شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هل عودة مرسي هي العقدة؟!

هل عودة مرسي هي العقدة؟!
عادت قضية عودة الرئيس محمد مرسي تطرح نفسها من جديد، وهي القضية المثارة منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ولا يخفى على أحد أنها القضية الأكثر حساسية في طرحها داخل معسكر رفض الانقلاب.
عادت قضية عودة الرئيس محمد مرسي تطرح نفسها من جديد، وهي القضية المثارة منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ولا يخفى على أحد أنها القضية الأكثر حساسية في طرحها داخل معسكر رفض الانقلاب، وصار البعض يستخدم “التقية” عند تناولها، فيظهر خلاف ما يبطن؛ ذلك بأن الرأي العام داخل هذا المعسكر لا يتقبل حتى مجرد التفكير فيها بصوت مسموع، وهناك من فعلوا ثم تراجعوا بقوة الضغط الشعبي، بل صارت موضوعًا للمزايدة، يُستخدم في الابتزاز السياسي، كما حدث مع السياسي المخضرم الدكتور أيمن نور، الذي انتهى به المطاف في النهاية إلى إعلان أنه مع عودة الرئيس الشرعي، لوقف حملات المزايدة عليه، التي تستخدم “الجماهير” في حسم الخلاف معه ممن لم يكونوا ضده وهو يدفع بتجاوز هذا المطلب الذي يحول دون “الاصطفاف” الذي لا بديل عنه لاستكمال ثورة يناير!

دعوة عبدالماجد

مؤخرًا، وبعد الذكرى الخامسة لقيام الثورة المصرية، كان الجديد يتمثل في الدعوة الأكثر جرأة من أحد القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية “عاصم عبدالماجد”، الذي طالب الإخوان بالتخلي عن عودة مرسي، باعتبارها الطريق الأصعب. وبنى موقفه على أنها قضية ليست ملحة لدى الناس ولا تشغلهم، ولأن الثورة المصرية هي ثورة الناس، ولن يستطيع تحالف دعم الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين “عمل ثورة في الشارع”، إذن فلا بد من التراجع عن هذا المطلب من أجل قيام الثورة.

غني عن البيان، أن “عبدالماجد”، لم يقل هذا الكلام “دفعة واحدة”، ولكنه لف ودار وأقبل وأدبر، لأنه يعلم أنه يخوض في قضية حساسة، لم تعالج بوضوح حتى داخل معسكر الإخوان نفسه، ومن حساسيتها فقد صار غير المؤمنين بها أو بالثورة نفسها يتكلمون دائمًا كما لو كانوا أمام الكاميرات حيث تجوز “التقية”، ويباح للسياسي أن يناور، حتى لا يخسر جماهيره!

المعروف جماهيريًّا أن “عاصم عبدالماجد”، هو الأكثر غلوًا داخل الجماعة الإسلامية، في حين يمثل تيار السماحة السياسية الدكتور “طارق الزمر”، وهو أكثر ليبرالية وقدرة على استيعاب الرأي الآخر وتقبله، من كثيرين يقولون إنهم ليبراليون، حتى يُخال لي أنه ليبرالي ضل طريقه لتيار يؤمن المنتمون إليه بحكم النشأة والتكوين أنهم يملكون الحقيقة المجردة، ليس في الاعتقاد الديني فقط، ولكن في المجال السياسي أيضًا؛ حيث إن رأيهم فيه هو امتداد لهذا الاعتقاد!

ويبدو واضحًا أن عاصم عبدالماجد، صار يميز في دعوته الأخيرة، بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي؛ حيث هو أدرى بشؤون دنياه، فليس من الذين يستدعون الاعتقاد الديني في أمر من أمور السياسة، وهناك من ينطلق موقفهم في تمسكهم بشرعية الرئيس من أن له في أعناقهم بيعة!

أنا والرئيس

هناك من ينحازون لمرسي باعتباره الرئيس الشرعي، ولم تكن في أعناقهم هذه البيعة، فقد كان خياري يتجه لانتخاب الدكتور “محمد البرادعي”، وعندما لم يترشح انتخبت في الجولة الأولى “عمرو موسي”، ولم أكن من عاصري الليمون في الجولة الثانية، الذين انتخبوا الدكتور “محمد مرسي” على قاعدة أخف الضررين، عندما كانت المفاصلة بين “مرسي” والفريق “أحمد شفيق”!

