شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحقيقة الصريحة: النفوذ الأميركي بدأ يتلاشى! – توم سويتزر

الحقيقة الصريحة: النفوذ الأميركي بدأ يتلاشى! – توم سويتزر
ترجمة: صفاء مسعود بدأ النفوذ الأميركي يتلاشى في القمم العالمية، بدءاً من مجموعة...

ترجمة: صفاء مسعود

بدأ النفوذ الأميركي يتلاشى في القمم العالمية، بدءاً من مجموعة العشرين، مروراً بمؤتمرات مناخية حين أصر الصينيون على متابعة مسارهم نحو الازدهار، وصولاً إلى المحادثات الأمنية حيث رفض الباكستانيون نسف علاقة أجهزتهم الاستخبارية وحركة «طالبان».

مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية بعد أربعة أشهر فقط، تركز الطبقة السياسية ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة على مسائل يومية مملة مثل حجم الدين وفرص العمل والضرائب.

لكن في أوساط السياسة الخارجية، تتعلق أبرز مشكلة يواجهها الأميركيون بإيجاد طريقة للحفاظ على لقب أقوى بلد في العالم على الرغم من الأعباء التي تترافق مع هذا اللقب. في هذا الصدد، قال الصحافي اليساري الليبرالي المرموق إي. جيه. ديون: “التراجع الأميركي هو الشبح المخيف الذي يطارد سياستنا”.

لكن يصر مرشحا الرئاسة على أنهما يسعيان إلى ضمان تفوّق الولايات المتحدة في العالم.

أعلن الرئيس باراك أوباما خلال "خطاب حالة الاتحاد" هذه السنة: "كل من يقول إن الولايات المتحدة بدأت تتراجع وإن نفوذنا يتلاشى لا يعرف ما يقوله".

كذلك، لوّح المرشح الجمهوري ميت رومني بإطلاق "قرن أميركي" جديد، وكان هذا المفهوم قد ورد سابقاً في مجلة “تايم” بقلم مؤسسها هنري لوس لوصف الهيمنة الأميركية على العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

وفق كلمات المعلق البارز روبرت كاغان الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد والذي أثر في المرشحين معاً، “تتمتع الولايات المتحدة بقدرة فريدة وغير مسبوقة على كسب تأييد المجتمع الدولي وضمان أن يقبل بواقع النفوذ الأميركي”.

لكن يقرأ الأميركيون يومياً عن تراجع نفوذ بلدهم وقوته.

لقد ضعفت عملة الدولار، وأصبح الدين موازياً للأعباء الأوروبية، وبدأت البنى التحتية تتصدع، وأصبح النمو الاقتصادي جامداً بشكل غير مسبوق بالنسبة إلى بلدٍ خرج من حالة الركود منذ ثلاث سنوات.

يبدو أن النظام السياسي المنقسم مرتبط بمصالح خاصة. في ما يتعلق بهزم المحاربين القبليين في المجتمعات المتخلفة، تفتقر الولايات المتحدة إلى البراعة وتتعثر وتتعرض للهزيمة وتفقد هيبتها.

في مرحلة سابقة من هذا العهد الرئاسي، لوّح الرئيس أوباما بإطلاق بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين، لكن سرعان ما تراجعت شعبية الولايات المتحدة مجدداً في العالم الإسلامي، فقد انخفضت نسبة تأييدها في مصر وتركيا وباكستان إلى مستويات أقل من تلك المسجلة في عام 2008، أي السنة الأخيرة من عهد جورج بوش.

لكن لا تتعلق المشكلة الفعلية بانتشار مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة، بل تكمن المسألة الأكثر خطورة في واقع أن واشنطن فقدت مصداقيتها وامتيازاتها وبالتالي خسرت قدرتها على القيادة وإقناع الغير. يتم تجاهل مطالب واشنطن بشكل متزايد من جميع الأطراف، بدءاً من خصومها التقليديين في طهران وبيونغ يانغ وصولاً إلى أبرز متلقي المساعدات الأميركية في القاهرة والقدس.

بدأ النفوذ الأميركي يتلاشى أيضاً في القمم العالمية، بدءاً من مجموعة العشرين حيث رفض الألمان مقترحات السياسة المالية التي طرحها أوباما، مروراً بالمؤتمرات المناخية حيث أصر الصينيون على متابعة مسارهم الشائك نحو الازدهار، وصولاً إلى المحادثات الأمنية حيث رفض الباكستانيون نسف العلاقات بين أجهزتهم الاستخبارية وحركة “طالبان”.

لكن حتى في ذروة الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة تسيطر بالكامل على الأحداث الحاصلة في جميع أنحاء العالم، فهي لم تستطع منع الثورتين الكوبية والإيرانية وواجهت هزيمة في فيتنام، لكن فرضت الولايات المتحدة رغم ذلك نفوذاً هائلاً في العالم بعد حقبة الحرب.

