منذ بدايات عام 2017 بدأت هجمات متتالية ضد أقباط سيناء على نحو يُظهر الدوافع الطائفية؛ حيث بلغ عدد القتلى من أقباط سيناء منذ هذا التاريخ سبعة قتلى في أحداث دموية، منها ما وقع أمام أعين المارين في شوارع سيناء.
وبحسب منظمة “سيناء لحقوق الإنسان”، فإنه يبدو من مسلسل الأحداث أن الهدف لا يتوقف عند استهدافهم لكونهم مسيحيين أقباطًا؛ بل يتعدى ذلك إلى تهجير المناطق السكنية الواقعة في شرقي سيناء، ضمن غاية تهدف إلى إفراغ الشريط الحدوي من سكانه الأصليين بغض النظر عن الدين، رغم أن في ظاهره يشير إلى عكس ذلك.
كما أكدت المنظمة أن خيارات الأقباط الساكنين في شبه جزيرة سيناء باتت صعبة ومكلفة إثر تصاعد الهجمات التي تستهدفهم من قبل جماعات مسلحة مجهولة؛ حيث شهد مطلع العام الجاري مقتل سبعة أقباط في حوادث متتالية، بالإضافة إلى تعدٍّ على الملكيات الخاصة بهم.
وقالت في بيان صحفي لها صدر في وقت سابق إن “المصريين الأقباط في سيناء أصبحوا هدفًا لجماعات مسلحة؛ إذ وقعت عليهم عدة اعتداءات يُعتقد أنها قائمة على أساس طائفي وديني، أفضت إلى الموت أو النزوح حفاظًا على الحياة”.
البداية من رفح!
لم تكن الهجمات التي تعرض إليها الأقباط في منطقة العريش بشمالي سيناء هي الأولى من نوعها؛ فمنذ أن بدأ الأقباط بالوفود إلى المدينة وهم يتعرضون إلى مثل هذه الهجمات، وذلك بعد نزوحهم من مناطق رفح الحدودية والشيخ زويد ثم باتجاه العريش؛ على إثر تعرض عدد منهم إلى عمليات قتل وخطف، كما تعرضت دور العبادة إلى الاعتداء أيضًا، منها تدمير كنيسة العائلة المقدسة برفح.
ففي سبتمبر 2012 نشر مجهولون بيانًا كُتب بخط اليد طالبوا فيه السكان المحليين من الأقباط في رفح بترك المدينة، أعقبه وقوع عمليات استهداف مباشر لعدد منهم، كان من بينهم “ممدوح نصيف”؛ إذ أُطلق عليه النار أمام محله التجاري، ولم يصب بأذى، تلا ذلك إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين تجاه منزل “مجدي إبراهيم موريس نيروز” الواقع بحي الصفا، ولم تتمكن السلطات الأمنية من القبض على الجناة؛ ودفعت هذه الهجمات إلى رحيل الأسر بشكل جماعي من المدينة باتجاه الشيخ زويد والعريش أو إلى خارج سيناء.
توسع نطاق الاستهداف في 2013
ويبدو أن هجمات 2017 هي الأخطر؛ حيث شهدت تصعيدًا خطيرًا ضد الأقباط في سيناء، إذ وقعت حالات خطف وابتزاز للعوائل مطالبين إياهم بفدية مالية لقاء إطلاق سراح المختطفين أو قتلهم إن امتنعوا؛ من بينهم:
1- صبحي مسعد إبراهيم، 35 عامًا، يعمل بالتجارة، اختطف من منزله في الشيخ زويد بتاريخ 5 فبراير/ شباط، ثم أطلق سراحه بعد أن دفع ذووه الفدية.
2- وجدي جمال عيد ووالده، اختطفا بتاريخ 26 أبريل/ نيسان في الشيخ زويد، ثم تم الإفراج عنهما بعد يومين عقب أن دفعا مبلغًا كبيرًا.
3- وديع رمسيس، طبيب يمتلك مستشفى خاصًا، تم اختطافه من شارع القاهرة في العريش بتاريخ 14 مايو/ آيار، ثم أطلق سراحه بعد أشهر بعد أن دفع الفدية.