كان رأيي أن ما قمنا به نصف ثورة، لا تملك قدرة من داخلها لمجابهة التحديات، وانتخاب شخصية معروفة ومن سياق الحكم إقليميًا سيخفف من حدة التربص بها، ولو كانت ثورة كاملة فلن يكن الرئيس “محمد مرسي” هو خياري المفضل، بل لم يكن صوتي الانتخابي من حظ أي من المرشحين الإسلاميين الثلاثة: “مرسي، وسليم العوا، وعبدالمنعم أبو الفتوح”!

وقد كنت وأنا المعارض للحكم الإخواني، لست فقط ضد الدعوة للإطاحة بالرئيس ولكن ضد الانتخابات الرئاسية المبكرة، نزولًا على قيم الديمقراطية، وكنت مع أن يكمل دورته وبعد ذلك “يحلها الحلال”، ولهذا رفضت (30) يونيو وما أنتجته، ولا حل يرضيني إلا بعودته، وفي لحظات يستبد بي اليأس بعدم قدرة “الحراك الثوري” على ذلك، فلم يكن العجز الذي هو غاية قدرتي يدفعني للتخلي عن المطلب، فلست من الذين ينحازون للحق لأنه سينتصر، فأنا معه وإن كان ضعيفًا بلا أنصار.

وأعلم أن السياسة هي “فن الممكن”، لكن اعتقادي أن موقعي الدائم هو في صفوف المعارضة، يخفف من وطأة هذا الموقف، فمن يملك القدرة على الانتصار بفن الممكن، فهذا حقه، فلينتصر وسأعارضه، وأؤمن بأن من يده في الماء ليس كمن يده في النار، وأن من المناسب أن تكون الكلمة العليا للمعتقلين وأسرهم، ولأولياء الدم ومن في حكمهم!

لكن، هل فعلًا يعد مطلب عودة الرئيس “محمد مرسي”، هو “العقدة”، التي إذا تم حلها عاد الاصطفاف الثوري من جديد، بما يمكن من قيام الثورة، التي ثبت باليقين أن الإخوان وتحالف دعم الشرعية لن يقدروا على القيام بها؟

الإخوان والأحزاب الإسلامية

أقدر دوافع “عاصم عبدالماجد”، فحديثه جاء بعد خيبة الأمل التي مني بها تيار الشرعية بعد تحول الذكرى الخامسة للثورة إلى فعاليات هزيلة بالمقارنة بما جرى في العام الماضي، وإذا كنا لم نسلم بأن تكون هناك ثورة في هذا اليوم، فقد كان يحدونا الأمل أن نرى موجة ثورية، وبعيدًا عن حسابات العاطفة، فإننا نخسر في كل يوم يمر، ولو كانت هذه حدود قوة الجماهير، لتم التماس العذر لها، لكننا نعلم أن الحراك يتم بتوجيه من التنظيم، والذي يبدو في قمته ليس باحثًا عن عودة مرسي بقدر بحثه عن سادات جديد، يضمد جراح مرحلة عبدالناصر!

وهناك من لا يمانعون في أن يكون “عبدالفتاح السيسي” هو عبدالناصر والسادات في الوقت نفسه، وأن تسوية الحد الأدنى مقبولة لديهم، فلا ثورة ولا شرعية، وإذا كانت عودة العلاقات المصرية-التركية محتملة، فيتمنون أن تكون هذه فاتحة خير لتحقيق تسوية الحد الأدنى، وهي إذا تحققت في يوم ما، فستكون بين “السيسي” والإخوان، ليسري على الأحزاب والقوى الأخرى المكونة لتحالف دعم الشرعية، المثل الدارج: “العروس للعريس والجري للمتاعيس”!

