عقب إعلان تعيين طارق عامر محافظا للبنك المركزي المصري في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وقبل تسلم مهام منصبه بثلاثة أسابيع، اجتمع بقيادات البنوك الحكومية الكبرى الثلاثة، وطرح شهادات إيداع بفائدة تزيد عن المعدل السائد لشهادات الإيداع وقتها بنحو 2.5 في المئة، وتلى ذلك رفع فوائد شهادات الاستثمار.
وبرر المحافظ الجديد ذلك بسعيه لدفع حائزي الدولار للتخلي عنه، وتحويله للجنيه المصري للاستفادة من فارق الفائدة الكبير، إلا أن ذلك لم يجلب له حصيلة دولارية مناسبة.
فقام بإصدار شهادة إيداع دولارية باسم بلادي، تزيد فائدتها عن الأسعار السائدة للفائدة على الودائع الدولارية.
وكرر محاولاته لدفع حائزي العملات الأجنبية بالتخلي عنها، من خلال إصدار شهادة إيداع بالجنيه بعائد 15 في المئة، بشرط التنازل عن العملات الأجنبية، لكنها لم تفلح هي الأخرى.
وحاول محافظ المركزي المصري استقطاب حصيلة دولارية من خلال بيع أذون خزانة وسندات خزانة مصرية للأجانب بسعر فائدة مرتفع، ولذلك اتجه محافظ المركزي للسير بمسار زيادة سعر الفائدة، وفي الوقت ذاته اتخذ قرار تعويم الجنيه.
وهكذا، شهدت فترة العام والنصف المنقضية على تولي المحافظ خمس خطوات لرفع الفائدة، بدأها بكانون الأول/ ديسمبر 2015 بنسبة نصف في المئة، وتلاها بآذار/ مارس من العام الماضي، بنسبة 1.5 في المئة، ثم في حزيران/ يونيو من العام الماضي بنسبة 1 في المئة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي بنسبة 3 في المئة، واختتمها في أيار/ مايو الجاري بنسبة 2 في المئة، لتسفر الإجراءات الخمسة عن زيادة للفائدة بنسبة 8 في المئة خلال 18 شهرا، لتصل الفائدة للإيداع في البنك المركزي إلى 16.75 في المئة، مقابل 8.75 في المئة، قبل مجيئه لمنصبه، وهي معدلات تعد الأعلى بدول العالم.
وجاء ذلك على الرغم من تحذير كثير من الخبراء لمحافظ المركزي من رفع الفائدة وسيلة لخفض التضخم بحسب تبريره، على اعتبار أن التضخم الموجود في مصر ناجم عن زيادة التكلفة، وليس بسبب زيادة الطلب على السلع كما يراه المحافظ.
ولهذا أصبح هناك ركود تضخمي انعكس على استمرار ارتفاع الأسعار، رغم ضعف الطلب على السلع بسبب الغلاء المستمر الناجم عن تعويم الجنيه، وزيادة الجمارك على كثير من السلع، ورفع أسعار الطاقة والكهرباء، وفرض ضريبة القيمة المضافة، ما أسفر عن تخطي رقم التضخم الرسمي نسبة الثلاثين في المئة، مقابل نسبة 9 في المئة بالشهر السابق لتعيينه، رغم رفعه للفائدة مرات عدة.
إلا أن المحافظ لم يستجب لتحذيرات الخبراء من أن رفع سعر الفائدة يزيد من التكلفة على الشركات، ما يزيد من تكلفة السلع المنتجة، وهو ما يزيد التضخم ولا يخفضه.
وكذلك التأثير السلبي على الاستثمار وعلى البطالة، وعلى زيادة تكلفة فوائد الديون بالموازنة الحكومية التي تعاني من العجز المتزايد، التي بلغت 381 مليار جنيه قبل الرفع الأخير للفائدة.
وبدلا من أن يزيد المحافظ الفائدة بنسبة محدودة، زادها بنسبة 2 في المئة دفعة واحدة مؤخرا، ما فسره الكثيرون بالانصياع لمطلب صندوق النقد الدولي بزيادة الفائدة لخفض التضخم، للحصول على القسط الثاني من قرض الصندوق البالغ 1.25 مليار دولار.
ولم تلق مبررات المحافظ لرفع الفائدة لسحب السيولة من السوق قبولا، لضعف السيولة أصلا لدى العوام بسبب الغلاء، وصغر عدد المتعاملين مع البنوك من الجمهور إلى نسبة 10 في المئة، إلى جانب استمرار الفجوة الكبيرة بين معدل التضخم الرسمي، الذي لا يلقى قبولا من الخبراء والعوام وبين معدل الفائدة الجديد، وهي الفجوة التي تصل إلى ضعف معدل فائدة، واستمرار فائدة الودائع الصافية سلبية.
وتعجب الخبراء من لجوء المحافظ لرفع الفائدة لسحب السيولة من السوق، في الوقت ذاته الذي يستمر فيه في طبع النقود، الذي بلغت قيمته 142 مليار جنيه خلال ثلاثة أعوام ونصف منذ تولي الجيش السلطة في البلاد.
ولهذا تكهن البعض بأن اللجوء لرفع الفائدة جاء نتيجة ضعف الودائع المصرفية مؤخرا، التي تراجعت أرصدتها بالعملة المحلية للقطاع الخاص ولقطاع الأعمال العام، ولقطاع العالم الخارجي، في كانون الثاني/ يناير الماضي، عما كانت عليه في كانون الأول/ ديسمبر.
خاصة، وأن الحكومة تعتمد بشكل كبير على ودائع البنوك كي تستطيع شراء ما تطرحه من أدوات للدين تسد بها العجز بالموازنة، فكان رفع للفائدة، وهو ما يساعد أيضا على إقبال الأجانب على شراء أدوات الدين المصري قصير الأجل، ما يجلب حصيلة دولارية تم من خلالها رفع أرصدة الاحتياطي من العملات الأجنبية.
والذي يتباهى به المحافظ لاقترابه من الثلاثين مليار دولار، رغم أنه جاء من القروض ومن بيع أدوات الدين بفائدة باهظة، وهناك التزامات خلال العام القادم تستقطع أكثر من نصفه، ما أدى للاستمرار في الاقتراض الخارجي رغم بلوغه أكثر من ضعف الاحتياطي.