“البيتزا من الأمريكيين والفودكا على روسيا” بهذه العبارة الموجزة المخزية، وتلك الملامح الصارمة أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” فرض الهدنة على الأراضي السورية بعد انتهاء المفاوضات الروسية الأمريكية التي كشفت اللثام عن حجم التآمر الروسي الأمريكي الاسرائيلي المشين على الشعب السوري طوال خمسة أعوام أتقن فيها كلا منهما تمثيل دور الخصمين المتناحرين في المعركة السورية، ليتضح بعدها بأن عمق التنسيق والتعاون بين البلدين في كل صغيرة وكبيرة في الشأن السوري كان على النقيض تماما مذ اليوم الأول في الثورة! لتقدم روسيا في نهاية المطاف للشعب السوري بزجاجتين من الفودكا ثمنا لدماء أطفاله وجثث شبابه وأشلاء شيوخه، وتقدم أمريكا لهم البيتزا بديلا عن رغيف الخبز الذي يتقاسمه عشرات السوريون “إن وجد”! وبديلا عن المساعدات الإنسانية والإغاثات التي تدعي كذبا العزم على توصيلها الى السوريين المنكوبين.
احتفل ” كيري” و “لافروف” وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أعتى قوتين في العالم، بعد مخاض عسير استغرق قرابة الأسبوعين من المفاوضات الماراثونية وثلاثة عشر ساعة من المباحثات المكثفة، بتحديد “أسوأ مصير” للشعب السوري المستضعف الذي لا حول له ولا قوة، إلا أن استجار من رمضاء قصف نظامه الذي سامه سوء المصير بنار القوى العالمية العظمى التي ظنوا فيها خيرا، وبالإعلان عن تشكيل غرفة عمليات روسية امريكية موحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام، من أجل تمكين النظام وبقاءه في الحكم، وهي الغاية التي سعى لها الروس علنا مذ دخولهم الحرب في سوريا، مستخدمين لذلك شعارات كثيرة تحت مسمى ” لا بديل عن النظام بسبب الفراغ السلطة وفقدان البديل”، ” لا للحل العسكري”، ” لا لضرب معاقل النظام حفاظا على الأقليات”، أما أمريكا التي تعتبر عراب هذه الهدنة والتي لعبت دورا مرحليا فيها، لا تسعى الا الى ابقاء نار المعركة متأججة بين أطرافها لا غالب فيها ولا مغلوب.
استهدفت الهدنة الروسية الأمريكية جبهة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها رغم كل ما أحدثته من تغييرات جذرية في سياستها وتكوينها كانشقاقها عن تنظيم الدولة ومحاربتها له، وتغيير اسمها وفك ارتباطها بالقاعدة، وانشقاق قادتها ومؤسسيها، وتغيير خطابها السياسي وقبولها بكافة مكونات الثورة السورية المسلحة والتنسيق مع العديد منها، وامتناعها عن استهداف حواضن النظام في دمشق والساحل، ورغم كل ذلك بقيت هدفا مهما للأمريكيين والروس بالإضافة إلى جند الأقصى وحرارة الشام وتنظيم الدولة، في حين لم تشر الهدنة لا من قريب ولا بعيد إلى التدخل الإيراني في سوريا والميلشيات الطائفية كالفاطميون والزينبيون وأبو الفضل والنجباء وأكثر من أربعين فصيل شيعي دخل الى الاراضي السورية للمحاربة الى جانب النظام السوري، مما يدل بأن الهدف منها هو القضاء على أي كيان عسكري يمكن أن يشكل خطرا ولو ضئيلا في وجه النظام السوري، وقتل أي توحد أو تقارب بين الفصائل السورية مخافة تشكيل كتلة قوية في وجه النظام.
من المعيب والمعيب جد غياب الفصائل السورية عن مفاوضات الهدنة الروسية الأمريكية بجميع فصائلها، سواء المؤيدة للنظام أو المعارضة له، لا بل والأدهى من هذا والأمر، هو عدم استشارة أيا منهم أو حتى اطلاعه على بنودها أو تفاصيلها، على اعتبار أن روسيا هي المتحدث الرسمي الأوحد باسم النظام وحلفائه والمسؤولة عنه، في حين تعد امريكا ومن خلفها “الشيطان الأكبر” اسرائيل هي عراب هذه الهدنة، اذ لولا نواياها الخبيثة وسياستها المهزوزة تارة والملوية “عن قصد” تارة أخرى، لما تدهور الوضع السوري إلى هذا الحد المشين.