4- جمال شنودة، صاحب محل لبيع مواد البناء، اختطف في 15 مايو/ آيار من حي الصفا بالعريش، ثم أفرج عنه بعد دفع الفدية.
5- مينا متري شوقي، اختطف بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول من محله الواقع في شارع آسيوي بالعريش، ثم أفرج عنه بعد أن دفع ذووه الفدية بأسبوع كامل.
لم تقتصر هذه الفترة على عمليات الخطف والمطالبة بدفع فدية لقاء الإفراج عنهم؛ إذ وقعت عمليات قتل تحمل بصمات الاستهداف على أساس طائفي، منها:
1- مجدي لمعي، 63 عامًا، يمتهن التجارة، اختطف في 6 تموز/ يوليو ثم وجد مذبوحًا في منطقة المقابر شرقي مدينة الشيخ زويد في 11 من نفس الشهر.
2- اغتيال راعي كنيسة “ماري مينا”، القس مينا عبود شاروبين؛ إذ أطلق عليه النار من قبل مجهولين بتاريخ 6 يوليو/ تموز أثناء استقلاله سيارته في حي المساعيد غربي مدينة العريش. وبحسب شهود عيان، فإن ملثمين أطلقوا النار عليه بعد رفضه الوقوف لهم بسيارته، ثم سحبوه إلى خارجها وأجهزوا عليه بإطلاقات نار أخرى.
3- في 1 سبتمبر قتل مسلحون مجهولون “هاني سمير كامل”، البالغ من العمر 37 عامًا، يمتهن التجارة، على طريق “الزهور-المساعيد” بالعريش.
هدوء سبق العاصفة
لم يسجل وقوع أي حوادث على أساس ديني أفضى إلى الموت في عام 2014، كما أن الحوادث التي سجلت في الأعوام التي تلت ذلك العام وحتى نهاية عام 2016 ليست بذات الزخم الذي حدث في 2017؛ على الرغم من أن هذا الهدوء قطعته العديد من الأحداث المؤلمة، منها تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة الذي أودى بحياة العشرات وتبناه تنظيم ما يُعرف بـ”ولاية سيناء”؛ إذ ظهر تسجيل فيديو للتنظيم يتوعد فيه الأقباط بمزيد من الهجمات.
وبشكل عام، فقد وثقّ فريق الرصد والتوثيق في منظمة سيناء لحقوق الإنسان -قبل التأسيس- قيام مسلحين مجهولين بعمليات استهداف متنوعة وقعت على أقباط سيناء؛ منها:
1- مقتل وليم ميشيل فرج، يعمل بمهنة الحدادة وسن السكاكين، قتل بعد أن حاول المسلحون اختطافه وفشلوا؛ مما دفعهم إلى إطلاق النار عليه داخل محل عمله الواقع بمنطقة شعبية بسوق السمك في وسط العريش بتاريخ 23 فبراير/ شباط 2015.
2- في 4 مايو 2015 تم العثور على جثة “مساك نصر الله مساك”، الذي اختطف أثناء عمله بتوزيع مهام حكومية على الوحدات والمراكز الصحية في وسط سيناء.
3- بتاريخ 30 يونيو أطلق مسلحون النار على القس روفائيل في أثناء إصلاحه سيارته في منطقة سد الوادي بالعريش؛ وهو ما أسفر عن مقتله متأثرًا بثلاث رصاصات أصابته مباشرة.
عامٌ يبدو أنه سيكون دمويًا
شهد مطلع عام 2017 عدة حالات قتل وتهديد وإحراق لممتلكات أقباط ومنازلهم، تمكنّت منظمة سيناء لحقوق الإنسان من توثيق البعض منها:
1- أطلق مسلحون مجهولون الرصاص في 30 يناير على “وائل يوسف ميلاد”؛ ما أدى إلى مقتله أثناء تواجده داخل محله في شارع 23 يوليو بالعريش.
2- في 12 فبراير قُتل “عادل شوقي”، يبلغ من العمر 55 عامًا، عن طريق الخطأ من قبل قوات الأمن، أثناء سيره في حي السمران بمدينة العريش.
3- استهدف طبيب بيطري يدعى “بهجت وليم زاجر”، يبلغ من العمر 45 عامًا، أثناء سيره بسيارته الخاصة بمنطقة العبور في دائرة قسم شرطة أول العريش بتاريخ 12 فبراير.
