في منطقتنا العربية أزمات عدة مشتعلة، لها اتصالها ببعضها، ولها تأثيرها الإقليمي الواسع، ولها انعكاساتها على القضية المصرية والفلسطينية، ولا أبالغ إذا قلت إن التطورات في هذه الجزر وأشباه الجزر تؤثر على العالم كله، بل تكاد تشعل حربا عالمية جديدة.. سنبدأ بإلقاء نظرة عليها جميعا.
أولا: جزيرتا تيران وصنافير
خيانة علنية من عبد الفتاح “سيسي”، انتهت بتوريط جميع مؤسسات الدولة -باستثناء بعض الهيئات القضائية- في جريمة الخيانة العظمى، وعلى رأس المتورطين قيادات القوات المسلحة بأشخاصهم، ومؤسسة الجيش بشخصيتها الاعتبارية.
برلمان العار لم ينج من عاره سوى نائب واحد استقال بعد الجلسة مباشرة، أما النواب الذين ما زالوا يلحسون حذاء السيسي لكي لا يوقع على الاتفاقية فهم شركاء في الخيانة.
لقد قدموا الديكور المعارض الذي أراده مخرج المسرحية.. فشكر لهم.
إنها الخطوة الأولى في صفقة القرن!
يوم أمس الجمعة 16 حزيران/ يونيو 2017 نزلت التظاهرات إلى شوارع مصر وميادينها للمرة الأولى منذ شهور طويلة.
يقيّم بعض الثوريين فعاليات هذا اليوم بأنها أقل مما توقعوه، وهذا حقيقي، ولكن على الجانب الآخر (وطبقا لمعلومات من داخل أروقة الدولة) يعتبر هذا اليوم أكثر بكثير مما توقعته الأجهزة الأمنية، وهو ما دفعها إلى إطلاق الرصاص الحي في بعض الفعاليات التي وصلت لأماكن حساسة، أو التي خيف أن تتوسع.
ضعف الإقبال في نظر البعض له أسباب واضحة … يوم صيفي رمضاني مرهق، وسبقته حملة اعتقالات واسعة في جميع محافظات مصر تقريبا، كما أن التعزيزات الأمنية كانت شديدة الكثافة.
والحقيقة أن السبب الأساس لضعف فعاليات هذا اليوم هو ضعف التنسيق بين أبناء الثورة المصرية.
إن خلق حالة اصطفاف وطني على أرضية الدفاع عن أرض مصر واجب لا يمكن تفويته، خصوصا أن جميع الخلافات تبدو اليوم صغيرة، وكل من يحاول إثارتها يبدو ضئيلا في عيون المصريين اليوم.
أتوقع أن تستمر التظاهرات، وأن تكون قضية الجزر مسارا يجمع الثوار من جديد في زمن ليس بالطويل.
ثانيا: شبه جزيرة قطر
الدولة التي تآمرت عليها قوى الشر، وها هي تلقنهم درسا في الصمود.
الأزمة القطرية تتطور بشكل أسرع مما تخيله كثيرون، وكما قلت في مقالتي في الأسبوع الماضي:
“طالما ظلت هذه الأزمة في حدود الحصار الاقتصادي فسوف تسير الأزمة في صالح دولة قطر، وسوف يجلس أميرها على طاولة مفاوضات بعد أسابيع أو أشهر عدة، وهو في وضع يسمح له بسقف تنازلات محدود، وهامش مناورات واسع”!
ويبدو أن هذا هو ما يحدث بالضبط! استطاعت قطر أن تحصل على صفقة طائرات إف15 في هذا التوقيت الحساس.
حاولت دولة قطر أن تحصل على مقاتلات أمريكية حديثة طوال عشرين عاما، وكانت النتيجة دائما أن يحصل جيرانها، وأن تحرم قطر!
وبعد أزمة عام 2014، وتهديد بعض الدول “الشقيقة” بقصف الدوحة بالطائرات الأمريكية -لك أن تتخيل هذا النوع من الأخوة- اضطرت الدوحة إلى شراء المقاتلات الفرنسية (رافال)، وهي مقاتلة عيوبها كثيرة، وسعرها مرتفع.
