قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست: «إن اختيار الدول الأربعة المحاصرة لقطر يوم الثالث من يوليو موعدا لانقضاء مهلة الاستجابة للمطالب لم يكن مصادفة، خاصة أنه الذكرى السنوية الرابعة للانقلاب العسكري في مصر على أول رئيس مدني منتخب».
وأشار هيرست في مقال له ترجمته «عربي21» إلى أن الخليجيين لم ينأوا بأنفسهم مشاركة أحد حلفائهم الذي ارتكب مجزرة في ميدان رابعة العدوية عام 2013، لكن رعاة الانقلاب في مصر تفاخروا بما جرى وهددوا باستخدام الأساليب نفسها مع جارتهم الخليجية، ونشروا بذورا لثورة قادمة لن تكون منضبطة ولا قابلة للتحكم.
وأوضح الكاتب أن الخليجيين «ثملوا من السلطة والنفوذ حتى إنهم يتوقعون إذا ما لوحوا بعصى غليظة أن يخنع الجميع لهم ويخضعوا. هذا ما فعلته البحرين من قبل. أما قطر فمازالت حتى الآن تستعصي عليهم».
وقال إن الثالث من يوليو كان حدثا محوريا لجميع الأطراف، وكان ذلك اليوم بالنسبة للشباب وللقوى التي أطاحت بطاغوتين في كل من تونس ومصر ضربة ساحقة ماحقة، أما بالنسبة لممالك الخليج التي مولت عبد الفتاح السيسي فقد مثل ذلك اليوم انطلاقة الثورة المضادة التي تعضد سلطتهم ،وتركل إلى عقد قادم الانتخابات الحرة.
وأشار إلى أن المحاولة الانقلابية التي حدثت في تركيا العام الماضي والحملة الدعائية على قطر حاليا، ليست سوى الفصل الأخير لا أقل ولا أكثر من العملية التي بدأت قبل أربعة أعوام.
واعتبر هيرست أن «إخراس» قطر مسألة مركزية لنجاح العملية المستمرة من أربعة أعوام متواصلة، بعد دعمها المعارضة السياسية في مصر والمنطقة، ومنح الربيع العربي صوتا من خلال قناة الجزيرة.
وعلى صعيد محاولة السعودية والإمارات إبعاد تهم الإرهاب عنهما، قال هيرست إن المملكة العربية ودولة الإمارات كلما تمادتا مع مصر في الإصرار على أن حملتهم إنما يقصد منها وقف التمويل عن الإرهابيين، سلط الضوء أكثر فأكثر على تواطؤ هذه الدول مع تنظيم القاعدة ومع تنظيم الدولة، ولذلك تراهم يسعون جاهدين الآن إلى التخلص من الأدلة الدامغة ضدهم من خلال كنسها تحت الطاولة.
ولفت إلى أن الأمم المتحدة كشفت النقاب عن أن مصر تحفظت على مقترح للولايات المتحدة الأمريكية، بإضافة تنظيم الدولة في كل من المملكة العربية السعودية واليمن وليبيا وأفغانستان والباكستان إلى قائمة الأمم المتحدة للجماعات والأفراد المشمولين بالحظر، ثم عادت وأعاقت المقترح تارة أخرى في شهر مايو.
ولفت هيرست إلى أن هتاف البعض اليوم لعودة مبارك أو حتى ابنه جمال أمر لا مفارقة فيه؛ لأن الناس تذكره اليوم رئيسا مؤهلا لنظام حكم الأقلية مقارنة بالسيسي المرتشي والأحمق والمخضبة يداه بالدماء.
وعلى صعيد العائلة المالكة في السعودية، قال هيرست، إن روبرت باير العنصر السابق في السي آي إيه الذي ألف كتابا حول عائلة آل سعود وقدر أفرادها بثلاثين ألفا، قال إن ما بين عشرة آلاف واثني عشر ألفا يتلقون رواتب تتراوح ما بين 800 دولار و 270 ألف دولارا في الشهر، وهذه الأرقام عمرها 14 عاما ولربما ارتفعت بشكل كبير منذ ذلك الوقت.
وأضاف: «يمكن للمرء أن يلقي نظرة على تكاليف معيشة العائلة السعودية من خلال الأرقام السحرية المتغيرة لدخل الحكومة، حسبما ورد في الكتاب السنوي للسلطة العامة للإحصاء في تحقيق استقصائي نشر في شهر مايو، لكن المؤكد أنهم لا ينفقون هذا المال على شعبهم بل تجدهم يبحثون باستمرار عن مصادر أخرى للدخل مثل العمال الأجانب».
وأوضح أن الأثرياء والمتنفذين في السعودية بدلا من الاستثمار في الشعوب اختاروا الاستثمار في القمع، وبعد أربعة أعوام بات ملايين الناس من أهل السنة يعانون من التشرد، وتحولت الموصل المدينة الثانية في العراق إلى ركام.
وأضاف: «وانتشر وباء الكوليرا في اليمن على عتبة الباب السعودي، بعد دمار شامل حاق بالبلاد خلال 27 شهرا من الحرب التي يشنها تحالف الرياض قتل ما يقرب من عشرة آلاف شخص، وشرد ما يقرب من 3.1 مليون إنسان في داخل البلاد، بينما يعاني 14.1 مليون نسمة من نقص في الغذاء».
وتساءل هيرست في مقاله: «هل أصبحت الحدود الجنوبية للمملكة أكثر أمنا بعد كل هذا القتل والدمار؟ وهل يشعر اليمنيون بأنهم مدينون للسعوديين أو الإماراتيين بعد ما مروا به من تجارب؟؟».
ولفت إلى أن حال المنطقة ككل لا يختلف عن حال مصر وفي اللحظة نفسها التي يشعر فيها السعوديون والإماراتيون بنشوة النصر، تجدهم في الواقع ينشرون بذور ثورة جديدة عارمة، ولكنها هذه المرة لن تكون ثورة قائمة على الديمقراطية ولا على سيادة القانون، ولن تكون منضبطة ذاتية ولا قابلة للتحكم، ولكنها قادمة لا محالة.