"تشويه للهوية المصرية".. "تغييب للهوية الإسلامية".. بهذه الكلمات وصف خبراء اجتماع وسياسيون وتربويون ما يقوم به الانقلاب العسكري في مصر منذ 3 يوليو تماما، معتبرين أنه استخدم في سبيل تحقيق ذلك 10 وسائل لمحو ما يعترضه ويقف حائلا دون أطماعه من صفات متجذرة في الهوية المصرية الإسلامية.
وتنوعت الوسائل التي استخدمها الانقلاب بدءا من تغيير الدستور وتعديل المناهج التعليمية وإغلاق القنوات الإسلامية وسجن العلماء والدعاة، وارتكاب مجازر وتهوين سفك الدماء في نفوس الشعب، وتغييب دور الأزهر.. وغيرها من الوسائل التي يجمعها هذا التقرير:
كانت البداية بإعلان قائد الانقلاب العسكري في بيان الانقلاب يوم 3 يوليو من العام الماضي، إيقاف العمل بالدستور المُستفتى عليه من قبل الشعب المصري، وعلى إثرها عين لجنة مكونة من خمسين فردًا، قاموا بتغيير مواد الهوية الإسلامية.
ومن أبرز المواد التي حذفت المادة "219" المفسرة للمادة الثانية، والتي اعتبر الخبراء أن حذفها جاء ليفرغ المادة الثانية من مضمونها مؤكدين أن إسناد مهمة التفسير للمحكمة الدستورية دون ضوابط واضحة يمثل طمسًا متعمدًا للمرجعية الدينية، فضلًا عن إخضاع تطبيق الشريعة للأهواء الخاصة.
وكذلك تم حذف المادة "44" والتي تحظر الإساءة إلى الأنبياء عامة، فضلًا عن إقرار مادة الحرية المطلقة للاعتقاد دون اعتبار لهوية الدولة الإسلامية، هذا بخلاف المادة المتعلقة باحترام المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان والتي تفتح الباب على مصراعيه أمام الثقافات التغريبية التي تهدد الهوية العربية والإسلامية للدولة المصرية.
تزامنا مع إلقاء بيان الانقلاب، قامت قوات أمن الانقلاب، باقتحام القنوات الإسلامية، وقطع البث عنها، وسودت شاشاتها دونما حكم قضائي ضد أي منها، ولم تسمح لأي من هذه القنوات بالعودة إلى العمل منذ ذلك الحين وحتى الآن.
ومن أبرز القنوات التي أغلقت حينها: "الرحمة والحكمة والناس والحافظ والخليجية، ومصر 25"، إضافة إلى اعتقال كل المتواجدين بها.
الدعاة وعلماء الشريعة لم يكونوا أوفر حظا من منابرهم الإعلامية عقب الانقلاب، فكما أظلمت شاشات الفضائيات، ألقي عدد غير قليل من الدعاة في ظلمات السجون بتهم متعددة؛ فهذا داعية يتهم بتزوير جنسية، وآخر يتهم بالتحريض على مقاطعة استفتاء، وثالث بحيازة منشورات..
ولم يتوان الانقلاب عن مطاردة الدعاة، ممن يسيرون على مناهضتهم، والإلقاء بهم في سجون الانقلاب، وبعد فض اعتصام رابعة، بدأت قوات الانقلاب بإلقاء القبض على العديد من الدعاة الذين تواجدوا بالاعتصام، بالإضافة إلى استهداف الأئمة والخطباء الذين كانوا يشاركون في المسيرات بزيهم الأزهري بالاعتقال والمطاردة.
بعد أن شكلت الجامعة صداعًا في رأس سلطات الانقلاب، قامت بالعديد من الإجراءات التعسفية، ضد طلابٍ لا يتجاوز سنهم العقد الثاني، من قتلٍ واعتقالات وفصل وإصابات.
ووصلت أعداد الطلاب المحالين إلى مجالس التأديب أو التحقيق الإداري في الجامعات أمام إدارات موالية للانقلاب 1052 طالباً، وفُصل 611 طالباً، كما مُنع 10 طلاب آخرين من المشاركة في الامتحانات.
وأسفرت الاشتباكات الأمنية مع الطلاب المحتجين، عن القبض على 1326 طالبًا، إضافة إلى 37 أستاذاً جامعياً ومعلماً مدرسياً، حسب تقرير "مؤشر الديمقراطية – المركز التنموي الدولي"، في دراسة عن الحراك الطلابي في الفصل الدراسي الأول.
ومن المعروف أن الجامعة هي المنبر الفكري الذي يتلقى فيه الطلاب العلم والفكر والهوية.
حذفت وزارة التربية والتعليم في حكومة الانقلاب، اسم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من الدرس الأول بالوحدة الأولى من منهج اللغة العربية للصف الثاني الابتدائي واكتفت بذكر كلمة "الأمير".
وتغاضت عن ذكر أسماء البطلين الحقيقيين لقصة "شجاعة طفل" التي جرت بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير، عندما رأى الأطفال عمر قادما في الطريق فهربوا جميعا إلا طفل واحد، وهو عبد الله بن الزبير، وهي الرواية التي وضعتها وزارة تعليم الانقلاب بنص مجهول.
