وصف عدد من الخبراء السياسيين، في تصريحات لـ”رصد” خطاب السيسي الذي ألقاه اليوم خلال خلال افتتاح مؤتمر “استراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030” بالقاهرة بأنه كشف عن شخص غير متزن ويفقد الكثير من الثقة في النفس والخطاب الجيد، لافتين إلى أنه حاول خلال الخطاب أن يصنع من نفسه فرعونا جديدا.
وكان عبدالفتاح السيسي قد تحدث اليوم خلال فعاليات تدشين المؤتمر، عن التحديات التي تواجه مصر وسبل مواجهتها، لكن خطابه أثار ضجة واسعة بين السياسيين والنشطاء.
وبشأن تحليل الخطاب قال محمد سيف الدولة، الباحث في الشأن القومي، خطاب السيسي من حيث الشكل، انقسم إلى قسمين:
الأول: وهو القسم الذي قاله من مقعده في الصالة مقاطعا المتحدثين، وهذا القسم اتسم بالتفكك الشديد واضطراب الأفكار وفقر المفردات، لم يكن قادرًا على تقديم فكرة واضحة أو تكوين جملة مفيدة، بعكس كلمته الرئيسية التي حملت رسائل محددة.
وفي تصريح لـ”رصد” فند سيف الدولة رسائل خطاب السيسي في 10 نقاط:
أولا: موضوع المؤتمر ذاته مصر ٢٠٣٠ يحمل محاولة للرد على من يتهمونه بغياب الرؤية، بأن هذه هي رؤيته لمصر في الـ١٥ سنة القادمة، ورغم ذلك فإن ما ورد في كلمات المتحدثين لا يخرج عن كونه عناوين عامة تقليدية مكررة لا تجيب عن الأسئلة الرئيسية والصعبة حول الانحيازات الرئيسية للنظام اقتصاديا وطبقيا واجتماعيا، أو سياسيا وديمقراطيا على المستوى الداخلي، أو وطنيا وعربيا وإقليميا ودوليا على المستوى الخارجي.
ثانيا: جاء حديثه عن الإنجازات بالأرقام وبالأموال التي صرفت عليها، ومعاتبته الرأي العام على عدم تقديره لما تم، ليعبر عن شعوره بما طرأ على شعبيته من تراجع كبير.
ثالثا: حملت مطالبته للمصريين بأن لا يستمعوا إلى أحد سواه، تشكيكا في مصداقية كل ما عداه بما في ذلك الحكومة وكل مؤسسات الدولة، وهو ما يؤكد ما يتردد عن عدم تمكنه حتى الآن من أحكام سيطرته على أركان الدولة، وأن هناك عدة مراكز قوى تشاركه أو تنافسه وتتصارع معه على مساحات النفوذ والسيطرة.
رابعا: ارتكب خطأين على الأقل يمكن أن يتسببا في إيقاع الضرر بمصالح البلاد، أولهما حين اعترف بأن الطائرة الروسية قد تم تفجيرها بعمل إرهابي في أول اعتراف رسمي من أي مسؤول مصري بهذا الشأن، وهو ما يعرض مصر لدفع تعويضات طائلة لأهالي الضحايا، والخطأ الثاني هو تأكيده للمخاوف الشعبية من احتمال نقص حصة المياه بسبب سد النهضة، حين قال إننا نعالج المياه لتعويض نقص المياه المنتظر أثناء ملء السد، ولقد عبر بنفسه على أن ما يقوله قد يضر بالأمن القومي المصري، في إشارة ضمنية إلى أن إثيوبيا قد تعتبر هذا التصريح بمثابة قبول ورضوخ مصري للمطالب الإثيوبية.
خامسا: حملتْ سلسلة من التصريحات غير اللائقة وغير المتزنة التي وردت في خطابه، مثل: لا تستمعوا لأحد غيري، وأنا مابكذبش، وأنا أفهم كل شيء، وأنا لو ممكن أتباع هاتباع، وأنا هشيل اللي يقرب من مصر من على وش الأرض، وأنا مش ضعيف، وإنتم مين؟ إلخ.
