شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

في ظلال الانقلاب .. اللصوص يعودون إلى النعيم

في ظلال الانقلاب .. اللصوص يعودون إلى النعيم
بابتسامة هادئة، ونبرات واثقة، قال كلماته التي خرجت مفعمة بالسعادة والحيوية: "سأعود إلى مصر قريبًا" .....

بابتسامة هادئة، ونبرات واثقة، قال كلماته التي خرجت مفعمة بالسعادة والحيوية: "سأعود إلى مصر قريبًا" .. إنه ليس عالمًا مخترعًا، أو حائزًا على جوائز الاكتشافات يقرر العودة إلى وطنه، ليفيده بما حصله من علوم، ولكنه أحد الذين اعترفوا ضمنيًا بنهب المليارات من شعبه، وسبق أن عرض التنازل عن نصف ثروته أو ما سرقه من الوطن في سبيل التصالح وإسقاط الاتهامات، ولكنه الآن سيعود "مجانا".

 

إنه ليس رجل الأعمال الوحيد الذي تحوم حوله اتهامات الفساد وسرقة خيرات الشعب وأعلن انفراج أساريره بالانقلاب العسكري، ولكنه واحد في قائمة طويلة ضمت رجال أعمال أفسدوا وتهربوا من الضرائب أو خصصت لهم أراض بأسعار أقل من التراب، أو تعاقدوا على بيع ثروات الوطن بأقل من نصف أثمانها، في عهد الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك"، جميعهم الآن يعلنون المباركة لهذا الانقلاب، وعلى الهامش، يلحسون كلامًا عن التصالح وإعادة أموال سرقوها كانوا يتمنون إتمامه بعد الثورة، غير أنهم الآن يرون أنه لا داعي لتركها.

 

"أبى الانقلاب إلا أن يعود الفساد بكل جوانبه وقت المخلوع وأشد مما كان عليه".. هكذا كان لسان حال خبراء اقتصاد وأموال علقوا على ما وصفته ب"لومبيرج"، أكبر وكالة اقتصادية عالمية، أن الاقتصاد المصري في وضع يرثي له.

 

وكانت عودة رجال الأعمال الفاسدين بعد ثورة يناير أبرز فضائح الانقلاب، فقد ظل الرئيس "محمد مرسي" عامًا كاملاً يحاول أخذ حقوق الدولة وحفظ حقوق المصريين، وهو ما نجح فيه من خلال صفقة الضرائب مع "ساويرس"، واقتراب الوصول لحل مع رجل الاعمال الفاسد وضابط المخابرات "حسين سالم"؛ إلا أن الانقلاب أنهى كل حقوق الدولة لدى رجال الأعمال وأعطاهم تسهيلات، تفوق ما أعطاهم إياها المخلوع ليفتح باب الفساد لعودة تزاوج السلطة ورأس المال ونهب المال العام بكل سهولة.

 

إمبراطورية ساويرس تتهرب!

وفي مارس الماضي قالت النيابة العامة إنها برأت ساحة شركة "أوراسكوم" للإنشاء والصناعة ومسئوليها بعد ثبوت عدم صحة الادعاء، بأن الشركة قد تهربت من سداد ضرائب مستحقة عن الصفقة، وهو ما انتهت معه النيابة العامة إلى قرار واضح وصريح باستبعاد شبهة جريمة التهرب الضريبي، وجرائم العدوان على المال العام وجرائم سوق المال، وأصدرت النيابة قرارها بحفظ القضية إداريًا برقم 21 لسنة 2014.

 

وسبق هذا القرار ما كشفه مصدر مسئول بوزارة المالية في 4 يناير الماضي من عدم سداد شركة "أوراسكوم" للإنشاء والصناعة المملوكة لرجل الأعمال، "ناصف ساويرس"، قيمة الدفعة الثانية 900 مليون جنيه من متأخراتها الضريبية المتفق عليها مع مصلحة الضرائب، في إطار تسوية قضية تهربها الضريبي.

