قال جيمس دورسي، الباحث المتخصص في السياسات الدولية، إن هناك تطورين كبيرين ظهرا من خلال الأزمة الخليجية يمكن أن يشكلا مستقبل العلاقات الدولية وكذلك ديناميكية القوة في الشرق الأوسط، وهما قدرة الدول الصغيرة مثل قطر والإمارات على إظهار قوتهم، بجانب التنافس بين السعودية والإمارات والذي أضعف مجلس التعاون الخليجي وتسبب في زيادة حدة الحرب في اليمن.
يضيف دورسي أن كلا من الإمارات وقطر استطاعت تقديم نفسها كمحاور إقليمية وعالمية والتي تبني حافة مجتمعات المعرفة للقرن 21 على قمة النظم الاستبدادية المستندة على القبائل.
ويرى دورسي أنه بداخل الاستراتيجيات المختلفة فضلاً عن مقاطعة عدد من الدول اقتصادياً وسياسياً لقطر، ظهرت رؤى مختلفة لمستقبل المنطقة، من خلال المحاولات الملتوية والدموية للتغيير السياسي، بجانب جهود قوية وغير رحيمة للثورات المضادة لإعادة الوضع لما كان عليه قبل ثورات الربيع العربي.
ويرى دورسي أن هناك تفاوتًا في الرؤى وتصميم من قطر والإمارات على العمل وفق هذه الرؤى مبررين ذلك بأنها سياسة أمنية ودفاعية تم تصميمها لضمان نجاة الأنظمة وهو ما جعل المواجهة بينهما أمرًا حتميًا.
واعتبر دورسي أن الصراع بين الدولتين الخليجيتين كبيرًا، ويمكن على المدى القصير أو المتوسط أن ينجح الطرفين حتى إذا كان ذلك على حساب الأطراف التي تقاتل وتضر بسمعتها من أجلهم.
ويشير دورسي إلى أن تعقد الشرق الأوسط بوجود الكثير من المنافسين والتعارض في مصالح الأطراف الأساسية هو ما تسبب في تضخم أزمات المنطقة، على سبيل المثال دعمت عددًا من قوى الخليج المتمردين السوريين في صراعهم ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما أدى لتعقد المعركة بسبب الدعم لأطراف مختلفة تتقاتل بداخل المعارضة في الحرب السورية.
في النهاية تسببت الاستراتيجيات المختلفة في الحرب السورية التي تضمنت المعركة الوجودية بين السعودية وإيران، وعمل الإمارات على ممرات القوى في الخليج، ودعم قطر لقوات المعارضة في حالة من الفوضى والخراب.
من جهة أخرى يؤكد دورسي أن قطر تمكنت حتى الآن من تحدي المقاطعة ورفضت المطالب المقدمة لها من الكتلة السعودية الإماراتية والتي اعتبروا أنها ستقوض سيادتها .
ويجب أن نعي أن التغيير في المنطقة لا نفر منه، يبدو أن قطر تقف على الجانب الصحيح من المعركة على الرغم من عدم وجود تغيير كبير في سياستها الداخلية خاصة بعد موجه القومية التي اجتاحت الدولة في أعقاب المقاطعة وهو ما أدى لتوقف انتقاد سياسات السلطة والذي استمر لسنوات.
وبصرف النظر عن نهاية الأزمة الخليجية، إلا أنه يجب الاعتراف أن قطر تمكنت من احداث ثورة في المشهد الإعلامي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط بعد إطلاق شبكة الجزيرة عام 1996 والتي تحدثت عن قدرة الدول الصغيرة على تشكيل مناخهم الداخلي.
وقدمت شبكة الجزيرة تقارير ونقاشات ومنصة للأصوات التي تم قمعها، وكسرت توابيت في العالم العربي، وأجبرت إحداث تغيير في الاعلام العربي قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة استخدامها.
ويرى دورسي أن استراتيجية قطر تسببت في استهدافها من قبل الكتلة التي تقودها السعودية والامارات بعد فشلهم في وقف دعمها لقوى المعارضة في المنطقة وخاصة جماعة الاخوان المسلمين والتي تقترح انشاء حكم بديل.
وفي الوقت الذي اعتمدت فيه قطر على نهج المواجهة، قررت الإمارات التأثير على السعودية وإنشاء علاقات قوية مع صناع القرار بواشنطن، وشراء الموانئ في الممرات الأكثر ازدحاماً في العالم، بجانب قوتها العسكرية. تمكنت الإمارات من اقناع السعودية بتبني سياسات مثل حظر جماعة الإخوان المسلمين التي أثرت على الأمير الإماراتي محمد بن زايد، بدلاً من معاداتها، اختارت أبو ظبي التحالف مع الرياض لتحقيق أهدافها وتوليد قوة لها في المنطقة.
وسمح هذا النهج بعدم خروج الأزمات بينها وبين السعودية عن السيطرة ومن أبرز الأزمات التي واجهتهم مؤخراً أهداف الحرب اليمنية، ودور الإخوان المسلمين في التحالف السني ضد إيران، ودرجة التكامل الاقتصادي مع مجلس التعاون الخليجي ودور حماس في السياسة الفلسطينية، والأهم من ذلك أن هذا النهج سمح بتبني القوى الكبرى لسياسات الامارات.
ويضيف دورسي أنه إذا كان التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتمي، فإن الإمارات معرضة للخطر مثل قطر، وتأتي رغبة محمد بن سلمان في التخلص من الإخوان المسلمين بسبب تمتعهم بشعبية بين الشعب الإماراتي وبين أفراد القوات المسلحة.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه حكام السبع إمارات في الدولة اتفاقهم على الخطورة التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه من غير الواضح حماسهم جميعاً فيما يخص نهج الأمير محمد بن زايد العنيف تجاه قطر.
ويقول ويليام بيتاي السفير البريطاني السابق لدى السعودية أن الاضطراب بداخل الإمارات المختلفة ربما يكون أحد أسباب امتناع أبو ظبي عن تصعيد الأمر مع قطر عن طريق الإغلاق الجزئي لأنابيب الغاز بين أبو ظبي وقطر والتي تقدم لدبي ما يقرب من 40% من احتياجات الغاز الطبيعي.
وتوقع دورسي أن الأزمة الخليجية لن تنتهي قريباً، ولكنها أظهرت لنا أن الدول الصغيرة لا تحتاج للخضوع للدول الكبرى في المنطقة، بجانب قدرتها ليس فقط على التحدي ولكن أيضاً تشكيل العالم من حولهم.
ويرى دورسي أن القدرة على فعل ذلك لها علاقة بالرؤية وأهداف السياسات، والأصول التي يمكن للدول الصغيرة استخدامها للضغط، والرغبة في المخاطرة.
يضيف دورسي أن قطر والامارات يمثلوا نهجين مختلفين تماماً يقدموا دروساً ولكن يصعب اتخاذهم كمثال يحتذى به.