوان. 
•••
وبعد ..
فلعلى حاولت هنا أن أهرب الى دفء منطقٍ فى سطور فى كتاب فى مكتبة، بعد إحباط مقال نبيلٍ للأديب «المؤدب» محمد المخزنجى (الشروق: ١٩ سبتمبر ٢٠١٣) كان أن أصابتنى عدواه جراء ما غاب عن المنطق فى ردود فعل صادمة «ومتجاوزة» على ما اجتهدت به هنا فى «البحث عن المشترك» (الشروق: ١ و١٥ سبتمبر ٢٠١٣ ) وهى ردود فعل للأسف لم يسلم من «تدنيها» مقال أ. فهمى هويدى «…  لأجل الوطن» (الشروق: ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣) ولا دعوة رفيقهم لمدة ٢٢ عاما فى مكتب الإرشاد د. عبدالمنعم أبوالفتوح (الشروق: ٢٦ سبتمبر ٢٠١٣). كما لم تسلم منها زيارة رموز من الجماعة «لمكتب» الأستاذ قبل عشرة أيام.
ولله فى خلقه شئون. وهو «وحده» يهدى السبيل.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023