4- في 16 فبراير قتل “جمال توفيق جرجس”، يبلغ من العمر 50 عامًا، يعمل مدرسًا ويتاجر في الأحذية، أثناء تواجده في سوق الخميس في مدينة العريش.
5- في 22 فبراير عُثر على جثماني مواطنين اثنين خلف مدرسة اللغات الإعدادية بشارع سليمان الفارسي بمدينة العريش، أحدهما لـ”سعد حكيم حنا”، 66 عامًا، قتل بإطلاق نار على رأسه، والآخر نجله “مدحت سعد حكيم حنا” يبلغ من العمر 43 عامًا، مغطى جسده بآثار حروق شديدة، ويعتقد أنها سبب وفاته. ووفقًا لسكان محليين، فإنهما اختطفا قبل الحادث بساعات من مسلحين مجهولين.
6- في 23 فبراير، قتل ذبحًا “كامل رؤوف كامل يوسف”، 40 عامًا، على أيدي مسلحين داخل منزله، قال شهود عيان إن الضحية حاول الفرار منهم لكنهم لحقوا به وقتلوه.
ذعر قبطي في سيناء
هذه الحالات وغيرها دفعت أسرًا عدة إلى مغادرة العريش، المدينة التي تحتوي على ثلاثة مواقع تتبع الكنيسة القبطية؛ لأنهم باتوا يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل مستمر.
تضاربت الأنباء حول أعداد الأسر القبطية التي غادرت سيناء؛ فوفق ما تم إحصاؤه من قبل فريق عمل منظمة سيناء لحقوق الإنسان بلغ عدد الأسر القبطية التي نزحت 114 أسرة، بإجمالي عدد أفراد بلغ 379 فردًا.
وفي أعقاب هذه الحوادث، أصدرت الحكومة المحلية في شمالي سيناء (محافظ شمال سيناء) قرارًا يقضي بمنح الأقباط العاملين بالقطاع العام إجازة مفتوحة من العمل، إذا ما رغبوا بذلك، وذلك بعد طلباتهم بمغادرة المدينة لحين استعادة السيطرة عليها.
قال الأنبا قزمان، أسقف عام شمال سيناء: لم يُجبر الأقباط على مغادرة مدينة العريش؛ لكن بعضهم فضل المغادرة مؤقتًا خوفًا من استهدافهم، وإن الحوادث التي وقعت مؤخرًا طالت المسلمين والمسيحيين المقيمين بسيناء على السواء.
وأكدت على ذلك أيضًا السيدة ماري إسكندر، في حوار تليفوني أجراه فريق منظمة سيناء لحقوق الإنسان معها، إذ أشارت إلى أن القوات الأمنية تبذل جهدها من أجل الأقباط، ولم تقصر معهم في شيء، وأن ما يتناقله الإعلام مبالغٌ فيه.
أما منسق ائتلاف الأقباط، أبانوب جرجس، فقد صرح بالقول: “يتعرض الأقباط لعمليات تصفية ممنهجة في سيناء منذ يوليو 2013؛ مما دفع الأهالي إلى ترك مناطق رفح والشيخ زويد والعريش“.
تقول منظمة سيناء لحقوق الإنسان: “استهدف المسلحون مسيحيي سيناء بنحو متكرر ومتواصل في الشهر الأخير، وتشير طبيعة الهجمات التي نفذت عليهم إلى أنها تقوم على أساس طائفي، كما أن الانتهاكات التي تجري في سيناء بشكل عام عادة ما يكون ضحاياها مدنيين“.
وقالت المنظمة إنه “يتعين على السلطات المصرية إجراء تحقيق عاجل مستقل ومدني للكشف عن حقيقة ما يقع من انتهاكات، وتقديم كافة المسؤولين عنها للعدالة، وحماية المعرضين للهجوم، وإنهاء سياسية الإفلات من العقاب؛ إذ إن الأحداث قد وصلت إلى درجة خطيرة من التعدي على حياة الإنسان وكرامته“.
وتذكر المنظمة أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومصر دولة طرف فيه، يُلزمها بتوفير الحماية والتعويض والإنصاف عن الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنوها.