شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

للسيسي أتحدث.. شيء من الخوف.. شئ من العقل – أيمن نور

للسيسي أتحدث.. شيء من الخوف.. شئ من العقل – أيمن نور
أَهمس في أذن المرشح في انتخابات الرئاسة في مصر، عبد الفتاح السيسي، بسؤال بسيط للعلم، وليس للاختبار: هل سمعت عن رجل اسمه...

أَهمس في أذن المرشح في انتخابات الرئاسة في مصر، عبد الفتاح السيسي، بسؤال بسيط للعلم، وليس للاختبار: هل سمعت عن رجل اسمه سواريز؟

 

-لا أظن…

 

-هذا الرجل مات يوم إعلان ترشحك للرئاسة بالمصادفة، وبالمصادفة، أيضاً، أوصى أن يكتب على قبره عبارة مهمة: "المصالحة دائماً ممكنة".

 

كان ألفريدو سواريز وزيراً في حكومة المستبد، الجنرال فرانكو، الديكتاتور الإسباني الأشهر في التاريخ، والذي مات عام 1975، كلف الملك خوان كارلوس هذا الرجل برئاسة الحكومة خمس سنوات مرحلة انتقالية (1976 -1981)، أعاد فيها اللحمة الوطنية في إسبانيا، وأفرج عن السجناء السياسيين، وسمح بإصلاحات ديمقراطية واسعة، وكان عراباً لمصالحة وطنية، كادت أن تكون مستحيلة بعد 40 عاماً من الدم والعنف والصدام.

 

مات الرجل الذي أظن أن السيسي لا يعرفه، يوم ترشح السيسي للرئاسة، وخرجت إسبانيا عن بكرة أبيها، تودع الرجل الذي لم تأخذه شهوة السلطة، فوحّد الأسبان في حياته، ويوم وفاته.

 

عرفته قبل سنوات، عندما كان رئيساً لليبرالية الدولية، وكانت دائماً له مواقف مشرفه إبان اعتقالي، في أثناء الانتخابات الرئاسية الأولى، وعقب سجني، بعدها، التقيته للمرة الأولى، والأخيرة، على طاولة عشاء، جمعتني به، وبالزعيم المعارض الماليزي، أنور إبراهيم، بعد أيام قليلة من خروجي، وأشهر من خروج أنور إبراهيم من السجن، بعد منافستي حسني مبارك ومنافسته مهاتير محمد، وفي ذلك الوقت، لم أكن أعرف الكثير عن الرجل، سوى أنه من أبرز رؤساء وزراء أوروبا، وأنه ليبرالي الفكر، وسطي الاتجاه، معتدل المزاج، وصاحب رؤية في مواقفه السياسية.

 

في تلك الجلسة، تطرق ألفريدو سواريز إلى مقارنه مهمة بين التطورات الديمقراطية والأوضاع في مصر، منذ تولى مبارك 1981، وفي إسبانيا عام 1981، مشيراً إلى أن إسبانيا شهدت في عام تولي مبارك 1981 انقلاباً عسكرياً، اقتُحم فيه البرلمان، واحتجز النواب، في أثناء إلقاء رئيس الوزراء القسم الدستوري. لكن الانقلاب على الديمقراطية في إسبانيا فشل في الاستمرار، على الرغم من مقاومة قطاعات من الجيش الإسباني الإصلاحات الديمقراطية التي كان سواريز قد بدأها منذ 1976، إلا أن الديمقراطية تعززت بشدة بعد انكسار انقلاب 1981، وأصبحت إسبانيا، التي كانت ساحةً للديكتاتورية والاستبداد، وساحة للدم، وللحرب الأهلية، بلداً ديمقراطياً تقدمت فيه الحريات، فتقدم كل شيء.

 

وعلى الرغم من أن الرجل الليبرالي كان يوماً ما، أحد رجال الديكتاتور فرانكو ووزرائه، والذي جاء، هو أيضا، بعد انقلاب يوليو العسكري 1963، إلا أنه عندما أدار المرحلة الانتقالية، أدار ظهره لقيم فرانكو وأفكاره ومعتقداته، مغلباً قيم التسامح والمصالحة ولم شمل الوطن، ورفض أن يستمر يوماً بعد نهاية مدته الانتقالية.

