هذه أخطر مرحلة في علاقات إسرائيل بمصر: فنحن ندرس مرسي ومرسي يدرسنا، والجيش المصري يدرس النظام الجديد، وكل واحد من الطرفين يتفحص حدود قدراته. ولم يعد هناك وجود لنفس اللغة التي اعتادوا التحدث بها طيلة الثلاثين عامًا الأخيرة. وهذا الوضع يستدعي عدم التفاهم، واحتكاك في وسائل الإعلام وأزمات.
لا جدل في أنه حينما أدخل المصريون في الأسبوع الماضي عشرين دبابة إلى المناطق المجردة من السلاح في سيناء كان ذلك نكثًا بملحق اتفاقات السلام. فإسرائيل تطلق النار على رجلها. ولا يهم هل فهم المصريون بصورة غير صحيحة التراخيص التي أعطتهم إسرائيل إياها في الماضي أم لا، لأن المهم هو ما إذا كانت الرسالة التي تلقوها من إسرائيل صارمة بقدر كاف أم لا؟
ويزعم المصريون أنهم تلقوا رخصة من إسرائيل لإدخال دبابات بمقدار ما إلى سيناء قبل حوالي عام بعد العملية في شارع 12. وليس هذا كل شيء لأن إسرائيل أجازت حتى إدخال مروحيات هجومية إلى المناطق المنزوعة السلاح. ويقولون في إسرائيل إن المصريين جعلونا نقف أمام حقيقة. ويتبين أن وزير الدفاع عارض إدخال الدبابات بتوصية من الجيش لكنه لم يعارض مروحيات هجومية. وعارض نتنياهو في المقابل المروحيات الهجومية. واتفق الاثنان في نهاية الأمر على أنه يحسن في ضوء الوضع الميداني أن تتم الموافقة للمصريين بصورة متأخرة على إدخال المروحيات وعلى إدخال الدبابات. فكل يوم لا تنفجر فيه معاهدة السلام ويمكن فيه التوصل إلى تفاهمات مع المصريين يُعد ربحًا صافيًا لنا. ما الذي يستطيع المصريون تعلمه من هذا القرار؟ أن إسرائيل مستعدة لابتلاع 'اخلالات ضرورية' بالملحق العسكري لاتفاقات السلام.
ويبدو أنهم في الجهاز الأمني في إسرائيل يتعوجون في قضية الملحق العسكري. فقبل بضعة أسابيع مثلًا حينما قتل عامل من وزارة الدفاع في عملية على الحدود توجهت إسرائيل إلى مصر وطلبت أن يقوموا بترتيب. وطلب المصريون ردًا على ذلك بإدخال دبابات لإجراء قتال فعال. وصاحت وزارة الدفاع قائلة: لا يخطر بالبال هذا الأمر مع ثلاث علامات تعجب. فهذه الدبابات ستقع في أيدي البدو والقاعدة وسنكون في أزمة. وقالوا في الجيش الاسرائيلي وقتها: لم لا؟ فالدبابات لا تعرضنا للخطر بشرط أن يفعل المصريون ما يجب فعله في سيناء. واليوم انقلبت الأمور رأسًا على عقب. فهم في الجيش الإسرائيلي يشدون شعورهم بسبب السابقة الخطيرة وهي نقض اتفاقات السلام، أما في وزارة الدفاع فيقولون: هذا سيء لكن يمكن هضمه. والشيء الأساسي أن نحافظ على رباطة الجأش وألا نضر بمصر.
في مطلع الأسبوع نقلت إسرائيل إلى المصريين رسالة تطلب إليهم إخراج الدبابات من سيناء في الحال بعد أن يتموا العمليات التطهيرية بها. تريد إسرائيل أن تخرج الدبابات لكنها لا تريد ألمس بكرامة الرئيس مرسي ووزير دفاعه ورئيس هيئة اركانه الجديدين. حيث ان المصريين قد يصابون بالبلبلة هنا. فمصر اليوم لا تعمل من رأسها بل من الشارع. والشارع هو الذي يحدد حرية مداورة الساسة ويستطيع الشارع أن يقول: خفنا سنين من تحريك ثقاب في سيناء بغير إذن من الاسرائيليين.
وها هو ذا البرهان على أن مبارك الذي كان ضعيفًا وفاسدًا كان محكومًا لإسرائيل. والآن جاء مرسي وجعلهم يقفون في مكانهم. حتى لو كان في قيادة الإخوان المسلمين وفي القيادة العسكرية العليا من يتفهمون ضبط النفس الإسرائيلي فإن الشارع سيضطرهم إلى تعليم إسرائيل درسًا.
ولهذا يجب أن تكون الرسالة الإسرائيلية واضحة وهي: أخرجوا الدبابات الآن. يريد الجنرالات المصريون الجدد أن يؤثروا تأثيرًا ناجحًا في القيادة العليا الجديدة ويجب عليهم هم أيضًا أن يفهموا أن حياتهم المهنية لن تبنى على حساب اتفاق نزع السلاح من سيناء.
يجب أن يكون في إسرائيل موقف موحد وحاد وواضح وهو أنه لن تكون أية حادثة عسكرية في سيناء بغير تنسيق مع إسرائيل. وإذا لم تكن هذه الرسالة قد أُرسلت إلى الآن بصوت صاف حازم من مكتبي وزير الدفاع ورئيس الوزراء إلى مكتبي وزير الدفاع المصري الجديد السيسي والرئيس مرسي فنحن في مشكلة. يجب إصلاح هذه المفسدة وهي ما تزال صغيرة.