 

وقال كان من المقرر سداد الشركة قيمة الدفعة الثانية، والتي تم استحقاقها يوم 29 ديسمبر الماضي، وفقًا للتسوية إلا أن البنك الأهلي المصري أبلغ مصلحة الضرائب بعدم تحصيل الشيك وصرفه، وبالتالي سيتم رده ورجوعه إلى المصلحة.

 

الضرائب تتقدم ببلاغ للنيابة

ومن جانبه قال "ممدوح عمر"، رئيس مصلحة الضرائب المصرية" في 13 يناير إن شركة "أوراسكوم" للإنشاء امتنعت عن سداد 900 مليون جنيه قيمة الدفعة الثانية، من تسوية بقيمة 7.1 مليار جنيه لنزاع ضريبي مع الحكومة العام الماضي، وإن المصلحة تقدمت ببلاغ إلى النيابة ضد الشركة.

 

وهو ما أكده "أسامة توكل"، رئيس مركز كبار الممولين التابع لمصلحة الضرائب، أن قرار إحالة شركة "أوراسكوم" للإنشاء وللصناعة إلى النيابة، إجراء طبيعي مضيفًا أن مصلحة الضرائب لا تملك التنازل عن حقوق الخزانة العامة للدولة لدى أي ممول.

 

موضحًا في تصريحاتٍ صحفية أن الشركة رفضت دفع 900 مليون جنيه قيمة القسط الثاني ضمن جدولة مديونيتها البالغة 7.1 مليار جنيه، حيث أوقفت صرف شيك بقيمة الدفعة الثانية كانت قد وقعته وقت إقرار التسوية، ولذلك حولت الضرائب ملفها للنيابة.

 

ناصف ساويرس: عودة الاستثمارات

وبدوره قال رجل الأعمال "ناصف ساويرس"، مؤسس شركة "أوراسكوم" للإنشاء والصناعة، في تصريحات صحفية 28 يناير، من نيويورك: "سنبدأ في خطوات تنفيذية لإدراج قطاع الإنشاءات بشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة في البورصة المصرية، بعد استجابة المشير "عبدالفتاح السيسي"، للرغبة الشعبية العارمة في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وبعد وضوح الرؤية السياسية وإقرار الدستور والتقدم في تنفيذ خارطة الطريق".

 

كما أكدت شركة "أوراسكوم" للإنشاء والصناعة أنه لم يصل إليها بأي شكل رسمي ما يفيد وجود بلاغات جديدة ضدها من مصلحة الضرائب، وأنها ممتنعة عن التعليق على نزاعها القائم مع المصلحة، لأنه نزاع منظور أمام النيابة العامة ويتم إجراء تحقيقات قضائية بشأنه؛ فضلاً عن تفضيلها الترقب لحين صدور كلمة القضاء بشأن تلك المنازعات.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه بذلك تخالف شركات "ساويرس" الاتفاق الذي أبرمته في عهد الرئيس د. "محمد مرسي" مع مصلحة الضرائب والذي نص على أن يسدد "آل ساويرس" 7 مليارات و200 مليون جنيه للضرائب، في مقابل أن تسحب الضرائب قضية التهرب الضريبي التي حررتها ضده، ويقدم "ساويرس" إقرارًا ضريبيا جديدًا يتضمن إضافة 7 مليارات و200 مليون جنيه بزيادة على الإقرار الذي قدمه "آل ساويرس" عام 2007 وهي السنة التي شهدت بيع شركة "أوراسكوم".

 

عودة بعد تنصيب قائد الانقلاب

وبعد أقل من 72 ساعة من تنصيب قائد الانقلاب المشير "السيسي"، شهدت مصر الإعلان عن عودة "آل ساويرس" لضخ استثمارات جديدة حيث أعلن "ناصف ساويرس"، 11يونيو، تأسيس شركة النيل القابضة للاستثمارات (Nile Holding Investments)، برأسمال يبلغ نحو 300 مليون دولار، بالاشتراك مع نخبة من مستثمري مناطق الخليج العربى وأوربا والولايات المتحدة، وذلك بغرض الاستثمار في القطاعات المتعلقة بالصناعات الاستهلاكية في "مصر" بشرط ألاّ تتعارض هذه الاستثمارات مع أي من أنشطة مجموعة شركات "أوراسكوم".