 

لا أعرف سبباً حملني لأروي هذه القصة، اليوم، للمرشح الرئاسي السيسي، سوى اهتمامي بتصريحات نسبها إليه الكاتب جهاد الخازن، والتي تكشف، ربما أول مرة، عن أفكار للمصالحة الوطنية، مختزلة، وبعيدة عن الالتزام، إلا أنه يصعب تجاهل دلالاتها، وإمكانية البناء عليها، على الرغم من كل تحفظاتنا على مسار الثالث من يوليو/تموز ومواقف السيسي، ومسؤوليته عن الدماء التي سالت.

 

نعم، لا توجد لدينا خبرات إيجابية بشأن صدقية مثل هذه الإشارات التى ربما تكون بالونات اختبار، فصدقية القول هي الفعل، والعمل على ترجمة هذه الإشارات إلى مسارات إصلاحية حقيقية. وأحسب أن الشعب الإسباني، لو كان رفض إشارات سواريز، بدعوى أنه كان بعضاً من نظام فرانكو، ومسؤولاً معه عن دماء مليون إسباني، لخسرت إسبانيا الكثير، ولظلت، إلى الآن، وطناً للاستبداد، والدم، والعنف، ومصارعة الثيران.

 

بغير تهوين أو تهويل، في قيمة تصريحاتٍ يمكن أن يراها بعضنا مجرد ترضياتٍ لفظيةٍ، أو لأسباب انتخابية (مشروطة)، ومعلقة على أمور أخرى، إلا أننا نقف أمام هذه التصريحات، لنطلب تحويل النوايا، إلى أفكار والتزامات سياسية، وأخلاقية، وليس انتخابية، لضمان استعادة حالة الوحدة التي غابت عن مصر، وباتت تهدد كل شيء، ولا أمل في شيء من دون استعادتها.

 

إذا كان عبد الفتاح السيسى يرى أن شرط المصالحة مع "الإخوان المسلمين" إدانة ونبذ الإرهاب والعنف، وهو ما تقول الجماعة إنها أعلنته، مراراً وتكراراً، فإننا نرى بعيداً عن موقف "الإخوان" أن المصالحة باتت التزاماً وضرورة وطنية، ينبغي أن يقدم الجميع كل غالٍ ورخيص، من أجلها، ولا بد أن تكون عملية إدانة العنف والإرهاب من الجميع، وفي إطار وثيقةٍ وطنيةٍ جامعة، تتحدث عن الهوية المصرية، وعن دولة ديموقراطية حقيقية، ولا بد أن يعلم السيسي، أيضاً، أن الحديث عن المصالحة لن يكون أبداً خارج دولة القانون، واحترام الحقوق والحريات، ومحاسبة كل مسؤول عن دمٍ، سال بغير ذنب، أو جريمة، سوى الخلاف السياسي.

 

ليس الحديث عن المصالحة الوطنية منحةً، ولا ترفاً، ولا بالمجان، فليعلم المرشح السيسي أن هذا الكلام لن يرضي أنصاره، ولن يقنع معارضيه. لكن، لا خير فيه إن لم يتحمل الفاتورة، ولا خير فينا إن لم نسدد حصتنا فيها. لا بد أن يدرك السيسي أن شيئاً من، العقل، والخوف على مصر، ومستقبلها ودماء أبنائها، يستحق تضحياتٍ حقيقية، وإصلاح ما أفسده كل طرف في مزاج الناس ومشاعرهم تجاه بعضهم، بعد أن نجح إعلام الثالث من يوليو، وقبل هذا التاريخ بأشهر، في بث حالة الفرقة والكراهية والعداء الذي وصل إلى استباحة الدماء، من دون غضاضة، أو مرارة، أو وخز ضمير. فالعقلاء في مصر يعلمون أنه لا سبيل أمام المصريين سوى جمع حروف اسم بلدهم الجميل في كلمه واحدة، يقف من أجلها وخلفها الجميع. وتبقى كل الحقوق محفوظة، لكن، في البداية، حق مصر في وقف الدم والعنف وإعمال شيء من العقل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023