نقل عنه قوله في مأتم عزاء لأحد كبار ضباط الطائفة العلوية الذي قتل في الحرب التي يخوضها بشار الأسد ضد الشعب السوري: “إن مقابر الأسر العلوية لم تعد تستوعب”، وفي رواية أخرى أنه همس بعدها: هذا الغبي – بشار الأسد- سيأخذنا إلى الجحيم”، ولكن بشار الأسد ردّ له الصاع صاعين عندما التقى بوفد الجنرالات المتقاعدين الذين اجتمع بهم بعد أشهر من اندلاع الثورة، يومها قال علي دوبا: لا يمكن بهذه الطريقة التي تدار بها الأمور أن ننهي المشكلة أو أن ننتصر، فرد بشار بحدة قبل أن ينهي اللقاء على طريقة انتهى الدرس يا غبي: أستغرب في ظل هذا الحجم من “الغباء” كيف أبقاك أبي في منصبك كل تلك الفترة؟!
هو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في سورية سابقاً شغل هذا المنصب عشرات السنوات قبل إقالته في 1/ 1/2000، وقيل وقتذاك إن حافظ الأسد احتاج الى سنوات طوال لكي يتمكن من دحرجته رويداً رويداً وإزاحته من منصبه. عرف عنه الحزم والصرامة وهو مؤسس جهاز الاستخبارات العسكرية الحديث وكان الرجل الثاني في سوريا ورجل النظام القوي طيلة حكم حافظ الأسد، ولأنه لم يظهر أبداً على شاشات التلفزة ولا في الأماكن العامة اضطر الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابه “الصراع على الشرق الأوسط” الى وصفه بـ”رجل طويل أبيض اللون يشارك حافظ الأسد مزاجه الدعابي الساخر”.
بنى علي دوبا منذ أواسط الثمانينات وحتى نهاية التسعينات دولة داخل دولة واتسع نفوذه بشكل فاق كل تصورات رأس النظام حافظ الأسد الذي اعتمد عليه في البداية لتحجيم دولة شقيقه رفعت الأسد والقضاء عليها على مراحل، ونفذ دوبا المهمة الموكلة إليه بأمانة وحماسة منقطعتي النظير، ولكن تبين لحافظ الأسد فيما بعد أن انقلاب علي دوبا على رفعت الأسد كان انقلاباً لحسابه ولمصلحته الشخصية أولاً، وهو ما اكتشفه متأخراً عندما علم بترشيح عز الدين ناصر رئيس اتحاد العمال ليخلفه خلال مرضه في مطلع الثمانينات بدلاً من ابنه باسل، فبدأ بتحجيم دولة علي دوبا، في حين بدأ باسل “يشتغل” على إنهاء عز الدين ناصر وأكمل بشار المهمة عندما أصبح رئيساً.
وحشية علي دوبا لم تكن موضع بحث أو تدقيق، واستثمر حافظ الأسد ذلك كي يدخل الرعب الى نفوس الأصدقاء قبل الأعداء ووصلت – وحشيته- الى حد انه كان يتولى بنفسه تأديب وجلد ابنه الكبير محمد في فرع التحقيق العسكري بعد كل عملية قذرة يرتكبها، حيث كان لا يتورع عن ارتكاب أخس الأعمال من سرقة وتشليح ونصب واحتيال على أتفه الأمور، وكانت مهمة قافلة المرافقة التي تسير معه ليس حمايته من الاعتداءات بل حمله الى بيته بعد أن يودي به تعاطيه للمخدرات الى حالة غيبوبة.
