هو ليس القانون القمعي الأول الذي تصدره سلطات الانقلاب التي لطالما أكدت لنا يوما بعد يوم أن القمع لن ينتهي إلا بزوال السلطة الحالية، فكان أبرز قانون قمعي أصدرته سلطة الانقلاب هو قانون التظاهر، الذي يعطي للشرطة سلطة فض التظاهرات بالقمع، وثاليها قانون للتأكيد على المحاكمات العسكرية للمدنيين.
إلا أن سلطة الانقلاب لم يكفيها هذا فضمت تهما معدة سلفا للجهات المعارضة، وهي تهم الإرهاب، وكان آخر ما تم إعلانه، وربما ليس آخرها في ظل الانقلاب وحكومته، هو عودة الحرس الجامعي للجامعات المصرية، وهو القرار الذي أشعل غضب الطلاب بالجامعات، وبعض الحركات الشبابية فضلا عن سخط أساتذة الجامعات.
"ثكنات عسكرية"
أصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكما يقضي بعودة الحرس الجامعي، وهو ما سيحول الجامعات – حسبما صرح الكثير من أعضاء الاتحادات الطلابية – لثكنات عسكرية.
وأكدت الحركات الطلابية حسبما نقلت بوابة الأهرام أن القرار يخل بالاستقرار، والنظام العام بالجامعات، واعتزامهم تنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات مع بداية الفصل الدراسي الثاني إلى جانب الطعن على هذا القرار قضائيا، يأتي ذلك في الوقت الذي يبحث فيه المجلس الأعلى للجامعات اليوم الاستعدادات النهائية لبدء الفصل الدراسي الثاني، وعودة الحرس الجامعي.
وقال عمرو خطاب ـ مسئول حركة مصر القوية في جامعة عين شمس ـ إن قرار محكمة الأمور المستعجلة بعودة الحرس يخل بمبدأ استقرار الجامعات خاصة أن هناك حالة من الاحتقان بين المجتمع الطلابي، وبين قوات الشرطة، وقرار عودة الحرس؛ سيزيد من حدة هذا الاحتقان، والفوضى لدرجة قد تستدعي إلغاء الفصل الدراسي الثاني.
وأضاف أن المواجهة ستكون مباشرة بين الطلاب وبين قوات الشرطة ومختلف الحركات الطلابية، والاتحادات ستطعن على هذا الحكم، وستشكل ضغطاً على الحكومة من خلال الوقفات الاحتجاجية، والمسيرات التي تطالب بخروج الحرس من الحرم الجامعي.
"الجامعات ستتحول لساحات قتال"
وقال أحمد سعيد ـ منسق حركة 6 أبريل بجامعة عين شمس ـ إن عودة حرس الداخلية سيحول الجامعات إلى ساحات قتال، وما شهدته الجامعات من شغب، وعنف خلال الفصل الدراسي الأول سيتكرر مرة ثانية.
وقال أحمد أبو صياد رئيس اتحاد طلاب المنوفية إن الحركات الطلابية؛ هي أول ما ساهم في إبعاد الحرس الجامعي لأن إعادة قوات الداخلية لتأمين الجامعات ستعمل على تفجير مزيد من العنف، والفوضى بسبب حالة العداء الموجودة بين الطلاب والشرطة.
ومن ناحية أخرى أعلن طلاب حركة ثوار هندسة القاهرة تنظيمهم وقفة احتجاجية يوم الأحد القادم ضد رجوع الحرس الجامعي، مطالبين كل الطلاب بجامعة القاهرة بالمشاركة في الوقفة لرفض وجود قوات الشرطة داخل الجامعات مرة أخرى.
"الحكم باطل"
صرح الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة، إن الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة بعودة الحرس الجامعي "باطل لعدم اختصاص المحكمة".
وأضاف «كبيش» في تصريحات صحفية: "رغم أنني من المطالبين بعودة الحرس الجامعي لضبط الأمن داخل الجامعات، لكن الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة باطل لعدم اختصاصها".
وأوضح: "محكمة الأمور المستعجلة تنظر في المسائل المدنية المستعجلة فقط، فهي ليست كشكولا تصدر الأحكام في أي قضية".
وعن قيمة الحكم وتنفيذه، قال «كبيش»: "الحكم واجب النفاذ إلى أن يتم إلغاؤه بالطرق القانونية".
وهو ما أكده أيضا الدكتور عماد الفقي أستاذ القانون الجنائي إن الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة لن يُنفذ لأنه يتعارض مع حكم آخر صادر من محكمة أعلى، وهي الإدارية العليا التي قضت بعدم قانونية عودة الحرس الجامعي، وبالتالي لا يجوز قانوناً أن يهدر حكم الأمور المستعجلة حجية الحكم القضائي النهائي الصادر من القضاء الإداري.
