شهدت الفترة الأخيرة عقب تفجير الكنائس خطابًا تحريضيًّا، سواء من جانب مؤسسات كبرى أو من جانب الإعلام يطالب المصريين بالإبلاغ عن بعضهم البعض بحجة مقاومة العنف والإرهاب، ومتبنيًا حملة لمعاقبة أهالي المتهمين في تفجير الكنائس الذين تبيّنت براءتهم بعد ذلك، وكذلك متابعة صفحات التواصل الاجتماعي والتجسس عليها وإبلاغ الجهات الأمنية؛ بل وصل الأمر إلى تبنّي حملة تحت مسمى “بلّغ عن أيّ إخواني”.
وتبنى الجيش ووزارة الداخلية هذا الاتجاه في بيان صادر عن المؤسسة العسكرية يحمل هذا المعنى، كما أطلقت الدولة يد الإعلام الموالي لها ليعمّق هذا الخطاب ليل نهار؛ على رأس هذا الإعلام مقدم البرامج أحمد موسى، الذي تبنى هشتاجًا للإبلاغ عن أيّ إخوانيّ.
فاشية
وتعقيبًا على ما سبق، قال خالد الشريف، المتحدث باسم حزب البناء والتنمية، إن “مايجري من مطالبات بالانتقام من أهالي المتهمين بتفجير الكنائس بمثابة فاشية سياسية تكرّس مفهوم الثأر والانتقام في المجتمع وتصنع من مصر غابة لا يحكمها قانون ولا دستور”.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”رصد”: الكل يتفق على أن تفجير الكنائس جريمة بشعة تتنافى مع قيمنا وإسلامنا؛ لكن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فلا بد من اتّباع الإجراءات القانونية في المحاكمة العادلة حتى مع المجرمين؛ لكن ما ذنب الأهالي والأسر حتى تتم معاقبتهم، والله يقول في كتابه: “ولا تذر وازرة وزر أخرى”.
وأشار إلى ما يفعله مقدم البرامج أحمد موسى، المقرب من جهاز الأمن الوطني، قائلًا إنه “عين الجنون المهنيّ والأخلاقي؛ فالإعلامي يرصد الحقيقة بكل مهنية دون تجاوز ودون مساس بحقوق الناس، ويكون أحرص الناس على الحريات والديمقراطية وليس البطش بهم؛ فمثل هذه الدعوات أعتقد أنها تكرّس الاستقطاب والانقسام في المجتمع”.
من جانبه، قال الناشط الحقوقي إبراهيم متولي إن “الشحن الإعلامي لمعاقبة أهالي المتهمين في قضايا إرهاب يخالف الدستور والقانون، وهو نهج الصهاينة في فلسطين، وكل الدساتير ترفض معاقبة غير المجرم؛ حتى إن القوانين تعفي الأزواج والآباء والأبناء من إيواء أهاليهم المطلوبين للعدالة”
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”رصد”: المبدأ المستقر أيضًا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وما يجري من جانب الإعلام أو أي جهات أخرى يزيد الكراهية ويشعل الفتنة الطائفية ويزيد القابلية للثأر ويفتح الطريق أمام الجريمة، ودولة القانون يجب أن تحترم الدستور والقانون والمواثيق الدولية وتعظّم حقوق الإنسان على الانتقام.
وأوضح أن إنهاء الاحتقان لا يكون بتوسيع دائرة الاشتباه وتوسيع مجال الإجرام؛ وإنما بتحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان وإفساح المجال أمام الحوار لنزع فتيل الثأر والعنف المتبادل.
بلّغ عن الإخوان!
وفي هذا السياق، أطلق موسى هاشتاجًا جديدًا بعنوان “بلّغ عن الإخوان”، مشيرًا إلى أن “كل شخص كارهًا لجماعة الإخوان عليه الإبلاغ عن أيّ منهم في أيّ مكان؛ فقد حان الوقت لمساعدة البلد”، على حد قوله.
وطالب موسى المشاهدين، عبر برنامجه “على مسؤوليتي” بقناة “صدى البلد”، إلى التفاعل مع الهاشتاج الجديد لمساعدة أجهزة الدولة ومؤسساتها، قائلًا إن الأمن يعمل ليلًا ونهارًا من أجل مكافحة الإرهاب.
واعتبر نشطاء أن هذه الحملة التي يقودها موسى “لعب بالنار”؛ حيث ستؤدي إلى عواقب وخيمة، وهي بوادر دعوة إلى حرب أهلية.
بيان تحريضي
ومن جانبه، أصدر الجيش المصري بيانًا يطالب فيه بإبلاغ الجهات الأمنية بالحسابات المحرّضة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاء فيه: “إلى كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر أو فيس بوك إلى آخره، في حال وجود أي حساب يقوم بالتحريض على مهاجمة أو قتل رجال الشرطة والجيش أو التحريض على عمليات، تبليغ الجهات الأمنية بالحسابات المحرّضة على مواقع التواصل الاجتماعي ارهابية او التحريض على العنف او نشر اكاذيب وبث فتن تدعو لشق وحدة الصف او تمس امن مصر القومي، او حسابات تقوم بنشر صور او عناوين او اسماء رجال شرطة او جيش برجاء عدم عمل ريبورت سبام لمثل هذه الحسابات وانما القيام بأخذ صورة من اسم الحساب واضافة الصورة اذا كانت متوفرة لصاحب الحساب او الصفحة واخذ صورة من التويتة او البوست وارساله على العناوين التالية لمساعدة رجال الشرطة والجيش في ضبط العناصر الارهابية والمحرضة – اذا لم تتمكن من اخذ صور من الحساب، ارجو ارسال بيانات الشخص المحرض لي من خلال الموقع وسوف اقوم بأخذ الصور والابلاغ عنه.
هناك ايضا فيديوهات تم نشرها مؤخرا لأفراد يرتدون زي جيش او شرطة ويحرضون على شق وحدة الصف ويدعون كذبا انتمائهم لمؤسسة الجيش – هذه حرب نفسية يقوم بها جماعة الاخوان الارهابية في محاولات يائسة بائسة لشق الصف وترويع الشعب المصري – من يقوم بعمل هذه الفيديوهات لا يمت بصلة للقوات المسلحة او الشرطة لا من قريب ولا من بعيد نرجو ايضا الابلاغ عن اسم الحساب على اليوتيوب الذي يقوم بنشر مثل هذه الاكاذيب لأن هذه جريمة ونشر اكاذيب تمس امن مصر القومي ووحدتها
ونشر البيان ايميلات وزارة الداخلية لإرسال بلاغات بالحسابات المحرضة
نبذ الكراهية
وفي المقابل دشَّن أكثر من مائة شخصية مصرية، اواخر العام الماضي بينهم سياسيون ونشطاء وأكاديميون بارزون، ميثاقاً وطنياً، قالوا إنه يسعى لإنقاذ بلادهم ووقف خطاب الكراهية والعنف، وتشكيل لجنة حكماء لإتمام ذلك، وهي الوثيقة الأولى منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي تجمع عدداً كبيراً من المختلفين سياسياً، وفق الأكاديمي المصري حسن نافعة، أحد الموقعين.
ووقع على بيان التأسيس أسماء معارضة من كل التيارات من داخل وخارج مصر، لاسيما القيادة العليا بجماعة الإخوان المسلمين، بخلاف مؤيدين سابقين للنظام المصري الحالي، ووصلوا إلى 160 شخصاً حتى صباح اليوم الأحد.
ووفق البيان، فمن بين أبرز الأسماء الموقعة: أيمن نور، المرشح الرئاسي السابق، وحسن نافعة، وسيف عبد الفتاح أستاذا العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والسفير المتقاعد إبراهيم يسري مساعد وزير الخارجية الأسبق، والفنانان هشام عبد الله وهشام عبد الحميد، وحازم عبد العظيم الناشط المصري أحد أعضاء حملة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء ترشحه للرئاسة عام 2014.
ومن بين الموقعين أيضاً، إيهاب شيحة رئيس حزب الأصالة (سلفي معارض)، ومحمد محسوب وزير الشؤون القانونية الأسبق، والبرلماني السابق حاتم عزام، والناشطة السياسية غادة نجيب، ورئيس حزب البناء والتنمية (إسلامي معارض) طارق الزمر، والناشطة الحقوقية نيفين ملك، والمرشح السابق لمنصب نقيب المحامين منتصر الزيات، والناشط السياسي رامي جان، والمحامي اليساري طارق العوضي، والعضو السابق بلجنة الخمسين لوضع الدستور عام 2014 صلاح عبد الله، والبرلماني السابق محمد العمدة.
أما من جماعة الإخوان التي تعتبرها السلطات المصرية تنظيماً إرهابياً فجاء محمود حسين أمين عام الجماعة، وقطب العربي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة، وأسامة سليمان محافظ البحيرة الأسبق، وصلاح عبد المقصود وزير الإعلام الأسبق، وأيمن عبد الغني القيادى بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي للجماعة المنحل)، وهمام على يوسف عضو مجلس شورى الجماعة (أعلى هيئة رقابية).
وتحت عنوان “أوقفوا خطاب الكراهية”، أكد بيان الميثاق الوطني الذي أعلن عنه 3 مبادئ هي أن “فُرقة شركاء ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك الثغرة التي نفذت منها رياح عاتية أجهزت على مكتسباتها، وأهدرت الكفاح من أجله “(..) وأن خطاب الكراهية ينسف أسس الوفاق الوطني”.