 

ومن جانبه علق "ناصف ساويرس" على تأسيس الشركة الجديدة قائلًا: "إننا على ثقة بأن مصر تستطيع تحقيق معدلات نمو اقتصادى استثنائية في الأعوام القادمة"، على حد تعبيره.

 

الجدير بالذكر أن الإعلان عن ضخ "ناصف ساويرس" لاستثمارات جديدة في مصر، جاء بعدما تخارج شركة أورسكوم للإنشاء والصناعة والتي يستحوذ "ناصف ساويرس"، على حصة حاكمة فيها من البورصة المصرية، في صفقة بلغت قيمتها نحو 40 مليار جنيه.

 

بائع الغاز المصري: سأعود

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لـ"حسين سالم"، رجل الأعمال الهارب الذي تورط في قضايا بيع الغاز المصري لكل من إسبانيا وإسرائيل والأردن، بأقل من قيمته الحقيقية، فقد صرح بعد الانقلاب العسكري وانتخابات الانقلاب بأن الانتخابات الرئاسية أعادت مصر للمصريين مرة أخرى.

 

وأوضح رجل الأعمال الهارب أن المرحلة القادمة ستشهد عودة للاستثمارات الأجنبية مرة أخرى.

 

وكان "حسين سالم"، رجل مبارك القوي، قد أعلن في وقتٍ سابق، أن موضوع الاتفاق الذي كان بينه وبين النظام في عهد الرئيس "محمد مرسي"، قد سقط ،ومن المعلوم وبحسب تصريحات "طارق عبد العزير"، محامي "حسين سالم"، أن نيابة الاموال العامة قد اشترطت أن يتنازل "حسين سالم" علي 60 % من ثروته لصالح الدولة المصرية مقابل تسوية وضعه، وكان "سالم" قد تقدم عبر محاميه بصيغة مفادها ان يتنازل عن 50% في المائة، إلا أنه وبحسب تصريحات لمحاميه على قناة "الحياة" قبل الانقلاب العسكري، أن موكله وافق على طلب نيابة الاموال العامة.

 

سالم طار فرحًا

وبعد الانقلاب قال "سالم" إنه طار فرحًا، وبأنه يخطط للعودة إلى القاهرة وفقًا لما صرح به محاميه "طارق عبد العزيز" "للفورين بوليسي"، تبدو المصالحة تعني ما هو أكثر من إسقاط تهم الفساد مقابل دفع الأموال.

 

 قدم "سالم" إلى الحكومة عرضًا يقضي بمنحه قرض بقيمة 3.6 مليون دولار، لإصلاح ما تم إتلافه من الكنائس ومراكز الشرطة وغيرها من الممتلكات الحكومية مقابل حريته. واعتبرت "المجلة" هذا بالفعل انخفاض حاد مقارنة بعرضه الذي قدمه قبل الانقلاب العسكري، ففي مايو 2012 فقط، قبل أن يصبح "مرسي" رئيسًا للبلاد عرض سالم على الأقل نصف ثروته، التي تقدر بنحو 1.6 مليار دولار، مقابل تسوية القضايا المرفوعة ضده وفقًا لما صرح به "عبدالعزيز".

 

وقالت "الفورين بوليسي" في مقال لها فبراير الماضي، إن وثيقة مسربة عن الهيئة العامة للكسب غير المشروع تكشف عن قيام "سالم" و"مبارك" جنبًا إلى جنب عدد من رجال الأعمال الفلول، بالاستثمار في بنك بالخارج مسجل في "جزر كايمان"، وهو ملاذ للهروب الضريبي في جزر "الكاريبي".

 

رشيد وصفقة مع الانقلاب

وأشارت "الفورين بوليسي" إلى أن عددًا من رجال أعمال نظام "مبارك" يسعون للتصالح، ويخوض وزير التجارة والصناعة الأسبق "رشيد محمد رشيد"، الذي هرب إلى دبي عقب ثورة يناير، مفاوضات مماثلة مع الحكومة ويستعد لتقديم عرضه الخاص، وتم الحكم على الوزير الهارب بالسجن 20 عامًا ودفع غرامة تصل إلى 330 مليون دولار في اتهامات بإهدار المال العام والتربح من منصبه.

 

وفي 9 يناير الماضي قال المتحدث باسم حكومة الانقلاب "هاني صلاح" خلال مداخلةٍ هاتفية له مع إحدى الفضائيات المصرية لـ"حسين سالم": "يا حسين بيه، مصر بعد 30 يونيو مفتوحة على أي مبادرات وتوجهات من رجال الأعمال لإعادة الأمور لنصابها"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "سالم" رجل طيب وشريف.

 

 وكان "سالم" بعهد "مرسي" قد عرض التنازل عن نصف ثروته مقابل إسقاط كل التهم عنه وعودته للبلاد.

 

نشرت الصحف في 22 يناير الماضي أن "حازم الببلاوي"، الذي غادر الى سويسرا لحضور منتدى "دافوس"، سوف يقابل الوزير الهارب "رشيد محمد رشيد"، وسوف يعقد معه جلسة سرية لإقناعه بالعودة إلى مصر والعمل كمستشار اقتصادي له في المرحلة القادمة.

 

المحتالون يعودون إلى القاهرة

بعنوان "المحتالون يعودون إلى القاهرة"، قالت "الفورين بوليسي" أنه بعد ثلاث سنوات من التظاهرات ضد هذا النوع من الصفقات التجارية القائمة على المحسوبية والتي التهمت الاقتصاد المصري تدرس البلاد الآن اللجوء إلى نفس الأشخاص الذين نهبوها من أجل إنقاذ اقتصادها المترنح.

 

ورأت المجلة الأمريكية في تقريرها، أنه على الرغم من أن العلاقة ما بين كبار رجال الأعمال المقربين من "مبارك"، والحكومة الحالية يبدو أنها قد انقطعت منذ فترة طويلة، حيث الملاحقات القضائية التي استهدفتهم من قبل الحكومة العسكرية المؤقتة، التي حكمت البلاد بعد الإطاحة بـ"مبارك"، لكن "المصالحة " من الممكن أن تسمح للحكومة المدعومة من الجيش، حكومة الانقلاب الأولي، باستعادة نفس شبكات رجال الأعمال القوية التي ازدهرت خلال حكم "مبارك".

 

صفقة مثالية .. وعودة اللصوص للنعيم

ونقلت عن "غادة علي موسى"، أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الحكم لمحاربة الفساد، قولها: "إن هذا الإجراء سيفتح الباب أمام المزيد من الفساد، والهروب من العدالة، إن صفقة المصالحة مع سالم ربما ستكون نموذجًا مثاليًا ينتهجه الآخرون لاحقًا."

 

وكشفت "الفورين بوليسي "عن أن نجاح صفقة المصالحة لن يعيده فقط إلى النعيم الذي كان يتمتع فيه ولكنها ستنهي التحقيقات الأجنبية فيما يتعلق بمصادر ثروته.

 

التصالح يوقف التحقيقات الدولية

واعتبرت "المجلة الأمريكية"، أن إبرام تلك المصالحة من شأنه إيقاف التحقيقات الدولية في قضايا الكسب غير المشروع لهؤلاء الأشخاص؛ وأشارت إلى قول "أوليفييه ونشان"، ضابط العلاقات المالية الدولية بمنظمة "برن" السويسرية، إلى أن "السلطات لن تتمكن من إثبات أي تهم ضد سالم في حال ما أسقطت مصر التهم عنه"؛ مؤكدةً أنه الآن أصبح أقرب إلى تحقيق ما يريد من خلال هذه الصفقة بالرغم من دعمه الساخر للحكومة الحالية، حكومة الانقلاب الأولي، بدعوى مكافحتها للتعاملات التجارية المشبوهة التي يعد هو رمزها في الأساس بأعين المصريين.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023