ولكن لم يكن هناك بديل في ظل إصرار أمريكا على عدم بيع المقاتلات لقطر، مع تسليح سائر الجيران بهذا السلاح الذي يقلب الموازين. الأزمة القطرية تتجه إلى انتصار قطري كبير، ويبدو أن ذلك سيحدث في وقت أقصر مما توقعه غالبية المراقبين.
إن إسكات قطر، والجزيرة، جزء هام من صفقة القرن التي تتعاون جميع قوى الشر لفرضها على شعوب المنطقة.
ثالثا: شبه جزيرة سيناء
شبه جزيرة سيناء في خطر، فالدولة المصرية تروج أفلاما حقيرة تشير إلى أن سيناء كلها ليست جزءا من مصر (بعد أن باعت تيران وصنافير)!
خلاصة صفقة القرن، أن تتنازل مصر عن أجزاء من سيناء لإقامة كيان فلسطيني، وتصفى القضية الفلسطينية إلى الأبد.
بدأت القصة باتفاقية “كامب ديفيد”، فعادت سيناء وما عادت إلى مصر، ثم حرمت سيناء من التنمية، وكل تنمية طالت سيناء حرم منها أهل سيناء.
ثم جاء الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/ يوليو 2013، وبدأ المخطط بشكل أعنف، وأكثر صفاقة.
الجيش المصري يفجر البيوت، ويمحو رفح المصرية من الوجود.
طائرات الجيش المصري تقصف المدنيين الآمنين بحجج واهية، مع انتهاكات لا مثيل لها، بعضها مصورة بالصوت والصورة.
كل ذلك خدمة لإسرائيل، التي تمنح العملاء الذين يحكمون مصر شرعية وجودهم.
المؤامرة على سيناء هي الخطوة الأخيرة في صفقة القرن!
رابعا: شبه الجزيرة العربية
هناك صراع على حكم شبه الجزيرة العربية، يبدأ من اليمن، ولا ينتهي عند بادية الشام، بل يمتد إلى أعماق العراق والشام.
هذه البقعة الجغرافية يطمع البعض في تغيير خريطتها ضمن فوضى المنطقة العارمة، ولهذا ستجد تضاربا واضحا بين المتورطين في حرب اليمن.
هذا الصراع له علاقة بالصراع على الحكم في دول هامة في شبه جزيرة العرب، وله علاقة بالثورة السورية، وبالتمدد الإيراني في العراق واليمن، وله علاقة هامة بصفقة القرن!
للأسف تتغير الخرائط والتوازنات بما يخدم دائما مصلحة إسرائيل، وبإمكانك أن تمد عينيك إلى الصومال وجزر القمر وإريتريا وإثيوبيا.. إلى الضفة الثانية لترى القواعد العسكرية التي تزداد يوما بعد يوم، والتعاون الاقتصادي الموجه لصالح إسرائيل دائما.. كل ذلك من أجل إعادة تخطيط شبه الجزيرة العربية كلها.
خامسا: الجزيرة
هذه جزيرة من نوع خاص، جزيرة بالاسم، جزيرة افتراضية، إنها قناة “الجزيرة” الإخبارية!
ومن الممكن أن نعتبرها (جزيرة) من المهنية الصحفية، محاطة بمحيطات من الانحطاط الإعلامي من جميع الجهات.
لقد أثبتت الأزمة قدرة الجزيرة على أن تكون على مستوى الحدث، وأثبتت الأزمة أيضا كيف أخطأت الجزيرة في حق مهنيتها حين سكتت عن كثير مما يجري في دول تغطي أحداثها إرضاء لتلك القوة أو تلك.
لقد أثبتت هذه الأزمة أن تمسك الجزيرة بمهنيتها خير لها وأبقى من أن تخضع لأي موازنات سياسية مؤقتة، ولعل تغطيات الحرب اليمنية تكون مقياسا يوضح مؤشر الحرية الحقيقي (حاليا).
اتركوا الجزيرة.. أطلقوا حريتها.. فهكذا نشأت وتابعها الناس في العالم كله، وهي قوة ناعمة يندر أن يكون لها مثيل، وتقييدها خسارة لا تعوض.