وقال المستشار رفعت السيد ـ رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق ـ إن محكمة الأمور المستعجلة تصدر أحكامها طبقاً لظاهر الأوراق، وبحسب الضرورة، والسرعة، وتترك لمحكمة الموضوع فحص أوراق القضية، لافتاً إلى أن قانون المرافعات نص على منح محكمة الأمور المستعجلة سرعة إصدار الأحكام إذا كان أمن البلاد يتعرض لخطر داهم، أو إذا كانت تنظر جرائم تمثل اعتداء على الأموال أو الأشخاص، ولا يمكن تداولها بالظروف العادية، وتحتاج إلى الاستعجال في إصدار الحكم.
"بنزين بجوار نار"
هم المعنيون بالقرار والمتضررون منه، فقد هاجم طلاب الجبهة السلفية في جامعة الأزهر، حكم عودة الحرس الجامعي، مؤكدين أنه لن ينفذ في جامعات مصر.
وقال بيان لطلاب الجبهة السلفية، إنه بعد الثورة الذي صنعها الطلاب بأيديهم، صدر حكم بعودة الحرس الجامعي، مشيرين إلى أنه لو نفذ القرار في جامعات مصر، فجامعة الأزهر لن تكون في هذه القائمة، مشددين على عدم خيانة دماء الشهداء، والتخلي عن حقوق المقبوض عليهم.
كما استنكر لطفي السيد، مسئول طلاب 6 أبريل الجبهة الديمقراطية، قرار عودة الحرس الجامعي، قائلا: "ليس هناك نية للسماح بعودة للحرس الجامعي، وإن عاد سنناضل من أجل إخراجه مرة أخرى، لأنه حتى وإن عاد فسيذهب مرة أخرى ولكن هذه المرة لا أحد يعلم إلى أين".
وأضاف السيد، في تصريحات صحفية، أن مجلس الدولة أعلى محكمة للقضاء الإداري في مصر، أصدر حكما قبل الثورة بخروج الحرس الشرطي من الجامعات.
وأشار إسلام الجوهري، رئيس اتحاد طلاب إعلام القاهرة، في تصريحات صحفية، إلى أن الجامعات ليست في حاجة إلى عودة الحرس الجامعي، وأن الأمن الإداري يتعافى وقادر على أداء دوره، واصفًا عودة الحرس الجامعي "بوضع البنزين بجوار النار"، قائلًا: "اتحاد الطلبة ضد أي عنف تجاه الطلبة".
كما استنكر إسلام فوزي رئيس اتحاد طلاب جامعة حلوان مساء اليوم، الحكم موضحا في تصريحات صحفية أنه يتمنى أن يقوم المسئولون وخاصة وزير الداخلية بدراسة الأمر جيداً وعدم إقحام الأمن مرة أخرى في عداوة مع الطلاب، مؤكداً أن الاتحاد سيطعن على الحكم خلال الأيام المقبلة.
"القرار سيشعل حدة التظاهرات"
استنكر الدكتور محمد الطوخي، نائب رئيس جامعة عين شمس، قرار عودة الحرس الجامعي للجامعات، مشيرا إلي أن هذا الأمر سيزيد الأوضاع سوءاً داخل الجامعات، ويشعل من حدة التظاهرات الطلابية، ضد القرار.
وتابع الطوخي، ''نحن جهة منفذة وليست مقررة، وأن الجامعة ستنفذ قرار المحكمة والمجلس الأعلى للجامعات بشأن عودة الحرس الجامعي''.
آلية التنفيذ
أما عن آلية التنفيذ، فقد أكد الدكتور أشرف حاتم، أمين المجلس الأعلى للجامعات، أنه لن يتم الحديث عن آلية تنفيذ الحكم القضائي بعودة الحرس الجامعي للجامعات قبل دراسة الصيغة التنفيذية للحكم من قبل رؤساء الجامعات، والأساتذة في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات يوم الخميس القادم.
ومن جهته، قال الدكتور يحي القزاز، العضو المؤسس في حركة "9 مارس" لاستقلال الجامعات: "هذا الحكم لا يمكن تطبيقه، ومن السهل جدا الطعن فيه استنادا إلى صدور حكم قضائي أعلى ونهائي من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحرس الجامعي، مضيفا: "لكن من الوارد أن المسؤولين في الجامعات المصرية في هذه المرحلة سيستغلون هذا الحكم، ويحاولون تنفيذه بأي شكل تحت ستار عنف الإخوان في الجامعات".
فمتي سيتوقف الانقلاب عن إصدار قوانين تؤجج الغضب والعنف، وتعيد مصر للقمع وكبت الحريات تحت ستار ما يسمونه بالإرهاب؟