اليوم، لا تزال الولايات المتحدة أبرز اقتصاد في العالم، وأهم جهة تصدر عملة الاحتياط العالمية (الدولار)، وصاحبة أعظم جيش في العالم، وترغب بلدان كثيرة حول العالم في الحصول على الحماية الأميركية. في ظل ارتفاع نسبة توافد المهاجرين ومعدلات الخصوبة أكثر من أي بلد متطور آخر، لا تزال الولايات المتحدة في موقع جيد نسبياً للتعامل مع مشكلة توسّع فئة كبار السن.

هذه الأمور كلها صحيحة… لكن النفوذ الأميركي بدأ يتلاشى فعلاً وسيتابع مساره التنازلي خلال ما سماه الصحافي والكاتب الأميركي فريد زكريا “العالم بعد حقبة الهيمنة الأميركية”.

في الفترة الأخيرة، شهدنا ظهور مراكز قوة جديدة في مناطق محورية عدة. لأسباب كثيرة، ستصبح الصين أهم اقتصاد في العالم خلال عقد من الزمن. وبفضل ارتفاع ميزانية جيشها بنسبة 10% سنوياً، قد تستطيع بكين تحويل جزء أكبر من ثروتها إلى موارد عسكرية.

وفق أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد ستيفن والت، إذا كانت الصين شبيهة بجميع القوى العظمى السابقة (بما في ذلك الولايات المتحدة)، فيعني ذلك أن المصالح القومية الحيوية ستتنامى تزامناً مع تزايد نفوذ البلد. كما أن الصين ستحاول استعمال قوتها لحماية نطاق نفوذها المتزايد. قد يؤدي هذا الوضع إلى نشوء منافسة أمنية بين الصين والولايات المتحدة وقد يترافق ذلك على الأرجح مع عواقب وخيمة على أستراليا.

صحيح أن الصين تواجه مشاكلها الخاصة ولكن تلك المشاكل ليست ديمغرافية على الأقل. مع ذلك، من المتوقع أن يصبح البلد أهم اقتصاد في العالم في مرحلة معينة من العقد المقبل. حققت بعض القوى الناشئة، مثل الهند وتركيا والبرازيل، نمواً اقتصادياً واستقراراً سياسياً أيضاً وبدأت تثبت نفسها على الساحة العالمية.

في غضون ذلك، يبدو أن الأميركيين لا يشعرون بأي قلق بشأن السياسة الخارجية، ولم يسبق أن كان الوضع كذلك منذ أيام السياسة الانعزالية بين الحربين العالميتين. في ظل نظام يتأثر بشدة بتوجّه الرأي العام (استناداً إلى استطلاعات الرأي، والإحصاءات، وشبكة الإنترنت الناشطة على مدار الساعة، ووسائل الإعلام)، لم تعد السياسة الخارجية تدخل ضمن أهم حسابات السياسيين.

إنها ملامح العالم الجديد والغريب الذي يواجهه الأميركيون اليوم. لقد اعتادوا طوال حياتهم أن يكون بلدهم الأقوى والأكثر ازدهاراً والأكثر تأثيراً في العالم على المستويين الاقتصادي والثقافي.

بالنسبة إلى عدد كبير من الأميركيين من الانتماءات السياسية والإيديولوجية المختلفة، تعني خسارة الهيمنة العالمية خسارة البلد الذي عرفوه وأحبوه.

كانت وزيرة الخارجية الديمقراطية السابقة مادلين أولبرايت، لا جورج بوش، هي التي أعلنت: "نحن البلد الذي لا يستغني عنه أحد. نحن نقف بكل شموخ ولدينا نظرة ثاقبة للمستقبل أكثر من أي بلد آخر". وكانت وزيرة الخارجية الراهنة هيلاري كلينتون، لا نائب بوش ديك تشيني، هي من قالت: "لطالما تمكن الأميركيون من مجابهة التحديات التي واجهناها. هذه الميزة موجودة في حمضنا النووي. نحن نؤمن بعدم وجود أي حدود لما هو ممكن أو ما يمكن تحقيقه".

لكن يبدو أن التاريخ تجاوز "استثنائية" الحالة الأميركية وتركها وراءه: لقد تخطى العالم قدرة أي دولة على رسم معالم الأجندة العالمية. إذا لم يحضّر الرئيس المقبل مواطنيه لهذا الواقع، فقد تكون ردة فعل الشعب الأميركي تجاه الانتكاسات المحلية والخارجية عدائية وغير منطقية.

* "توم سويتزر" باحث بمركز الدراسات الأمريكية فى جامعة سيدني ومحرر بمجلة سبيكتاتور استراليا



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023