شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأهم فوز الليبيين – فهمى هويدى

الأهم فوز الليبيين – فهمى هويدى
من يقرأ الصحف المصرية والعربية هذه الأيام يلاحظ أن حفاوتها بتقدم الليبراليين على الإسلاميين في الانتخابات...

من يقرأ الصحف المصرية والعربية هذه الأيام يلاحظ أن حفاوتها بتقدم الليبراليين على الإسلاميين في الانتخابات الليبية، يفوق اهتمامها بالإنجاز الكبير المتمثل في إجراء أول انتخابات حرة وديمقراطية في ليبيا منذ أكثر من أربعين عاما، ورغم أن النتائج النهائية للانتخابات لم تعلن بعد، إلا أن التقارير الصحفية تكاد تجمع على أن تحالف القوى الوطنية (الليبرالية والعلمانية) تقدم في الدوائر التي تم فرز الأصوات فيها متفوقا على حزب العدالة والبناء. الذي يفترض أنه بمثابة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وإذا صحت تلك التقارير فإن حزب الإخوان سيمثل المرتبة الثانية، وسوف يقود المعارضة في المؤتمر الوطني العام (البرلمان الذي يفترض أن ينعقد في شهر أغسطس المقبل).

لم أستغرب حفاوة العديد من الأبواق والمنابر الإعلامية بتراجع الإسلاميين وإقصائهم عن المركز الأول في الانتخابات الذي احتلوه في مصر وتونس والمغرب، لكنني استغربت تجاهل أهمية الحدث الأكبر المتمثل في إجراء الانتخابات الحرة، والذي أزعم أنه أحد مؤشرات عودة ليبيا إلى مجرى التاريخ، وانتقالها من طور الضيعة والمزرعة الخاصة إلى طور الدولة التي تعرف المؤسسات ويحكمها القانون.

هذا الخلل في الرؤية لا يفاجئنا كثيرا في مصر، لأننا صادفنا تجليات عدة له بعد الثورة، حيث وجدنا أن أغلب المنابر الإعلامية وعددا غير قليل من الليبراليين والعلمانيين ظل هاجسهم الأكبر هو كيفية حصار الإسلاميين وإقصائهم، حتى أصبح ذلك الهدف متقدما على مطلب تثبيت أقدام الثورة في مواجهة تهديدات الثورة المضادة. وفي الآونة الأخيرة ارتفعت الأصوات عالية في تلك الدوائر معربة عن الغضب لإعادة أول مجلس تشريعى منتخب بعد الثورة، وداعية إلى استمرار المجلس العسكري في الاستئثار بالسلطة التشريعية. ومن أغرب ما تردد في هذا الصدد إعلان الأخيرين طول الوقت عن انحيازهم إلى الدولة المدنية!

إن الذين أتيح لهم أن يروا ليبيا بعد ثورة 17 فبراير يدركون أكثر من غيرهم كيف دمر العقيد معمر القذافي البلد تدميرا كاملا، وأعاده إلى عصر ما قبل الدولة. حيث لا حكومة ولا دستور ولا قانون ولا تعليم أو إدارة أو قضاء، بل ولا شرطة أو جيش. لم يعد فيها شيء غير القذافي الذي كانت أسرته هي شعبه وكلمته هي القانون والدستور وسياسته هي مزاجه الخاص.

وحين يحاول أن ينهض ذلك البلد الذي تصور القذافي أنه حوله إلى جثة هامدة استسلمت له، فإن القضية التي ينبغي أن تشغل الجميع في داخل ليبيا وغيرها هي كيف يمكن أن تقدم له كل صور العون والتأييد لكي يستعيد حيويته وقوامه. وقد أثبتت ثورة الشعب الليبي أنه كان صابرا وكاظما للغيظ ولم يكن مستسلما أو ميتا، وحين انفجر غضبه فإنه صفى حسابه مع العقيد ونظامه. ورد إليه فظائعه التي أنزلها بهم، حتى كان جزاؤه من جنس عمله.

إن إقامة العرس الانتخابي في ليبيا وإتمامه بحرية ونزاهة هي أكثر ما ينبغي أن تحتفي به. ولا يهم كثيرا في هذه الحالة أي حزب نجح وأي حزب خسر، حيث الأهم أن الشعب الليبي كان الفائز في النهاية. علما بأن ذلك الفوز بمثابة الخطوة الأولى على طريق تأسيس الدولة المنشودة التي لم يبق فيها القذافي على شيء. وهو طريق شاق وطويل، ليس فقط لأن البناء فيه يبدأ من الصفر، ولكن أيضا لأن الثورة لا تزال تواجه تحديات كثيرة، خصوصا من «فلول» النظام السابق، التي ما برحت تسعى إلى تفتيت ليبيا وإثارة النعرات القبلية والجهوية فيها.

قلت لمن سألني في الموضوع إن إجراء الانتخابات بحرية ونزاهة هو أكثر ما همني، وأن تقدم الليبراليين وفوز الإسلاميين بالمرتبة الثانية يريحني إلى حد كبير ويقدم خدمة للأخيرين. وحين أستغرب ما قلت، أضفت أن القضية الملحَّة في ليبيا هي إقامة الدولة الوطنية، في حين أن الحديث عن هوية الدولة ترف لا محل له في هذه المرحلة. ذلك أنه ينبغي أن تكون دولة قبل أن تفتح ملف هوية تلك الدولة. وقد كنت أخشى قبل الانتخابات أن يفوز الإسلاميون فيطرحون الهوية قبل الدولة، ويدخلون البلد في إشكالات كثيرة لا أول لها ولا آخر، لأنهم بذلك يضعون العربة أمام الحصان، لذلك فإن النتيجة خدمتهم بأكثر مما أخرتهم.

قلت أيضا إنه لا خوف على الإسلام في ليبيا، فهو ثابت القدم وراسخ الجذور هناك. وقد أدرك ذلك تحالف القوى الوطنية فأعلن عن التزامه بالمرجعية الإسلامية، ولم يشر إلى الليبرالية أو العلمانية في خطابه الانتخابي. وما دام الجميع متفقين على الهوية الإسلامية، فلا يهم بعد ذلك أن يتولى السلطة حزب ليبرالي أو إسلامي أو جامع بين الاثنين. خصوصا أن أحدا لم يتحدث عن إقامة الخلافة الإسلامية في ليبيا. علما بأن الخبرة علمتنا أن أداء الإخوان في المعارضة أفضل كثيرا من أدائهم في السلطة، وهم بحاجة إلى وقت لكي يكتسبوا الخبرة الأخيرة. وإذا لم تصدق فتابع ما يجري في مصر وقارنه بما يحدث في تونس. وادع لليبيين بالاعتبار والتسديد.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023