شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

محنة الإخوان بين الاصلاح والرئاسة «1-2»!

محنة الإخوان بين الاصلاح والرئاسة «1-2»!
منذ فجر جماعة الإخوان في الإسماعيلية عام 1928م كان الإمام "حسن البنا" يدرك أن الأمر فيه إيقاظ للأمة، وشحذاً لهمتهما، وإعادة لها إلى طريق الحضارة، ومما أورده "البنا" في مذكراته "مذكرات داعية" كدليل على عمق هدف الجماعة وبساطته
منذ فجر جماعة الإخوان في الإسماعيلية عام 1928م كان الإمام “حسن البنا” يدرك أن الأمر فيه إيقاظ للأمة، وشحذاً لهمتهما، وإعادة لها إلى طريق الحضارة، ومما أورده “البنا” في مذكراته “مذكرات داعية” كدليل على عمق هدف الجماعة وبساطته ونزاهته عن كل ما يخص الدنيا، إنه والحاضرون لما اتفقوا على الهدف من الجماعة الدعوية التربوية سأل أحد الحضور، وكانوا قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة، فتمهل البنا قليلاً ثم قال:
ـ نحن إخوان ونحن مسلمون إذن فليكن اسم الجماعة “الإخوان المسلمون”!
 
لم يكن من أهداف البنا أن يكون رئيساً للجماعة أو أن تكون له السيادة إن استطاعت الجماعة الأخذ بيد مصر والأمة نحو الرقي والرفعة، وإنما كان يُدرك إن الأجر والثواب من رب العباد، وكلماته عن التضحية في سبيل رفعة الأمة أكثر من أن تحصى، وكان يُوصي بها الجماعة كلها، ومع أدبيات الجماعة الشديد الوضوح في إن غايتها اصلاح المجتمع والعالم دون أن تكون للجماعة السيادة، ومع معترك التفاعل مع البيئة المصرية والعربية، من إنشاء للجهاز السري، وإرسال كتائب من الإخوان إلى فلسطين مع الجيش المصري قال البنا: 
لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ لعكفت على تربية الناس في المسجد ولما خرجت منه ..!
فلقد علم الرجل إنه إنما أُوتي من جراء عدم وضوح الرؤية لدى أتباعه من الأساس بهدفهم، أو فلنقل عدم وضوحها لدى جزء فعال منهم، وبالتالي إلحاحهم عليه بخروج كتائب إلى فلسطين، وتكوينه الجهاز السري ثم خروجه عن النسق الإخواني بل عدم طاعته للبنا نفسه على النحو المعروف من اغتيال النقراشي وغيره من الأمور ..

الشاهد إن الجماعة التي أدبياتها وطريق حياتها خدمة المجتمع والأخذ بيده نحو الرفعة والازدهار في الدنيا، ومن ثم طاعة الله أخذت منحناً آخر بداية من حياة مؤسسها، ولنلاحظ اللقب الذي اختاره لنفسه، المرشد العام، في إشارة إلى تبعية الجماعة له تبعية معنوية تُعيّن على أمرهم وتكسبه مكانة لها جلال المشورة وبهاء الحرص على المصلحة دون رفعة للمرشد عليهم أو سيادة له، وبعد وفاة البنا جنحتْ الجماعة إلى مزيد من الانهماك في السياسة، على غير رغبة البنا نفسه في التراجع عما ألم بالجماعة، وما أصابها نتيجة ذلك الجنوح، وكانت أحداث 1954م وتقديم الجماعة للراحل جمال عبد الناصر لحكم مصر، بل مناصرته لكي تكون له اليد الطولى في الأمر، وكان أن انقلب عليها عبد الناصر في المحنة الأولى المعروفة ومن بعد عام 1966م، وتم الزج بخيرة شباب الجماعة إلى المعتقلات، ومنهم من تم قتله، ومنهم من أفنى عمره، وتاهت مصائر أسر وأبناء وبنات، وفي النهاية لم يكن من حل للأمر سوى إشارة أطلقها الراحل محمد أنور السادات، وقد تولى حكم مصر بعد رحيل عبد الناصر، بعودة الإخوان إلى الحياة في مصر، هكذا دون محاسبة أو قصاص من الذين أذاقوا الجماعة الويلات في عهد سابقه، ولسنا في حاجة هنا للقول إلى إن قتلة البنا نفسه لم تتم محاسبتهم بقوانين الدنيا.

 
ومن بعد المحنة الاولى، والاولى مكررة، أفاقت الجماعة في 2011م على محاولة للثورة من قبل الشعب المصري، ومن نتيجتها أن عرضت الجماعة مرة ثانية للرئاسة في أبريل 2012م، وظنت أن تمام تعلمها من المحنة الاولى وتابعتها أن ترشح أحد أعضائها، فلما تم رفض ترشحه لم تتوقف لدى المنع نفسه، وعدم قدرتها حتى على اختيار الذي يمثلها، وهو مؤشر على تملكها من أمر الدولة التي تريد حكمها شيئاً، وإنما رشحت الجماعة آخر، ثم دارت الأمور دورتها وصولاً للمحنة الأشد في تاريخ الجماعة كلها .. 
 
والشاهد إن الجماعة الاصلاحية التي من أبرز مقوماتها السرية وروحها صارت في مهب الريح إذ مطلوب منها أن تقف على النقيض من أسس تكوينها نفسها، فتقبل أن تتعامل مع دولة قامت على أسس بالغة الفساد من حصيلة حكم حسني مبارك ومن قبله العسكر، وهو الحكم الذي لم يترك في مصر حجراً في مكانه على آخر، وكانت الجماعة تحسب إنها بالمثل والمبادىء ومن قبل تعاليم الدين التي تنتهجها يمكنها أن تتعامل مع النظم المباشرة وغير المباشرة المترتبة على السياسة الدولية والمحلية بما تحمله من قذارة ونفعية ..
 
تمام مشكلة الجماعة بخاصة بعد الأزمة الأخيرة بالتحديد إنها لم تعد هي، لم تفهم إنها دخلت معترك السياسة خطأ، وإن الأولى بها التراجع عنه لا الثبات المطلق على مطالب لن تتحقق لها في القريب ولا البعيد، فمع احترامي لن يعود الرئيس محمد مرسي إلى الحكم من جديد شآءت الجماعة أم أبت، وخطوة الشرعية وحشد الجماهير المترتبة عليها كان من الضروري أن تعرف الجماعة إنها محض محاولات فشلتْ بوضوح، مثلما فشل جنوحها إلى حكم مصر من قبل عبر الثورة، وإنها مدعوة لمراجعة أدبياتها وفق تصريحات البنا في نهاية حياته التي نقلها عنه الدكتور محمد فريد عبد الخالق في برنامج “بلا حدود”، إن الجماعة أهرقتْ وضيعتْ كل مقدراتها في سبيل “رئاسة وحكم” ليس من أهدافها ولا مقراراتها ولا سبيلها ولا غايتها، وإن قال قائل إن غاية الجماعة الحكم بما أنزل الله قلنا إن ذلك عبر منظومة من الاصلاح تبدأ من الفرد ثم الأسرة ونهاية بالمجتمع، وليس عبر ثورة لم تتأكد الجماعة من إنها كذلك، وإنها لم تكن محاولة من الجيش للسيطرة على مبارك وحلمه بتوريث مصر .. ومن ثم احتواء الجماهير الناقمة الغاضبة على سوء أوضاعها، ثم يعود سوء الأحوال إلى وضع أسوأ لكن بعد مجىء عسكري جديد لحكم مصر!


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023