لا جدال بأن العالم الإسلامي بات يحتاج إلى مسألة أكثر مصداقية من موضوعة الإرهاب كي يخرج من حالة التشظي والاختلاف والانقسام والتشرذم، حتى يدخل في أفق التعاون والتضامن والتحالف، ذلك أن الإرهاب موضوع مفروض وغير مفترض فهو أمر ذاتي وغير موضوعي، وقد أصبح أحد مكونات الأنظمة الإسلامية عموما والعربية خصوصا، فكيف يمكن إذن أن ينشأ نوع من التحالف تحارب فيه الأنا الإسلامية المتخيلة ذاتها، فالإرهاب هو أحد أهم المنتجات الإبداعية للنظام العربي الإسلامي كمنظومة مغلقة من العنف البنيوي الكامن في صلب البناء السياسي الاقتصادي.
إذا كان الإرهاب ينطوي على حالة من السيولة والانسياب وعدم التحديد، فلا عجب أن نشهد معالجات تنتمي إلى ذات المكون العجائبي، وأن ندخل في زمن التحالفات الغرائبية، ففي عالم يشهد تكوين ائتلافات وتحالفات لحرب الإرهاب على أسس غامضة ومتناقضة يهيمن الشواش على منظورات التحالفات، ومنذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل وتمدده في العراق وسوريا وانتشاره في دول عربية وإسلامية عديدة، تشكلت تحالفات متضاربة لحرب الإرهاب، لكن المنظورات المتنوعة لحرب الإرهاب ومعرفة ماهيته أصبحت في غاية الالتباس، فقد أصبح المكون السني في العراق وسوريا يقع في دائرة الإرهاب المحقق والمفترض لدى الأنظمة الدكتاتورية الطائفية للنظامين العراقي والسوري وحلفائهما الإقليميين والدوليين.
لا شك بأن الإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي (سني) لحرب الإرهاب يعتبر مطلبا أميركيًا ضروريا، ذلك أن الإسلام السني بات يشكل مصدر إزعاج وقلق دولي، وهو يهدد كيانات الدولة الوطنية الإسلامية السنية الـ “ما بعد كولينيالية”، لكن التحالف الإسلامي لحرب الإرهاب لا يتوافر على الحد الأدنى من التجانس والفاعلية، فهو لا يزال يفتقر إلى تحديد ماهية الإرهاب وهوية الإرهابيين المفترضين، ولا أحد يعرف إن كانت قوائمه ستشمل حركات ودول لا تقع ضمن عوالم الإسلام السني، لكن المؤكد أن كافة الدول التي ترغب بالانضمام إلى التحالف المفترض قلقة من إرهابييها المفترضين.
مسألة الحرب على الإرهاب وسياسات مواجهته تنتمي إلى عوالم ملتبسة ومشتته وقاصرة، الأمر الذي تنتمي إليه سار التحالفات التي تشكلت منذ الحادي عشر من سبتمبر لمكافحته، ويبدو أن التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنت عنه السعودية لا يخرج عن هذا السياق، فالدول الإسلامية الـ 34 التي أعلن عن انضمامها للتحالف الجديد منضوية بطرائق عديدة تحت لواء تحالف مكافحة الإرهاب الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
لعل الدهشة والغرابة في استراتيجيات حرب الإرهاب لا تنقطع، لكن الأمر المتعلق بتشكيل تحالف عسكري إسلامي لحرب الإرهاب هو الأكثر دهشة وغرابة، فقد أعلن عن تأسيسة بدون اجتماع تأسيسي أو تنسيقي، حيث أعربت مجموعة من الدول عن دهشتها من إعلان السعودية ضمها لتحالف عسكري جديد بقيادتها لمكافحة الإرهاب، وقال مسؤولون من باكستان وماليزيا وإندونيسيا إنهم لم يوافقوا رسميا على الانضمام إلى التحالف، وبهذا فإن المسألة لا تعدو مجرد مبادرة أو فكرة ولا تقع بحال ضمن موضوعة التحالفات.
بحسب وكالة الأنباء السعودية، سيشن التحالف الإسلامي المفترض هجماته على الإرهابيين في العراق وسورية ومصر وليبيا وأفغانستان، وهي قائمة أهداف معقدة ومترامية، كما أن التحالف العسكري المفترض سوف يحترم سيادة الدول، لكننا لا نعرف كيف ستقوم قيادة التحالف من مقرها في الرياض بتنفيذ هجماتها على الإرهاب والإرهابيين، مع جهلنا بطبيعة هذه القوات هل هي برية أم بحرية أم جوية، ومع إدراكنا بعدم انخراط العراق ولا أفغانستان في إطار التحالف، فضلا عن كون سورية وإيران لم تنضما إلى هذا التحالف أصلا.
إن التحالفات الإقليمية والدولية لحرب الإرهاب تنطوي على هشاشة واضحة سواء أخذت طابعا دينيا أو سياسيا أو عسكريا، فقد توسعت الظاهرة الإرهابوية وباتت مكونا أساسيا من مكونات العالم الإسلامي الجديد، وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تحديا حقيقيا للاستقرار الإسلامي فإن ذلك يكشف عن كون الأنظمة العربية خصوصا والإسلامية عموما فشلت في تحقيق مطالب شعوبها بالحرية والكرامة والعدالة، وباتت شرعيتها السياسية والدينية في أدنى مستوياتها.
خلاصة القول أن الظاهرة الإرهابوية في العالم العربي الإسلامي ليست غريبة عن مكونات الدولة الوطنية السلطوية، فالإرهاب يستند إلى أسباب موضوعية تتعلق بالسياسات الخاطئة للأنظمة العربية الاستبدادية التي حولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية وفشلت في تحقيق الاستقلال والتنمية والحرية والعدالة والكرامة، كما أن الدول الإسلامية الإقليمية وفي مقدمتها إيران ساهمت في شيوع التطرف والإرهاب عبر نزعتها الطائفية وسياساتها التوسعية، والأهم هو النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ونهجا الإمبريالي المتحالف مع الدكتاتوريات المحلية، والتي اتخذت من موضوعة مكافحة الإرهاب ذريعة لديمومة الإخضاع والتحكم والسيطرة، فقد تكشفت سياساتها عن رطانات بلاغية جوفاء تستخدم للتعمية على أهدافها الحقيقية، فالولايات المتحدة تتحرك في المنطقة على أساس ضمان مصالحها الحيوية ممثلة بالنفط وحماية أمن وتفوق المستعمرة الاستيطانية إسرائيل، ولم تحفل بثورات الربيع العربي ومبادئها المؤسسة على الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، بل كانت الركن الأساس في الثورة المضادة وعملت مع حلفائها من الدكتاتوريين في المنطقة على وأدها والتخلص منها، وبهذا فإن الإرهاب سوف يتنامى مع بؤس الواقع المحلي والإقليمي والدولي، وغياب العدالة والأمل بالتغيير.