سادسا: قام في خطابه بتكرار ما يفعله دائما من استخفاف وتسفيه للقوى السياسية المدنية، حين ذكر أن نصف أعضاء البرلمان ليس لهم خبرة سابقة لكن مسيرهم يتعلموا، في إشارته الضمنية المكررة بأن العسكريين فقط هم الذين يصلحون للحكم، وهم الوحيدون الجاهزون اليوم ولسنوات طويلة قادمة، كما كان قد ذكرها صراحة في حديثه المسرب مع ياسر رزق في “المصري اليوم”، حين قال له إن المدنيين بعد الثورة كانوا هيودوا البلد في داهية، وإن الجيش هو الوحيد الذي يتخذ قرارات صحيحة، وأنه سيظل في المشهد ١٥ سنة قادمة.
سابعا: أرسل رسائل سلبية إلى الخارج قد تضر بالاستثمار والسياحة، حين قال إن البلد عايشة اليوم بيومه، وإن النقد بيهدد وجود الدولة وبييخوف الحكومة، وكأننا نعيش في دولة متلصمة ونظام من الورق.
ثامنا: اعترف أنهم ارتكبوا تجاوزات ضد الأهالي خلال العمليات العسكرية في سيناء، والاعتراف كما يقال هو سيد الأدلة.
تاسعا: في إشارته إلى أن محمد علي حكم مصر ٤٠ سنة وأنه لم يبن الجيش إلا بعد ١١ سنة، إسقاط مكشوف على نفسه وحكمه، وأن على الناس أن لا ينتظروا أي نتائج قريبة.
عاشرا: وفي حديثه عن أنه فعل أشياء في ٢٠ شهرا، غيره ينفذها في ٢٠ سنة، مبالغة شديدة واستخفاف بالرأي العام، وتزكية مكشوفة غير مقنعة وغير لائقة للنفس.
وأخيرا وليس آخرا، لأول مرة يرد على الدعوات التي تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، حين قال سأظل أبني في البلد إلى آخر حياتي أو إلى آخر مدتي.
فرعون جديد
في السياق ذاته انتقد حازم حسني أستاذ العلوم السياسية تصريحات السيسي قائلا: “إن عبارة السيسي ماتسمعوش كلام حد غيري أنا الوحيد اللي بفهم وبقدر، دليل على أنه لا يرى إلا نفسه وذلك من صفات الفرعون الذي لم يكن يعترف إلا بسواه”.
وأضاف حسني، أن السيسي يوجه رسالة إلى قادة الجيش وليس للشعب، لأنه يستقوي بهم دون شعبه، لذلك فإن الحديث انقسم إلى شقين وهو توجيه أمر إلى الجيش والقسم الثاني كالعادة وهو طلب المال من الشعب.
وأشار حسني إلى أن السيسي بدأ يشعر بالخطر، وكرسي الحكم الذي يجلس عليه لن يدرك أنه غير مستقر وركائزه بدأت تتزعزع من مكانها يوما تلو الآخر، لذلك فلغته بدأت تأخذ منحنى التعبير عن الغضب والتهديد المباشر.
أساء لصورة مصر
وأكد الكاتب الصحفي عبدالله السناوي أن “خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي امتلأ بالكثير من المطبات الخطيرة نتيجة الارتجال الشديد فيه”.
وأضاف السناوي في تصريحات هاتفية لبرنامج “هنا العاصمة”، المذاع على قناة “سي بي سي”، الأربعاء، أن “المطب الأول هو إشارة الرئيس لتعرض الطائرة الروسية لعمل إرهابي من أجل ضرب السياحة المصرية، وهو ما يعد استباقًا لنتائج التحقيقات في هذا الشأن”.
وأوضح “السناوي” في تصريحات إعلامية، أن المطب الآخر هو توجيه الرئيس للمصريين بأن لا يسمعوا إلا منه فقط، مؤكدًا أن هذا المطب أساء لصورة مصر في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بحرية الرأي وتقبل الاختلاف في وجهات النظر.
وقال “السناوي” إن خطاب اليوم أضر بصورة الرئيس بشكل فادح، قائلا: “كانت هناك مشاعر غاضبة أكثر من اللازم أبداها (السيسي) خلال كلمته”.