بعد أن أبرمت مؤسسة السكك الحديدية صفقة القاطرات مع ألمانيا استدعت شعبة الاستخبارات العسكرية المدير المالي في المؤسسة، وكان يديرها في ذلك الوقت غسان قدور ابن شقيقة العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان، وبدأت بالتحقيق معه حول الصفقة، فأنكر الرجل علمه بوجود صفقة فاسدة وأصر على قوله رغم التعذيب الذي تعرض له خشية تعرضه للأذى من العماد حكمت، فطلب علي دوبا جلبه الى مكتبه وسأله: هل تعلم من أنا؟ قال الرجل: أبداً. فرد عليه: أنا علي دوبا وإذا لم تقل لي الآن وفوراً حجم عمولة القاطرات ومن قبضها سأقطعك بيدي أما إذا اعترفت فسوف أفرج عنك فوراً وأعيدك الى أهلك سالماً غانماً.. عندها قال المدير ودون تردد: أخذها العماد حكمت الشهابي. وكل ما أراده علي دوبا وقتها هو أن “يعلّم” على العماد حكمت وأن يستخدم قصة الرشوة في الوقت المناسب إن اقتضى الأمر ذلك.
سيقتضي الأمر ذلك إذا تحدث العماد حكمت عن إمبراطورية النفط والمخدرات التي يديرها علي دوبا، وعن ناقلات النفط التي امتلكها وعن اختلاسات شقيقه محمد دوبا مدير شركة خطوط نقل النفط في بانياس، وعن مافيا النفط مع نزار الأسعد، وكان من جملة ما ورثه علي دوبا من رفعت الأسد البقاع اللبناني الذي واصل فيه زراعة وتجارة المخدرات إلا أن المنافس الآخر الذي لم يقض عليه تماماً -جميل الأسد- كانت له جيوب في هذا المجال عن طريق – مافيا عبدالله أوجلان زعيم منظمة الـpkk الكردية بتغطية مباشرة من اللواء غازي كنعان مسؤول الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان الذي تربطه علاقة مصاهرة مع جميل الأسد.
وكان علي دوبا وذراعه في الأمن العميد أحمد عبود يديران عشرات الشقق المخصصة للعب القمار، وقد كونا مافيا المخدرات هذه وأحكما السيطرة على طريق لبنان ووضعا رجالهما في هذا المحور، أما محور حلب تركيا فكلف بإدارته العميد مصطفى التاجر رئيس الاستخبارات العسكرية في حلب، وعندما همس أحد مديري الأمن حول الدور المافيوي الذي يلعبه مصطفى التاجر قال حافظ الأسد إن الأمر لا يتعلق بفساد أو متاجرة بل هو لحماية الأمن القومي للبلاد؛ لأن عبدالله أوجلان ومنظمته يوفران لنا كل المعلومات الأمنية المتعلقة بتركيا مقابل السماح لهم بتجارة المخدرات والتسلل عبر الحدود، وكان من الواضح تماماً أن حصة حافظ الأسد من هذه التجارة تصله بانتظام.
علي دوبا الملوث من رأسه حتى إخمص قدميه بدماء السوريين لم يعترض خلال لقائه والجنرالات المتقاعدين مع بشار الأسد على الحل الأمني والعسكري الذي اعتمده لأنه ضد القتل، بل لأنه يعتقد أن بشار الأسد بغبائه هو من أوقد شعلة الثورة السورية وهو من يجعلها ملتهبة، وكان يمكن اعتماد أساليب أخرى لإجهاضها.
خلال تهيئة الرفاق لتقبل قرار إقالته روى حافظ الأسد في إحدى جلساته الخاصة حكايته مع إحدى عجائز قريته القرداحة عندما طلبت منه أن يتوسط مع علي دوبا من أجل تأمين وظيفة لابنها العاطل عن العمل فوعدها خيراً قبل أن يوجه بتعيينه.. أراد حافظ الأسد أن يقول في تلك الجلسة إن نفوذ علي دوبا في الدولة بات يتطلب قصقصة أجنحته، ولكن السبب الحقيقي هو أن حافظ الأسد كان يدرك تماماً أن تسليم العرش لابنه بشار كان يتطلب ترحيل كل طاقم الحرس القديم، بل كل من كان بشار يخاطبه بكلمة “عمو” من عبدالحليم خدام إلى علي دوبا مروراً ببقية الرفاق.