لا يستشعر النظام المصري أدنى حرج، وهو يصعّر خده ويمد يده، هنا وهناك، طلبًا، وأحيانًا تسولًا، للمساعدات المالية والسياسية.
لا يستشعر أدنى وخز، أو جرح، للسيادة الوطنية، وكبرياء الشأن الداخلي، وهو يبتز الخليج للحصول على أمواله التي هي “زي الرز”، بتعبير رأس النظام في تسريباته، ولا يجد غضاضة في أن تتولى الدبلوماسية الصهيونية تسويقه خارجيًا، واحتضانه في المحافل الدولية.
لا يرى في ذلك كله مساسًا بكرامته وسيادته الوطنية، بل يصل إلى أبعد من ذلك، حين تشيح عنه واشنطن بوجهها، ويردد: حتى لو أدارت لنا ظهرها، لن ندير ظهرنا.
طوال الوقت، يعتبر نظام السيسي أنه الطفل الأولى بالرعاية في الأسرة الدولية، يتصنع الهزال والهزل، استدرارًا للعطف وابتزازًا للمعونة، في هذه المسألة تحديدًا، يزيل المسافة بين ما هو “شأنه الداخلي” وما هو “قضية أمنية”، مرددًا أنه يحارب الإرهاب من أجل العالم كله.
لكن، حين يتعلق الأمر بمذابحه في الداخل، ومجازره القضائية التي ينحر فيها القانون والعدل فوق منصات العدالة، ويهمس أحد من المانحين أو الأصدقاء والأشقاء، ناصحًا بالتوقف عن جنون قرارات الإعدام بحق المعارضين، تجد نظام الانقلاب وقد أصابته فجأة “حمى السيادة الوطنية”، وحساسية كرامة الشؤون الداخلية، فيهرف هو وأبواقه، وزماروه وطبالوه، بكلام أجوف، مضمونه أن الإعدام شأن داخلي، غير مسموح لأحد بالاقتراب منه، بينما الانقلاب مشروع دولي إقليمي أممي، يتوجب على البشرية كلها أن تتدخل في تعويمه وإسناده.
في هذا الطقس الفاشي البديع، من الطبيعي أن يجد الدكتور المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي السابق، نفسه في مهب رياح انقلابية، محملة بأتربة من البذاءة والابتذال في القول، حين تحدث في حوار مع موقع “هافنغتون بوست عربي” أن من شأن الاندفاع نحو تنفيذ قرارات الإعدام الجماعية في مصر أن يغذي التطرف، ويعرّض المنطقة كلها للخطر.
الطريف أن يكون الأكثر شططًا في الرد على هذه الرؤية العاقلة المحترمة، أن يحاول شخصٌ، مثل كمال الهلباوي، الذي كان حتى وقت غير بعيد قياديًا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أن يلقن المرزوقي درسًا ساذجًا في احترام الشؤون الداخلية، معتبرًا أن إعدام الرئيس مرسي شأن داخلي مصر.
غير أن الأكثر طرافة من زئير “كمال الدولي الهلباوي”، دفاعًا عن الشؤون الداخلية، هو ما يبديه كل من محمد أبو الغار، الرئيس السابق للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ومحمد عصمت السادات، رئيس ما يسمى “حزب الإصلاح والتنمية”، من دفوع في قضية السيادة الوطنية وشرف المصري الداخلي الرفيع الذي لا يسلم من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم.
مصدر الدهشة أن أبو الغار والسادات كانا من الأكثر إلحاحًا في الطرق على أبواب المجتمع الدولي، في فترة التحضير للانقلاب العسكري، على الحكم المنتخب ديمقراطيًا في مصر، ومعهما من جبهة الإنقاذ الدكتور محمد البرادعي وآخرون، ذهبوا إلى أوروبا وأميركا، محرضين ومتسولين العون الدولي لإسقاط الرئيس، فما الذي أصابهم بهلوسة احترام الشؤون الداخلية، حين قدم المنصف المرزوقي، وآخرون في العالم كله، النصيحة بكبح جماح رغبة القتل الانتقامية؟
لم أجد مثيلًا لهذا الحماس الهائل، لدى الهلباوي وأبو الغار والسادات، وآخرين، للمضي في إبادة الإخوان المسلمين من الوجود، إلا عند مجموعة من غلاة الفاشيست المنتمين للدولة العميقة، الذين أطلقوا حملة شعارها “اللي يوجع الإخوان”، تأخذ على عاتقها العمل على كل ما من شأنه أن يؤذي “الإخوان” ويؤلمهم ويكيدهم ويغيظهم. لذا، تفتق ذهنهم عن فكرة متسقة مع تيار الابتذال العام الذي يسود الأجواء، مع اقتراب حفل “قنوات السويس”، تقوم على تجميع أكبر عدد من السيدات في ميدان التحرير، لإطلاق أكبر زغرودة يوم الافتتاح، في إطار مشروع “اللي يوجع الإخوان زغرودة حلوة ترن في الميدان”.
في الدول المحترمة، تنشأ المشروعات القومية، لحشد مكونات الأمة من أجل هدف حضاري وإنساني نظيف، أما في مدن “الاجتماع الخسيس”، بتعبير الفيلسوف الفارابي، فتقام المشروعات لإغاظة المعارضين، والكيد للمخالفين، وإطلاق الزغاريد الرقيعة في الميدان الذي شهد يوما اغتسال مصر من قبحها ورداءتها.