“التار ولا العار”.. هكذا يعتقد أهل الصعيد في قضايا “الثأر”، على الرغم من أننا بعام 2015 وكثير من العادات والتقاليد قد تغيرت، إلا أن فكرة الثأر تظل موروثا قديما عصيا على التغيير في الصعيد بأكمله.
يأتي تعريف الثأر في الاصطلاح بمعنى “هو أن يقوم أولياء الدم «أقارب القتيل» بقتل القاتل نفسه أو قتل أحد أقاربه انتقاماً لأنفسهم دون أن يتركوا للدولة حق إقامة القصاص الشرعي”، وتنتشر هذه الظاهرة في المجتمعات القبلية ، والتي تتميز بقوة العصبية القبلية.
والمطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة وقوانينها في الصعيد حيث إن الأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء، فالإخوة غير الأشقاء، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء كما أن الثأر في الصعيد لا يلزم سوى أقارب “الدم” أي من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر.
ومن المعروف انه لا يسقط حق الثأر بـ”التقادم”، حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفيا أو حتى وإن كان تم سجنة في القضيه نفسها، فمن القصص المشهوره للثأر بمحافظة المنيا بإحدى قرى المحافظة حيث أصرت جدة على الثأر لولدها رغم مرور خمسين عاماً على مقتله حتى بعد إن تم القبض على القاتل والحكم عليه بالسجن مدة 25 عاما وما إن خرج حتى حرضت حفيدها على القصاص والثأر منه لوالده.
ومن ضمن المسببات القوية لعدم اختفاء عاده الثأر هو تواجد السلاح بسهولة في الصعيد وسهولة الحصول عليه وعادة اقتنائه لدى العائلات حيث أن معظم أبناء الصعيد خاصة في قري المنيا، كل من كان عمره فوق العاشرة يجيد استخدام السلاح.
وبجانب انتشار السلاح يأتي ضعف الوازع الديني كمسبب من أهم المسببات انتشار الثأر، وعدم القدرة على التفرقة بين القصاص الشرعي في الدين والثأر، بجانب ضعف أداء الجهاز الأمني للدولة وعدم قدرتها على ضبط الجناة الحقيقيين.
خالد من قرية سيدي عيسى المجاورة لقرية صفط الخمار التابعة لمحافظة المنيا، يروي قصته مع الثأر وما تعرض إليهـ حيث انقلبت حياته رأسا على عقب بسببه، إذ بدأت القصه في مشاجرة عاديه بين عائلته -رفض ذكر الاسم- وعائله المقالدة وهي من العائلات المشهورة ويربطهم ببعض بعض النسب.،كان الشجار على متر ونصف بين قطعتي أرض مملوكة لكل منهما، حدث الشجار وأصيب أحد أبناء عائلة المقالدة، ثم وافته المنيه بالمستشفى بعد نقله للمستشفى باايام،
يقول خالد: “ما إن عرفنا بخبر موته وكنت ابن 15 عاما حتى وجدت امي تصرخ أن( بيتنا اتخرب ) على الرغم من عدم تواجد ابي بالأصل يوم الشجار ولكن اعمامي متورطين، وعرفنا وقتها أن أهل القتيل ينوون الانتقام منّا، فرحلنا انا وأسرتي واعمامي واولادهم من البلد تماما، تاركين أرضنا وبيوتنا، بجانب هروب ابي شهور طويله لا نراه فيها الا مره واحده وتركه لعمله وتدني المستوى المادي للأسرة فلا يوجد دخل ثابت”.
وأضاف: “حتى بعد أن حدث الصلح بعد 4 سنوات من التنقل والخلاف، لا زلنا لا نستطيع ولكن العودة للبلدة مره اخرى، ومنذ ذلك الوقت وانا ارى ان الثأر من أسوأ العادات التي ابتلي بها الصعيد وتسببت في كثير من العقد النفسية لدى واتمنى ان تنتهي وان نحتكم لشرع الله وليس لعصبيتنا القبلية”.
وفي شهر رمضان الماضي فقط، حصدت وقائع الثأر والمشاجرات المسلحة أرواحا كثيرة، ففي مطلع يوليو الموافق منتصف رمضان وقعت اشتباكات بالأسلحة النارية بين عائلتين في المنيا بسبب لهو الأطفال، انتهت بمقتل فلاح بطلق ناري، وبحسب مدير البحث الجنائي، وقعت الاشتباكات بين عائلتي “أولاد الشيخ” و”الشمنديو” بمركز ملوي، استخدموا خلالها أسلحة نارية، ما أدى لمقتل نادر أحمد -50 سنة، فلاح، من عائلة أولاد الشيخ.
وأصيب 3 أشخاص بطلقات نارية في المنيا بسبب خلاف على أولوية المرور، في يوم 24 يونيو، إثر وقوع اشتباكات بالأسلحة النارية بين عائلتي “العوامرة” و”الركارتة” بقرية الشيخ زياد بمركز مغاغة.
وقد قد كانت الجريمة الابشع إذ سكنت 60 طلقة نارية جسد فلاح ليلقى مصرعه في الحال إثر تجدد اشتباكات بالأسلحة النارية داخل قرية جوارحي مركز أبوقرقاص بين عائلتي “أبو طالب” و”أبو خالد”، بسبب خصومة ثأرية عمرها 4 سنوات للخلاف على قطعة أرض، كما أصيب آخر.
أما في هذا الأسبوع الأخير من شهر أغسطس كان للثأر بصمته حيث كان قتل شقيقين على يد عمهم بقرية الناصرية ببني مزار شمال المنيا، حيث أثبتت التحريات أن سبب القتل هو خصومة ثأرية سابقة بعد أن قام المجني عليهم بقتل أبناء عمومتهم.