ما كان بوسع الرئيس القادم لمصر أن يكون أكثر وضوحاً، ففي لقاءين تلفزيونيين دشن بهما حملته الانتخابية، ولعله يكون أنهاها بهما أيضاً، أعلن الجنرال السابق الذي تزعم الانقلاب العسكري بأن الغرض الوحيد من رئاسته قد يكون التخلص من الإخوان المسلمين بشكل تام ونهائي.
وأما فيما يتعلق بأي قضية أخرى سئل عنها عبد الفتاح السيسي، فالارتباك هو سيد الموقف. فيما يتعلق بانقطاع التيار الكهربائي الذي تمتد فتراته في بعض أنحاء البلاد إلى إحدى عشرة ساعة في اليوم فكانت لديه إجابة جاهزة، وهي استخدام اللمبات الموفرة للطاقة، إلى أن ذكره أحدهم بالطبع بأن مصر تستهلك سبعين مليون لمبة توفير طاقة في العام بسبب تعرض معظمها للكسر. وفيما يتعلق بإجراءات التقشف، خرج الجنرال العتيد بحل عجيب آخر، يتمثل في أن يتناول كل مواطن كمية أقل من الخبز. وحينما تجرأ المحاوران – اللذان وقع عليهما الاختيار بعناية لضمان انحيازهما التام له – بتوجيه سؤال له حول الجيش، نهرهما العسكري السابق قائلاً: “اتركوا الجيش وشأنه”.
لقد كان واضحاً ومفصلا في قضية واحدة فقط لا غير، وهي القضية التي تشكل وحدها برنامجه الانتخابي، ألا وهي تصفية الحركة السياسية الأكبر والأقدم في البلاد.
لا يوجد في تصريحاته شيء من اللف والدوران حول المفاهيم المستوردة من مثل سيادة القانون، وحق المتهم في المثول أمام قضاء نزيه ومستقل، وتحمل المسؤولية عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وحرية التجمع. كل ما هناك هو “إما هم أو نحن”. فمصر، في رأيه، لا تتسع لكلا الفريقين.
وقال إن الأمر سيستغرق خمسة وعشرين عاماً قبل أن يتسنى إقامة نظام ديمقراطي فعال في مصر، وهذا اعتراف صريح بأنه لن يعبأ شخصياً بتحقيق ذلك.
كلنا نعرف الآن أين نقف من هذا العسكري السابق، والذي لا خبرة له في العمل الحكومي سوى أن يصدر الأوامر فيطاع. أو، لعل بعضنا فقط يعرف أين يقف. إلا أن الاتحاد الأوروبي، ذلك الكيان المستأمن على الممارسة الديمقراطية وعلى احترام حقوق الإنسان (على الأقل بحسب ما يردده باستمرار على مسامعنا) فإنه يعتبر المشير ممن يصعب التكهن به.
يتيه الاتحاد الأوروبي فخراً واعتزازاً بما لديه من قوانين وتشريعات ومعاهدات، والتي تشكل مجتمعة شروط العضوية فيه. ومع ذلك، فإن كل ما جرى في مصر منذ أغسطس من العام الماضي – من مذابح واعتقالات جماعية وأحكام جماعية بالإعدام وعدم مبالاة بالإجراءات القضائية الصحيحة أو حق المتهمين في دفاع سوي – إنما هو انتهاك سافر ومتكرر لكل واحدة من القوانين والأعراف والقواعد التي يتفاخر الاتحاد الأوروبي بها.
بل إن الانتخابات القادمة تشكل مخالفة صريحة للشروط الأساسية التي نص عليها مجلس العلاقات الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي، وهي: وجوب أن تضمن السلطات الانتقالية وجود بيئة تهيئ لإجراء انتخابات شفافة وحرة ونزيهة، وعدم إقصاء أو حظر أي مجموعة سياسية طالما تبرأت من العنف واحترمت المبادئ الديمقراطية.
وها هي حركة 6 إبريل قد حظرت، رغم أنها لم توجه إليها حتى أعتى وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للانقلاب أي اتهامات بوجود علاقة لها بأحداث التفجيرات التي تجري من حين لآخر. في رسالة خاصة وجهتها إلى أحد سفراء الاتحاد الأوروبي، ناشدت حركة 6 إبريل الاتحاد الأوروبي سحب مراقبيه، إلا أن بروكسيل رفضت ذلك.
ومع ذلك، لم يثبط كل ما جرى في مصر من عزم الاتحاد الأوروبي على إرسال مائة من مسؤوليه للإشراف على الانتخابات التي من المفروض أن تجري في السادس والعشرين من مايو. لا مفر من أن يستخدم النظام وجود هؤلاء المراقبين كمصدر لكسب الشرعية، وسيستغل صمتهم لإقرار وإطراء الانتخابات التي يعتريها العور من كل مكان، ولا أقل كمثال على ذلك من غياب المنافسة الحقيقية بين المرشحين لمنصب الرئاسة. وكان الاتحاد الأوروبي قد ابتعث فريقاً أصغر من المراقبين لتقييم إجراءات الاستفتاء على الدستور مطلع هذا العام، ولم يتم نشر التقرير الخاص بذلك حتى هذه اللحظة. وكانت منظمة الشفافية العالمية قد رصدت حينها عدداً من المخالفات منها أن مسؤولي الحكومة كانوا يروجون بشكل علني للتصويت بنعم، ومنها تعرض النقاد السلميين للمضايقة والاعتقال والمحاكمة. إلا أن التصريح الوحيد الذي أدلت به كاثي آشتون كان الهدف منه الإشارة إلى أن من الواضح أن أغلبية كافية صوتت لصالح الموافقة على الدستور.
تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع هذا النوع من الدكتاتورية الشعبوية لا يشكل انتهاكاً لمبادئ الاتحاد فحسب، وإنما يسلب الاتحاد من كل فاعليته وقدرته على التأثير في الأحداث، فلا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأمريكية يجدان أن الصمت يكسبهما نفوذاً لدى النظام المدعوم من قبل العسكر في مصر.
بالمقابل نجد أن المعركة بالنسبة للاتحاد الأفريقي لم تنته ولم تضع الحرب أوزارها رغم أن دول الاتحاد قلما يجتمع رأيها على قضية. صحيح أن الاتحاد الأفريقي أيضاً سيرسل مراقبين، إلا أنه – وإثر تعليقه لعضوية مصر في الخامس من يوليو من العام الماضي بعد أيام قليلة من الانقلاب العسكري – ينطلق في ذلك من وضع مختلف. فقرار الاتحاد ابتعاث مراقبين للانتخابات في مصر محل خلاف بين مكوناته. فمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد يعارض ذلك، وإذا ما رفضت مصر الانصياع إلى الأمر الصادر من المفوضية الأفريقية بتعليق أحكام الإعدام الجماعية التي تجاوز عدد من صدرت ضدهم 1200 شخصاً، فإن الاتحاد سيبحث في فرض مجموعة من العقوبات . في هذه الأثناء تمارس المملكة العربية السعودية ضغوطاً مكثفة على دول غرب أفريقيا مثل السنغال. ولذلك قد يتراجع الاتحاد الأفريقي عن موقفه. ومع ذلك، موقف الاتحاد الأفريقي في هذه اللحظة ما يزال أكثر مبدأية من موقف الاتحاد الأوروبي. من سيفوز في النهاية: كم القوانين والتشريعات والقواعد التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي ويفاخر بها أم شهادة الزور التي يمارسها لصالح الدكتاتورية؟
المصدر: عربي 21