المكان أفغانستان .
الزمان نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم.
الروس يجرون أذيال الهزيمة، بعد معارك طاحنة مع فصائل إسلامية أفغانية ومجاهدين من أصقاع الأرض، كان المجاهدون العرب يمثلون الثقل الأكبر لها.
يعيد التاريخ نفسه لكن هذه المرة في سوريا.
كان التدخل الروسي في سوريا يشكل بيضة القبان التي قلبت التوقعات، في بداية التدخل السريع والمفاجئ والذي أعقب انتكاسة كبيرة لحليفه الأسد، المدعوم إيرانياً ومن بعض الحكومات العربية .
حيث شاهد الروس التراجع المستمر لقوات النظام، والتي تعتبر تابعة بشكل أو بأخر للعقيدة العسكرية الروسية تدريباً وتسليحاً وعدةً وعتاد .
الخسائر المتلاحقة في العتاد الروسي، وسقوط طائراته كالذباب في سماء سوريا، جعل الروس يسارعون للتدخل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وبالفعل كان القرار بالتدخل المباشر، وفي جميع الجبهات، وإن كانت الذريعة المستخدمة والشماعة الجاهزة هي مكافحة الإرهاب.
حيث بدأ ظهورهم الفعلي في معارك الساحل مع اتخاذهم مطار حميميم كقاعدة عسكرية، وغرفة عمليات لهم وكذلك في جبهات حماة وحلب .
لكن تركيزهم في الفترة الأخيرة فيما يبدو على حلب، في قراءة استراتيجية واضحة تهدف للقضاء على الفصائل المعتدلة وقطع خط الامداد مع تركيا، والسيطرة على العاصمة الاقتصادية لسوريا، وبذلك تكون ورقة ضغط بيدهم على طاولة المفاوضات.
وبالفعل نجحوا في ذلك لحد معين، حيث استطاعوا حصار حلب وقطع خطوط الامداد عن الثوار في الاحياء الموجودة داخل حلب، خاصة طريق الكاستيلو الذي يعتبر الشريان الحيوي لها.
هذا الحصار، والذي هلل له الاعلام السوري والروسي على حد سواء، واعتبره نصراً استراتيجياً وبداية النهاية لفصائل الثوار.
لكن وفيما يبدو انقلاب السحر على الساحر، فقامت فصائل الثورة وبعد مرور اقل من اسبوع على الحصار الفعلي .
بهجوم شامل يعتبر الاقوى في الثورة السورية، والذي شهد مشاركة جميع الفصائل في الشمال والشمال الغربي .
كجيش الفتح وأحرار الشام وفيلق الشام وفصائل الجيش الحر وفصائل أخرى.
حققت تقدماً سريعًا ومفاجئًا، حيث استطاعت وخلال اقل من ثلاثة ايام فك الحصار ولو جزئيا عن مناطق حلب .
المشهد الأكثر وضوحاً والأكثر إيلامًا للروس أكثر من فشل مشروعهم في حلب .
هو مشهد إسقاط الطائرة الروسية وسحل طياريها، والذي يعتبر إهانة للعقيدة العسكرية الروسية وللجيش الروسي وسمعته القتالية.
مشهد يذكرنا بإسقاط المروحية الامريكية في الصومال والتي اتبعها انسحاب أمريكي منه.
فهل سنشهد انسحابًا روسيًا من سوريا، خاصة وأن شبح أفغانستان لازال يسكن مخيلة الروس، هذا ما تقرره مجريات المعركة ومعطياتها على الارض..