وفي الخارج، لا تبدو جماعة الإخوان مفتوحة على حلفائها؛ ولكنها منغلقة على التنظيم، ولم تتصرف على أنها جماعة حاكمة مسؤولة عن أوضاع كثيرين كان الانقلاب سببًا في هروبهم، فقد حرص الإخوان على ألا يتحملوا تبعات ما جرى، فضلًا عن أنهم لا يشركون هؤلاء الحلفاء في التفاصيل، وإذا قبل حزب “البناء والتنمية” هذه العلاقة من قبل على قاعدة أن الإخوان هم الجماعة الكبرى “التي تفهم أكثر منا في السياسة”، فلا أعتقد أن الحال الذي يلمسه الجميع يسمح بهذا التسليم للأخ الأكبر صاحب الخبرة السياسية، فقد تبين أنه لا خبرة ولا يحزنون، ولعلهم يصدق فيهم قول القائل: حشود خلفك في الدرب سارت لينهض شيء صحيح.. فما نام إلا الصحيح!

كان الإسلاميون من الجماعات الأخرى في قلب الحراك الرافض للانقلاب، لكنهم لم يشاركوا في أي حوار مع الوفود الغربية التي تقاطرت إلى “رابعة”، في لقاءات مع رموز إخوانية، كانت تنقل ما تم لقيادة الجماعة، ولا يعرف الحلفاء ما دار فيها إلا بالمعلن على المنصة أمام الجميع، ولم يشغلهم أن يعرفوا، فقد كانوا قانعين بدور “الأخ الأصغر”، الذي يترك القضايا الكبرى لشقيقه الأكبر صاحب “الخبرة السياسية”، لكن الأيام أثبتت أنه كان فقط “أعور” وسط “عميان”. ومعذرة للتشبيه فالقافية حكمت.

وعندما تأكد الشقيق الأصغر في المحنة أن ثقته لم تكن في محلها، لم يجد معاملة تليق بالاكتشاف الجديد، وأنه شريك وليس تحت الوصاية لفقدانه للأهلية القانونية، ووجد نفسه أمام أسوار تنظيم منغلق على نفسه وعلى أعضائه، ولا يسمح بأن يشرك غيره في أمر من الأمور، وباعتبار أن ما جرى هو شأن إخواني وليس قضية الشعب المصري، أو قضية الذين انتخبوا الرئيس.

ضحايا حرب

لو حدثت تسوية الحد الأدنى فلن يكون حزب “البناء والتنمية”، الجناح السياسي للجماعة الإسلامية طرفًا فيها، وسوف يتحول أعضاؤه إلى “ضحايا حرب” لا سيما في الخارج. ولعل هذا ما دفع “عاصم عبدالماجد”، إلى التخلي عن تشدده، والدعوة للتخلي عن عودة الرئيس مرسي، لاعتقاده أنها تحول دون الاصطفاف، الذي لا بديل عنه لعودة الثورة. فالإخوان يفتقدون للقدرة وللرغبة في القيام بها وفعاليات الذكرى الخامسة خير شاهد على ذلك، والثورة لكي تنجح يلزمها أن تنحاز لها القوى المدنية!

ومعروف أن الحركات السياسية “إياها”، قد وضعت شروطًا للاصطفاف هي التخلي عن شعار “رابعة”، وعن عودة مرسي، وعن إدانة 30 يونيو، لتحقيق “خلطة كنتاكي” السرية، فتقوم الثورة في اليوم التالي. وهذه الشروط التي وضعت هي بسبب أن القوى الإسلامية مأزومة، وتريد أن تتعلق في “قشاية”، ولو كانت حركات ليست أكثر من لافتة وشعار!

الذي لا يعرفه كثيرون، أن هذه الحركات وإن كانت تجد قبولًا غربيًا، فإن هذا القبول لا يمثل لها قوة الآن، وهي بحاجة للاصطفاف الثوري أكثر من غيرها؛ لأن ملفاتها فتحت ولن تتوقف عند اعتقال بضعة أشخاص، وقضايا مثل التمويل الأجنبي والعلاقة بالسفارة الأجنبية ستحال للقضاء، وستصدر فيه أحكام بالإدانة وقد بدأ التشهير بهم إعلاميًا بعد انتهاء شهر العسل مع الانقلاب!

إن الدعوة للتخلي عن عودة الرئيس من أجل الاصطفاف مع حركات الكفاح الفاشل، هي أقرب للدعوة للتخلي عما في اليد بحثًا عما في الجيب. لا مرسي هو العُقدة، ولا 6 لإبريل هي الحل!.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023