كما تم أيضًا "تم تعديل مسمى كفار قريش في المناهج ليصبح زعماء المعارضة".
انحدر المنحنى الأخلاقي بقمة الهاوية في السينما المصرية بعد الانقلاب، حيث لم يصبح الإثارة مجرد راقصة وفرح شعبي، بل أصبحت تتناول قضايا لم يكن يعرفها الشعب المصري، من شذوذ وإلحاد وسادية واستخدام سيء للأطفال.
ورغم أن مجالس المرأة والأمومة والطفولة وغيرها من جمعيات حقوقية موالية للانقلاب العسكري ملأت الدنيا ضجيجا بسبب مشاركة أطفال لذويهم في اعتصام رابعة، فإن أيا منهم لم يتناول الاستغلال الجنسي وظهور أطفال في عمر الإعدادية في أفلام بها مشاهد فاضحة، وتحتوي لقطات لا ينبغي للأطفال مشاهدتها فضلا عن المشاركة فيها.
إذا كان التغييب هو حال الدعاة والعلماء ومنابرهم الإعلامية السابقة، فإن المؤسسة الدينية الرسمية كانت أسوأ حظا، فقد دفع الانقلاب العسكري بثلة من المشايخ الرسميين ليجملوا مواقفه، بينما تم تغييب بقية علماء الأزهر عن المشهد، وهو ما أجج الغضب في نفوس طلاب الجامعة التي فقدت من أبنائها شهداء ومعتقلين واقتحمت ساحاتها وباحاتها مرارا، وخيمت قنابل الغاز على سمائها، وتناثرت قطرات دم الطلاب في أرجائها.
ولم يتوقف التجميل الرسمي على حضور شيخ الأزهر بيان الانقلاب العسكري، فقد ظهر المفتي السابق علي جمعة مبيحا لقتل المتظاهرين، وصعد أحد المشايخ الذين تفتح لهم أبواب فضائيات الانقلاب ليصف عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم (وزيرا الدفاع والداخلية) بأنهما من رسل الله كـ"موسى وهارون"، ناهيك عن فصل الطلاب والأساتذة الذين لم يرضوا عن ممارسات الانقلاب العسكري.
من أهم أساليب الدعوة منابر الخطابة، التي يُلقي فيها الإمام الوعظ على المصلين، ويفقهم في الدين، في حين قامت وزارة أوقاف الانقلاب، بتوحيد الخطب وتحديدها على هوائها؛ لتنشر ما تشاء وتمنع ما تريد، ولم يقف هذا الأمر عند هذا الحد بل قامت أيضًا بإغلاق المساجد عقب كل صلاة زاعمةً أنها تحافظ على الأمن العام.
لم ينتظر الانقلاب العسكري طويلا حتى اختار سبيل الحجب والإغلاق لكل صوت إعلامي معارض لسياساته وممارساته، فاعتقل صحفيي المواقع والفضائيات والصحف المعروف عنها معارضته، وسقط صحفيون ومراسلون ومصورون شهداء في مذابح رابعة العدوية والنهضة والمنصة والحرس الجمهوري بينهم مصور جريدة "الحرية والعدالة" ومراسل قناة "مصر 25" ومراسلة "جلف نيوز" وغيرهم.
كما حكم بالسجن على صحفيي رصد، واعتقل صحفيي قناة الجزيرة، وقتل تامر عبد الرؤوف مدير مكتب الأهرام في واقعة مريبة، أغلق مكاتب الجزيرة والجزيرة مباشر مصر بالقاهرة، بالإضافة إلى تسويد شاشات القنوات الإسلامية جميعا.
وفي المقابل تركت الصحف والقنوات الموالية للانقلاب مفتوحة مصراعيها خاصة لأولئك الأكثر تطرفا في أسلوب التعامل مع المعارضين والثوار، فالتهبت الوسائل الإعلامية بعبارات التحريض والمباركة للقتل وسفك الدماء، وتملقوا قيادات الانقلاب، ووصف الإعلاميون أنفسهم تلك الممارسات بأنها تعيد صناعة الفرعون.
قام الانقلاب العسكري الدموي بمجازر غير مسبوقة، ضد مناهضيه في العديد من الأحداث من حرس جمهوري ومنصة وفض اعتصامات وأحداث رمسيس و6 أكتوبر، ناهيك عن عشرات الشهداء على مدار الأسبوع، وانطلقت الوسائل الإعلامية المؤيدة لتلك المذابح لتبرر القتل والدماء وتصف المعارضين بالإرهابيين، وهو أحد التشويهات الأخطر في الهوية المصرية، حيث أخرجت مصريين لا يأبهون بسفك الدماء وقتل الأبرياء.
بالإضافة إلى أن هذه المجازر التي أودت بحياة الآلاف من الشهداء، حتى يتم إرهاب كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه الانقلاب، قد صنعت ما وصفه سياسيون بارزون بـ"جمهورية الخوف" معيدة عصور الدولة البوليسية القمعية إلى أذهان الشعب.